الرئيس السنيورة : نحن العرب جميعاً محتاجون إلى التضامُن العربي وإلى العناية العربية ولبنان بالذات محتاجٌ إلى التضامن العربي معه والعناية به
اعلن رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة : اننا نحن العرب جميعاً محتاجون إلى التضامُن العربي وإلى العناية العربية. ولبنان بالذات محتاجٌ إلى التضامن العربي معه والعناية به، وكذلك تحتاج سورية. لبنان لكي لا ينفقدَ الأملُ فيه، ويسقطَ سقطةً لا تنجبر. وكذلك سورية لكي لا تتحولَ إلى خرابٍ هائل، ومستنقع اقتتالٍ ودمار.
كلام الرئيس السنيورة جاء في الكلمة التي القاها في مؤتمر سعود الاوطان الذي نظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عن وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل، في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض بين 24 و26 من اشهر الجاري حيث حضر حفل الافتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وحشد من المسؤولين السعوديين والعرب .
وفي ما يلي نص كلمة الرئيس السنيورة في المؤتمر :
أصحاب السموّ والفخامة والدولة والسيادة،
أيها الاخوة والاخوات،
تاريخ الأمير سعود الفيصل مع لبنان، هو جزءٌ أصيلٌ في تاريخ العلاقة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية. فمنذ الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، أتى اللبنانيون للعمل في المملكة والمشاركة في نهضتها العمرانية والاقتصادية، وذهب السعوديون إلى لبنان سائحين وتجاراً وطلاباً ومستشفين ومستثمرين.
لقد بدأت علاقة الأمير سعود الفيصل بوصفه وزيراً للخارجية في المملكة بلبنان ومشكلاته في مؤتمر بيت الدين، في المقر الصيفي لرئيس الجمهورية اللبنانية عام 1976، وكان الأمير سعود هو الذي اقترح إرسال قوات سلام عربية إلى لبنان. وقال بهذه المناسبة ما حرفيته: ينبغي أن نخالف المَثَل العربيَّ القائل إنّ التسوية تتضمن أن لا يُقتلَ الذئب، ولا تفنى الغنم، بل لا بدّ من أن نقتل ذئب الفتنة الداخلية، ونعيد الاستقرار إلى هذا البلد العربي العزيز، بما يحفظ السيادة اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية، ويعين على إعادة إعمار ما تهدَّم. وبالفعل فإنّ قوات السلام العربية التي حضرت، كان من بينها فريقٌ عسكريٌ سعودي وآخر سوداني إلى جانب القوات السورية. وقد بقيت تلك القوات، وخمَدَ النزاع مؤقتاً، وبدأ التفكير في الإعمار بدعمٍ سعودي إلى ان اضطرب المشهد العربي من جديد عندما دخلت مصر في مفاوضات كامب ديفيد، ودخل لبنان والمنطقة يومها في مسار آخر. ولا ننسى في هذا المجال أنّ إسرائيل شنت عام 1978 عدواناً على لبنان واحتلت جزءاً من أرضه ثم تلته الحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 1982 والتي أدت إلى احتلال أجزاء إضافية كبيرة من الأرض اللبنانية، وصولاً إلى العاصمة بيروت باعتبارها أول عاصمة عربية يجري احتلالها من العدو الاسرائيلي. ولقد كانت للملك فهد رحمه الله مواقف مشهودةٌ خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان وما بعده. فما أن أُعلن عن وقف إطلاق النار حتى بدأ السعوديون العمل بتوجيهٍ من العاهل الراحل من أجل إغاثة المنكوبين وإعادة الإعمار في لبنان.
