الرئيس السنيورة في مؤتمر الحوار: الرئيس السنيورة : النظام اللبناني مأزوم لان الحوارات كانت تجري على حاشية المؤسسات أو خارجها

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

قال الرئيس فؤاد السنيورة : خلال أكثر من أربعة عقود من زماننا الوطني كان الوضع في لبنان يتراوح بين عدة حالات وسيناريوهات فبين إجراء حوار تقطعه جولات عسكرية واغتيالات إلى عودة لاستئناف الحوار بطرق مختلفة إلى انقطاع يؤدي إلى زيادة حدّة الخلافات، فإلى تفاهم على معاودة اللقاءات فاتفاقات جزئية وصولاً بعد ذلك إلى توافق على مبادئ عامة بشأن الوفاق الوطني

اضاف : انّ النظام اللبناني وعلى ما يبدو هو مأزوم بالفعل. فالحوارات كانت تجري على حاشية المؤسسات أو خارجها.

وقال :   فإنّ الحوارات الوطنية وإن دلّتْ على وجود واستمرار الحياة السياسية، لكنها من ناحية أُخرى تُفقدُ الانتخابات والمؤسسات والقوانين قوة المعنى والتأثير. ولذلك فإنه حتى مع الجوانب التوافقية للنظام فإنّ الإدارات السياسية للطوائف تظلُّ مستقلةً، وتستطيع في أي مفترق تعطيل هذه المؤسسة أو تلك. وهذا ما تقتضي معالجته.

كلام الرئيس السنيورة جاء اليوم في كلمة له في مؤتمر إطلاق دليل الحوار الوطني باللغة العربية بعنوان: "في مسألة الحوار الوطني" بدعوة من مؤسسة بيرغهوف الألمانية بالشراكة والتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية ووزارة الخارجية السويسرية  فندق الفينيسيا وفي ما يلي نصها 

فخامة الرئيس،

أصحاب المعالي والسيادة،

أيها السيدات والسادة،

عرفتُ مؤسسة بيرغهوف الألمانية وأعمالها قبل عدة سنوات، عندما أتى إليَّ بعضُ ممثليها للتشاور في مطلع عملهم مع دار الفتوى. لكنّ معرفَتي الحقيقية بهم جاءت بالفعل بالتعرف على نشاطاتهم التوليفية الكثيرة من خلال كتاب "الحوار الوطني"، الذي صدر بالعربية قبل شهورٍ قليلة. وهو كما يصفونه: دليلٌ للممارسين. وهو يحكي تجاربهم في مناطق ومجتمعات الأزمات. وبالطبع ليست هذه المؤسسة وحيدةً في هذا العمل الكبير والبنّاء، لكنها والحق يقال، ومن خلال الدليل، كانت وماتزال ذات نشاطٍ بارزٍ في إيجاد حلول للأزمات في مناطق متعددة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

أيها السيدات والسادة،

نجتمع اليوم بناء لهذه الدعوة الكريمة من مؤسسة بيرغهوف وبدعم من سفارتي ألمانيا وسويسرا، وتحت رعاية دولة الرئيس سعد الحريري، للبحث في كيفية الحؤول دون تحول الاختلاف إلى خلاف يصل إلى حدّ اللجوء إلى العنف، وذلك من أجل التوصل إلى إجماعات وطنية عبر توسل الحوار وسيلة لبناء تلك الإجماعات ومستعينين على ذلك بما أبرزه تراكم التجربة اللبنانية في الحوار والتواصل.

السؤال الأول الذي تنبغي الإضاءة عليه هو: لماذا تجري الحوارات الوطنية في الدول والمجتمعات؟ في العادة ومن حيث المبدأ تجري الحوارات الوطنية في الكثير من دول العالم من خلال المؤسسات الدستورية، وذلك للتوصل إلى تفاهمات واتفاقات وطنية. فحتّى في الأزمات السياسية، تكون البرلمانات أو الحكومات الائتلافية هي التي تتولى مهمة العمل من أجل التوصل لحلّ مشكلةٍ وطنية أو أكثر. وأحياناً تنطلق الجهود الحوارية وبشكل تمهيدي عبر مؤسسات وسيطة، حتى إذا حصل التوافُق أو بعضُه، يعودُ الأمر إلى البرلمان المعني لحسْمِه بالقانون أو الاشتراع.

أما في المجتمعات السياسية المأزومة مثل حالتنا نحن في لبنان، فإنّ خياراتٍ أُخرى كان يجري انتهاجها لحفظ السلم الداخلي، من طريق لقاء الأطراف السياسية المتنازعة مع بعضها بعضاً، أو لدى رئيس الجمهورية أو لدى رئيس المجلس النيابي، أو لدى مؤسسات مدنية محلية أو بإسهام من مؤسسات صديقة أو دولية، إمّا لتجنب المزيد من الانقسام، او لصنع أو لاكتشاف مخرجٍ من أزمة، أو استكشاف أُفقٍ يخرج البلاد من حالة الجمود والاستقطاب أو التنافر.

