الاحد عشر مليار دولار : يجب الاعتذار من البلد
الاحد عشر مليار دولار : يجب الاعتذار من البلد
غسان عياش
النهار 9/اب/2017
توقّف المراقبون أمام ما ورد في الملخّص الاقتصادي الذي قدّمه رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، واستغرب البعض قوله إن الدين العام في لبنان بلغ 110 مليار دولار.
لا داعي للاستغراب، فالرقم ليس بعيدا عن الواقع، بل ربّما كان أدنى قليلا من مجموع الالتزامات الحقيقية للقطاع العام. الرقم الرسمي المعلن للدين، وهو 78 مليار دولار، لا يأخذ بالحسبان كافة ديون القطاع العام بل يكتفي باحتساب التزامات وزارة المالية فقط.
القطاع العام هو وحدة قانونية واقتصادية لا تتجزّأ. فإذا أضيفت إلى ديون الخزينة التزامات مصرف لبنان "التاريخية" تجاه المصارف، يمكن لرئيس الجمهورية أن يقول "وهو مرتاح" إن الديون المجمّعة للقطاع العام في لبنان لا تقلّ عن 120 مليار دولار، أي ما يعادل 230% من الناتج المحلي القائم.
الملخّص الاقتصادي للرئيس يشير إلى الأوضاع المتردّية للمالية العامّة بوصفها خطرا جسيما يهدّد البلاد في أجل غير بعيد. ومع أن لهذه المشكلة جذورا قديمة ومتنوّعة تراكمت وتطوّرت منذ أربعة عقود، فقد تفاقمت في السنوات الأخيرة تفاقما كبيرا، بسبب دفع مالية الدولة دفعا، وعن سابق تصوّر وتصميم، إلى الفوضى والضياع وفقدان التوازن والانضباط، عندما توقّف إصدار الموازنات، وبالتالي قوانين قطع الحساب.
لتحقيق هذا الهدف، جرى اختلاق كذبة موصوفة لغايات سياسية مفادها أن أحد عشر مليار دولار هُدرت أو سُرقت أو اختفت في عهد حكومات الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2009، وأن لا أثر للقيود المتعلّقة بها في أدراج وزارة المالية. الباطل الذي بُني على هذا الباطل هو وقف إصدار قوانين الموازنة بحجّة تعذّر بت قطوع الحسابات قبل معرفة مصير الأحد عشر مليار دولار "الضائعة".
في عهد حكومتي الرئيس السنيورة، خلال السنوات المشار إليها، أحيلت مشاريع قوانين الموازنة وفقا للأصول إلى المجلس النيابي، الذي تعذر عليه إقرارها في الظروف السياسية المعلومة وقتذاك، فلجأت الحكومة إلى الإنفاق وفقا للقاعدة الاثني عشرية واستنادا إلى اعتمادات موازنة سنة 2005. فيما خصّ نفقات الموازنة، التزمت الحكومتان تماما خلال ولايتهما بسقف الإنفاق الذي تتيحه هذه القاعدة الدستورية وهو عشرون ألف مليار ليرة على مدى أربع سنوات، بل إن الانفاق الفعلي كان أقلّ قليلا من هذا المبلغ.
أما نفقات الخزينة التي لا تتحكّم الدولة بها فقد تجاوزت، نتيجة تطوّر الإنفاق، ما تسمح به القاعدة الاثني عشرية بمبلغ يعادل أحد عشر مليار دولار أميركي. وكانت الحكومة مجبرة على تسديد هذه المبالغ الفائضة بحكم الضرورة، لمنع إفلاس الدولة وتسيير المرافق والخدمات الحيوية، فاستوردت المحروقات للكهرباء وسدّدت فوائد الدين العام ودفعت زيادات على رواتب الموظفين أقرّها المجس النيابي.
بعدما تقدّم العمل في لجنة المال والموازنة على قطوع حسابات السنوات السابقة دون اكتشاف إهدار أو سرقة أو إخفاء لأحد عشر مليار دولار، من يملك الشجاعة على الاعتذار؟ ليس الاعتذار للرئيس فؤاد السنيورة فحسب، بل للبنان كله جراء ادّعاء كاذب حرم الدولة من الموازنة سنوات طويلة وأشاع الفوضى في ماليتها، وأدخل في ذهن البعض أن اللبنانيين مقسومون إلى "فسطاتين" يفصل بينهما جدار من الحقد والكراهية، الأوّل هو معسكر الإصلاح الذي يتميّز بالنقاء الأخلاقي والوطني، والآخر هو معسكر العمالة والفساد.