كانت المملكة ترى المشهد بكامله. فقد حصلت كامب ديفيد، وخرجت مصر من الصراع العربي- الاسرائيلي، وكان المطلوب إسرائيلياً وأميركياً بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان تصفية بقايا الصمود اللبناني على نيران الحرب الداخلية. ولذلك جاء مبعوثوها وبينهم رفيق الحريري لعمل ثلاثة أمور: إخماد النزاع بين الأطراف اللبنانية، والتوسط بين سورية والأطراف اللبنانية، والتفكير والتخطيط والعمل لإعادة الإعمار. وعلى ذلك انقضت سنواتٌ ستٌّ وذهبت الأطراف اللبنانية مرتين إلى سويسرا ومرة إلى دمشق، من أجل عقد اتفاقٍ يُنهي النزاع الداخليَّ، ويصحّح العلاقة بين الأطراف اللبنانيين وسورية. كان رفيق الحريري يطوف أُسبوعياً بين الأطراف آتياً من دمشق ثم يعود إلى الرياض لإطلاع الملك فهد، والوزير سعود الفيصل على مسوَّدات مشاريع الحلول. وعندما وجد الملك فهد والأمير سعود أنّ النتائج ما كانت على النحو المرجوّ، وبخاصةٍ أنه كانت هناك مؤشرات لانقسامات مسيحية جديدة وايضاً بسبب تصاعد التدهور الأمني في نهاية العام 1988 فقد كانت هناك حاجة للتفتيش عن حلول مبتكرة. ولذلك وعلى خلفية هذه التطورات، وبالاضافة الى التداعيات التي بدأ يرتبها طموح قائد الجيش آنذاك الجنرال ميشال عون إلى موقع رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل. كل ذلك دفع باتجاه تشكيل فريق عربي للمساعدة برئاسة الدبلوماسي الجزائري المعروف الأخضر الإبراهيمي، وذلك بعد انعقاد مؤتمر القمة السداسي في الرياض ومؤتمر القمة العربي الطارئ في الدار البيضاء في أيار 1989. تجد الاشارة الى انه خلال ذلك كان العمل مستمراً على مسوَّدات الاتفاق الشامل بين الأمير سعود والرئيس السوري حافظ الأسد وبمشاركة كاملة من رفيق الحريري. فلما نضجت الظروف، دعا الملك فهد النواب اللبنانيين إلى الطائف حيث عمل معهم الأمير سعود على مدى أكثر من عشرين يوماً انتهت باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية والذي صار دستوراً أقره المجلس النيابي اللبناني، حيث انتخب الرئيس الشهيد رينيه معوض خَلَفاً للرئيس الجميّل. فلمّا اغتيل الرئيس رينيه معوَّض وهو لم يكن قد مضى على انتخابه سبعة عشر يوماً (من 5/11/1989 لغاية 22/11/1989)، جرى انتخاب الرئيس الياس الهراوي. ولقد أشرف الأمير سعود على إنجاز الاتفاق، ثم أشرف على العملية الانتقالية المتمثلة في نزع سلاح ميليشيات الحرب. ولولا حربُ صدام حسين على الكويت، والتي أنتجت اصطفافاتٍ جديدةً لصالح الرئيس الأسد، لانتهت الأزمة في لبنان إلى غير رجعة، ولجرى تنفيذ اتفاق الطائف بحذافيره. هذا التقدير للموقف سمعه لبنانيون عديدون من الأمير سعود مراراً خلال فترة التسعينات. لكنّ الأمير سعود الفيصل كان شديد الأمل في تجاوُز الثغرات والعوائق من خلال الخطة الإعمارية الهائلة التي اجترحها الرئيس الحريري عام 1993 عندما صار رئيساً لوزراء لبنان. فقد شملت الخطة المدعومة من المملكة العربية السعودية، إعادة بناء الدولة اللبنانية ومؤسساتها واستعادة دورها وهيبتها، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وإعمار الاقتصاد وبناه التحتية وتفعيل التنمية المناطقية واستعادة النمو والتنمية المستدامة، وكذلك استعادة علاقات لبنان العربية والدولية.
وقد قال لي الرئيس الحريري مرةً في أواسط التسعينات من القرن الماضي، وكنت وزير الدولة للشؤون المالية، إنّ الأمير سعود اتصل به مستبشراً عندما سمع أنّ الشركات العالمية بدأت تعود إلى لبنان. وعندما شكى له الرئيس الحريري من نقص الاحتياطيات بالبنك المركزي، تحدث إلى الملك الراحل، حيث بادرت المملكة إلى إيداع وديعةٍ سعوديةٍ كبرى في المصرف المركزي اللبناني لتعزيز الاستقرار النقدي في لبنان وهي الودائع المعتبرة التي جرى تعزيزها وزيادتها بعد العدوان الغاشم على لبنان الذي اقترفته إسرائيل في العام 2006. كل ذلك ما كان ليجري لولا الدور المحوري الذي كان يلعبه الأمير سعود الفيصل في هذا الخصوص.