وخلال أكثر من أربعة عقود من زماننا الوطني، كان الوضع في لبنان يتراوح بين عدة حالات وسيناريوهات. فبين إجراء حوار تقطعه جولات عسكرية واغتيالات، إلى عودة لاستئناف الحوار بطرق مختلفة، إلى انقطاع يؤدي إلى زيادة حدّة الخلافات، فإلى تفاهم على معاودة اللقاءات، فاتفاقات جزئية وصولاً بعد ذلك إلى توافق على مبادئ عامة بشأن الوفاق الوطني. وفي محصلة الأمر، أوصلنا ذلك كله إلى التوافق في الطائف على وثيقة الوفاق الوطني، وبالتالي إلى وضع صيغة لدستورنا الجديد الذي تمّ إقراره من قبل المجلس النيابي، وهي الصيغة المعمول بها لدينا الآن، والتي جمعت بين دفّتيها كل ما يتعلق بمضمون الميثاق الوطني.

إلاّ أنه، وما بعد العام 1992، ومع استئناف الحياة البرلمانية والسياسية في ظل الدستور الجديد ومع تقدم الوقت، وعندما لم يُسمَحْ للبنان واللبنانيين باستكمال تنفيذ اتفاق الطائف بنتيجة تدخلات نظام الوصاية على لبنان، وبسبب تداعيات التدخلات الأجنبية المختلفة والاجتياحات والصدمات الإسرائيلية المتعددة على لبنان، وذلك بالتوازي أيضاً مع ضَعْفِ الرغبة لدى بعض اللبنانيين بتطبيق الإصلاحات الواردة في اتفاق الطائف، فقد أدّى ذلك كله وعملياً إلى أن يصبح اللبنانيون بالفعل مستنكفين عن أن يكونوا رسلاً أمينين بحق لسموّ فكرة لبنان الرسالة، رسالة العيش المشترك التي تحدث عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني.

بناء على ذلك، فقد تعثرت مسيرة العودة الدائمة للاستقرار الوطني والسياسي والدستوري للبنان، وعاد بعدها لبنان واللبنانيون ليشكوا من المزيد من التسلط والتهميش، ومن ثم عادوا للمعاناة من زيادة وطأة المواجهات الداخلية والتدخلات الخارجية على أنواعها، وصولاً إلى الاحتقانات الأمنية ومحاولة فرض تعديلات دستورية عليهم ومن ثم إلى تعريضهم لممارسات التهويل والتهديد والابتزاز وبث الفتن والفرقة بينهم، فالعودة إلى مسلسل الاغتيالات، فإلى التشنج والمزيد من الانغلاق والتطرف، وتصاعد حدّة الممارسات الشعبوية، ومن ثمّ الاضطرار ومرة جديدة إلى العودة بعدها إلى جولات الحوار، مع ما رافق ويرافق ذلك من توترات وانقسامات.

أيها السيدات والسادة،

أستطيع بحكم التجربة ابتداءً من العام 2006 وإلى العام 2016 حين انتخب الرئيس الجديد للجمهورية، الحديث عن جولات الحوار التي حصلت خلال السنوات العشر الأخيرة.

قبل الخوض في تلك التفاصيل، لا بدّ من التوقف هنا للقول إنّ الذهابَ إلى الحوار في لبنان كان في المبدأ دائماً مفيداً. فالحوار هو ممارسة للعمل السياسي الوطني بطريقة مختلفة وإنْ لم يكن من ضمن أو من داخل المؤسسات الدستورية. والسبب أنه عندما ينقطع العمل السياسي بأي صيغةٍ كانت فالبديل هو النزاعُ المسلَّح كما هو معروف.

إلاّ أنّ ما أعتقده جازماً الآن، أنّ اللبنانيين لا يريدون في الأعم الأغلب العودة إلى النزاع المسلح فيما بينهم. وهم يريدون التوصل إلى توافقات وتفاهمات والحفاظ على عيشهم المشترك. وموقفهم في هذا هو نابع في الأساس عن استحالة تخلي كل فريق عن الفرقاء الآخرين، وحاجتهم الدائمة للاعتماد المتبادل فيما بينهم لتحقيق التكامل مع أولئك الأخرين لبناء نظام المصلحة اللبنانية المشتركة. هذا أيضاً ومن جهة أخرى، بسبب إدراكهم لمدى التعب والإنهاك الذي نال منهم ومن وحدتهم الوطنية وسلمهم الأهلي ومستوى ونوعية عيشهم. كذلك بسبب إدراكهم لمدى صعوبة واستعصاءات وانسدادات الوضع الذي وصلوا إليه على أكثر من صعيد وطني وسياسي واقتصادي واجتماعي وإداري. كذلك أيضاً بسبب الرغبة التي تحدوهم من أجل استعادة الدور الذي ينبغي على دولتهم أن تقوم به وتحتضنهم فيه، والمهابة التي يجب أن تحافظ عليها دولتهم في ظل ما يشهدونه من انهيار كبير لدول وطنية كثيرة من حولهم.