ايها الاصدقاء،
يتذكر الشعب اللبناني الأمير سعود الفيصل ولن ينساه، لأنه حمل إلى بيروت وخلال فترة العدوان الاسرائيلي في العام 2006 موقف القوة والعزة العربية وأدوات الصمود وإرادة الحياة. فلقد أتى سموّه مع زملائه وزراء الخارجية العرب إلى لبنان المحاصر بالحديد والنار الإسرائيلية في تموز من العام 2006 ليقول باسمه وباسم زملائه وزراء الخارجية العرب لا قويةً للعدوان الاسرائيلي على لبنان، ولا للغدر ولا للإجرام. وليقول العرب جميعاً وبصوتٍ واحدٍ نحن إلى جانبكم في مواجهة العدوان وسنعيد معاً بناء ما دمَّره هذا العدوان الإسرائيلي وسنساعد لبنان في إعادة الإعمار السياسي والعُمراني. وهذا هو الموقف العربي الثابت الذي ما فتئت تلتزم به المملكة العربية السعودية منذ ذلك الحين وما قبل ذلك بكثير. فلقد أسهمت المملكة بالدبلوماسية القوية والقادرة في التصدي للعدوان الاسرائيلي إلى جانب لبنان واللبنانيين. وفي المساعدة على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالإجماع وبالشكل والصيغة التي ترضي لبنان. وهي قد قامت ودولة الكويت ودولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان بدعم لبنان من أجل إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل. فقد قدمت المملكة بمفردها قرابة المليار دولار لإعادة الإعمار في لبنان بعد العدوان الإسرائيلي في العام 2006 وهو الإسهام الكبير الذي قامت به المملكة والذي مكَّن الدولة اللبنانية من إعادة إعمار وترميم 55 ألف وحدة سكنية في أكثر من مائتي وعشرين بلدة وقرية لبنانية وكذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت وذلك من أصل 108 ألف وحدة سكنية دمرها وخرّبها العدوان الإسرائيلي. هذا بالإضافة إلى الايداعات الضخمة التي أودعتها المملكة في مصرف لبنان لدعم الاستقرار النقدي وكذلك ايضاً القروض الميسرة الهامة التي منحتها المملكة للبنان عبر الصندوق السعودي من أجل الإسهام في إعادة الإعمار وتعزير وتوسيع البنى التحتية في البلاد.
إلى جانب ذلك كله، كان الجهد الكبير الذي بذله المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، والأمير سعود الفيصل، والملك سلمان بن عبدالعزيز حين صار ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، لتصحيح العلاقات مع النظام السوري بعد خروج جيشها من لبنان، وفي مساعدة وإقدار الجيش اللبناني لكي يستطيعَ حماية الحدود، وكذلك مساعدة القوى الأمنية اللبنانية من أجل صَون الأمن بالداخل وإقداراً لهما من أجل استعادة سلطة الدولة وحدَها على كامل الأراضي اللبنانية. وبعد ذلك واستمراراً على ذات النهج وقف الملك سلمان وما يزال إلى جانب لبنان من أجل إقداره على التغلب على المصاعب الجمّة المحلية والخارجية والناتجة عن التداعيات الاقليمية التي كان يعاني منها لبنان وما يزال.
ومرة ثانية ما كان لهذه الأعمال الجليلة ان تتم لولا الإسهام الكبير الذي قام به الأمير سعود الفيصل الذي كان على اطلاع دقيق ومستمر على التطورات الحاصلة في لبنان مما مكنه من اجراء متابعة دقيقة لما يجري في لبنان بكونه يمثل حينها المملكة ويلعب دور صلة الوصل الأساسية بينها وبين لبنان.
وإذا كنا نذكر للأمير سعود الفيصل هذين الموقفين الكبيرين والمشرِّفين من لبنانَ وأمنِه وأمانِه ودولته واستقراره إبان الحرب الأهلية في لبنان وإبان العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان. فلنذكُرْ له موقفاً أشهر وأَجَلّ على المستوى العربي، ومن بيروتَ أيضاً. فقد كان عام 2002 إلى جانب ولي العهد السعودي يومها الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي أعلن في مؤتمر القمة ببيروت آنذاك، المبادرة العربية للسلام، نُصرةً لحقِّ الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته واستقلاله وخلاصه من الاحتلال الاسرائيلي وكذلك نصرة لحق الفلسطينيين والعرب في القدس. وما تزال تلك المبادرةُ حتى اليوم عصيةً على التجاهُل والتجاوُز، رغم كلّ ما حصل ويحصل.
أيها الإخوة والأخوات الكرام،
منذ ثمانينات القرن الماضي، صار الأمير سعود هو لسانُ العرب في المحافل الدولية. إذا تكلّم قيل إنّ ما قاله هو رأْيُ العرب، وموقف العرب. وإذا تحرك إلى إحدى الجهات العربية أو الإقليمية أو الدولية، فقد كنا نرى جميعاً ويرى العالم معنا أنّ لذلك دلالةً ما على هذا الأمر أو ذاك أو هذه السياسة أو تلك. أذكر أنه في العام 1990 إباّن غزوة صدّام حسين للكويت، أنّ سعود الفيصل قال من نيويورك: إنّ الاعتداء الآثم على سيادة دولة الكويت وأرضها، كان ينبغي مكافحتُه وإنهاؤه عربياً. لكنْ في حالة عدم الاستطاعة، ولأنّ احتلال الكويت أصبح يهدد السلام والأمن الدوليين، فإنّ العرب ينبغي أن يعملوا مع المجتمع الدولي، لتحرير الكويت وإعادة الشرعية إليها.
ولا شكَّ أنّ ذلك يعود إلى عدة عوامل وليس إلى عاملٍ واحد. فالعاملُ الأولُهو الدور والموقع المتقدم للمملكة العربية السعودية في المنطقة والإقليم والعالَم منذ قيام الملك فيصل بن عبد العزيز بالمقاطعة البترولية عام 1974 لدعم مصر وسورية في حرب العام 1973، والتأثير في تحرير الأرض العربية، والاسهام في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المغتصبة.
وأمّا العامل الثانيفهو سياسات المملكة الثابتة تجاه استعاده التوازن الاستراتيجي في المنطقة والعمل على تعزيز استقرار المنطقة العربية ودعم وتعزيز وحدة العرب وأمنهم بعد دخول مصر في كامب ديفيد، والخصام الذي لم يهدأْ بين النظامين البعثيين في سورية والعراق. وهكذا لم يبق في الميدان غير المملكة ومعها شقيقاتُها من دول الخليج العربية منذ الثمانينات، بمعنى أنّ الآخرين اتجهوا إلى دواخلهم وإلى التنازُع فيما بينهم في أنظمةٍ عسكريةٍ وأمنية. والمملكةُ هي الدولةُ العربيةُ الرئيسيةُ الوحيدة التي ظلَّ وصار الهمُّ العربيُّ والإسلاميُّ هو عمادُ سياستها الخارجية، تجمعُ عندما يمكن الجمع، وتتصدى للمشكلات عندما تدلهمُّ الخُطوب، وتقفُ صامدةً في وجه الأعاصير التي هبّت وتهبُّ على الديار العربية في فلسطين وفي غير فلسطين.
ونصِلُ إلى العامل الثالثالمتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة والتي شارك الأمير سعود الفيصل وعلى مدى أربعة عقودٍ ومن موقع رئيسي في صناعتها وتشكيلها. لقد صار صوتَ العرب بالطبع بسبب الدور الريادي والوازن للمملكة في السياسات العربية والدولية. لكنّ تلك السياسات زاد تأثيرها أيضاً، وعلى الأقلّ على الأطراف الخارجية العربية والإسلامية والدولية- بسبب شخصية الأمير الراحل القوية والصادقة والمخلصة والصريحة والحازمة في آن. لقد كان مثالَ المؤمن الذي قال عنه رسولُ الله صلواتُ الله وسلامُهُ عليه أنه إذا وعد وفى، وإذا حدَّثَ صدق، وإذا ائتُمن حَفِظ ولم يَخُنْ.
إيها الإخوة والأخوات،
عندما أتذكَّر الأمير سعود في شخصيته وسياساته أمامكم اليومَ، فإني أتذكره يحاول أن يفعل شيئاً وسط هذا المخاض العربي القاتم والعاصف. إنّ ذكرى الأمير سعود بشخصيته القوية والمسؤولة، وبصيرته النافذة، تزوّدُنا بدروسٍ للحاضر والمستقبل. إنّ علينا أن نعملَ كما تعملُ المملكة العربية السعوديةُ وعمل الأمير سعود راعي سياستها الخارجية على مدى عقود. علينا أن نعمل بقدْر ما نستطيع لكي نستعيدَ إيمانَنا بالعروبة المستنيرة رابطةً ثقافيةً ورابطةً حضاريةً وثيقةً، والتي تؤمن بدولة المواطنة التي يتساوى جميع مواطنيها بين بعضهم بعضاً امام القانون والتي تؤمن بالإصلاح والنهوض والحكم الرشيد. العروبة المستنيرة التي تجمعُ بين العرب وتحفزهم على رعاية مصالحهم وحقوقهم المشروعة وتعزز تكاملهم السياسي والاقتصادي والأمني واعتمادهم المتبادل لما فيه تعزيزُ حضورهم ودورهم الاقليمي والدولي وتدافع عن امنهم القومي وازدهار اقتصاداتهم وضمان مستقبلهم في عالم حافل بالمتغيرات والتحولات.
إنّ قصةَ الراحل الأمير سعود الفيصل مع لبنان في إنهاء حروبه وإعماره، هي ذاتُها قصتُه أو بالأحرى قصة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تُجاه كلّ العرب في العقود الخمسة الماضية. والسياساتُ المنتجةُ هي السياساتُ الكبرى الدائمة، كما هو شأن الدول الكبرى صاحبة المبادئ والقضية. نحن نجد الشواهد الكبرى والدالّة على هذه الاستمرارية، وليس آخِرُها زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله لمصر وهي الشقيقة العربية الكبرى والتي بسبب موقعها وتاريخها وعدد سكانها حيث يعادل عدد سكانها تقريباً ثلث عدد العرب جميعاً في كافة اقطارهم وهي كلها عوامل تؤكد على الدور العربي القومي الهام لمصر في محيطها وبالتالي الحاجة الى تعزيز هذا الدور القومي العربي لمصر في استعادة التوازن الاستراتيجي العربي في المنطقة الى جانب المملكة العربية السعودية. كذلك ايضاً في موقف المملكة الوازن والهام أيضاً في مؤتمر قمة مجلس التعاون الإسلامي بإسطنبول بما يسهم ايضاً في استعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة وبما يضمن حضور العرب الاقليمي ويؤكد على ضرورة رعاية مصالحهم الامنية والسياسية والاقتصادية ويعزز توجهاتهم في تقوية توجهات وقوى الاعتدال في المنطقة العربية واهمية العمل على جمع الصفوف وتجميع الطاقات للتصدي للتشدد والتطرف والارهاب.
إنها الرؤية الشاملة، والحرص الدائم على المصالح الكبرى والباقية، والعمل الدؤوب والمُتتابع على تحقيق تلك المصالح بالسعْي وبالتضحيات.
أياً يكن الظرف، وأياً تكن التقديرات. والتقديرات تختلف، وقد تختلف باختلافها المواقف والتصرفات. نحن العرب جميعاً محتاجون إلى التضامُن العربي، وإلى العناية العربية. ولبنان بالذات محتاجٌ إلى التضامن العربي معه والعناية به، وكذلك تحتاج سورية. لبنان لكي لا ينفقدَ الأملُ فيه، ويسقطَ سقطةً لا تنجبر. وكذلك سورية لكي لا تتحولَ إلى خرابٍ هائل، ومستنقع اقتتالٍ ودمار.
رحم الله الأمير سعود الفيصل، سعود المملكة وكل أوطان العرب والمسلمين. وأطال الله عمر الملك سلمان بن عبد العزيز لكي ينتهي معه وبدعمه واصراره وثباته الخواء الذي أنذرنا به الأمير الراحل في قمة سِرْت عام 2010، وتعودَ للمشروع الاستراتيجي العربي ذُرى توهُّجه ونتاجاته الحافظة للوحدة والامن والاستقرار والازدهار بما يضمن للعرب مصالحهم الوطنية والقومية ويفتح لهم جميعاً آفاقاً مستقبلية بالتعاون مع العالم من حولهم.
ستبقى بإذن الله ذكرى الامير الراحل عطرة ندية وحية في ضمائر ووجدان اللبنانيين وفي ضمائر ووجدان جميع العرب والمسلمين.