الحوار الوطني هو عملٌ سياسيٌّ من طرازٍ رفيع، لأنه يكسر حدّة الخلافات، وينفِّسْ الاحتقان، ويحفظ السلم الأهلي ويعزز التوجهات السلمية، ويدعم في النهاية عمل المؤسسات. كما أنه يُشعِرُ الجميع أنّ المشاركة والتشارك ما يزال ممكناً، ويمكن أن يؤتيَ بعض الثمار لجهة ما يمكن التوصل إليه من تفاهمات تُطمئنُ كلَّ طرفٍ أنه لا يُرادُ تجاهُلُهُ، ولا إهمالُ مصالحه.

إنه وعلى قَدْرِ أهمية النتائج الإيجابية التي يمكن أن تنجم عن عقد جلسات الحوار، فإنّ من أهم القواعد التي ينبغي احترامها في هذا الصدد، هي أنه وعند التوصل إلى اتفاق أو تفاهم بأي موضوع من موضوعات الحوار، فإنه لا يجوز العودة بشأنه إلى الاحتكام إلى الشارع أو إلى السلاح أو إلى الفوضى.

ولأنني كما سبق القول، قد شاركْتُ في الحوارات الوطنية خلال أكثر من عقدٍ حافلٍ بالمشكلات، فإنني أُريد الدخول في بعض التفاصيل التي تُعنى بالمشكلات والموضوعات التي كانت مطروحة، ثم أُعقِّبُ على ذلك ببعض الاستنتاجات.

  • الحوار الوطني الأول

أطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري في شهر كانون الأول 2005 مبادرة حوارية، تم عقد جلستها الأولى في آذار 2006، واستمرت جلساتها اللاحقة حتى نهاية حزيران 2006. وقد حدّد الرئيس بري فيها نقاط الحوار بثلاث:

كشف الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى، القرار الدولي الرقم 1559 وملحقاته أي ترسيم الحدود، والاتفاق على ماهية سلاح المقاومة، والعلاقة مع سوريا.

عقد مؤتمر الحوار الوطني أولى جلساته في 2 آذار 2006 في مجلس النواب على شكل طاولة مستديرة. وامتدت جلسات الحوار أربعة أشهر، في ثلاثة عشرة جلسة، وتوقفت كلياً قبل أسبوعين من اندلاع حرب تموز 2006. وكانت النتيجة أن صدرت المقررات الآتية:

"وأعلن رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، بعد رفع الجولة، أن المتحاورين أقروا بالإجماع حتى الآن:

  • موضوع الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومتفرعاتها، وتمّ إقرار موضوع لجنة التحقيق والمحكمة الدولية وتوسيع مهام لجنة التحقيق.
  • الموضوع الفلسطيني: حثّ الحكومة على متابعة جهودها في الاهتمام بالمسائل الحياتية والاقتصادية والإنسانية، وحلّ قضية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال 6 أشهر، ثم داخل المخيمات، مع التأكيد على مسؤولية والتزام الدولة في حماية المخيمات من أي اعتداء، وعلى رفض التوطين وتأكيد حق الفلسطينيين في العودة.
  • العلاقات اللبنانية- السورية: وانطلاقاً مما تكرس في وثيقة الطائف لجهة العلاقات المميزة وبعد التأكيد على ضرورة التنسيق والتعاون بين البلدين اتفق المجتمعون على أن تنمية هذه الروابط تقتضي إرساءها على قواعد ثابتة وتصحيح الخلل وذلك عبر:
  1. عدم جعل سوريا مصدر تهديد لأمن لبنان أو جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وتأمين سلامة مواطنيهما وضبط الحدود بينهما بين الجانبين ودعوة الحكومة لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
  2. إقامة علاقات وديّة مبنية على الثقة تتجسد في أقرب وقت بإقامة علاقات ديبلوماسية وإنشاء سفارة.
  3. تفعيل ودعم اللجنة المشتركة لإنهاء ملف المفقودين في البلدين.
  • مزارع شبعا: اجمع المتحاورون على لبنانيتها وأكدوا دعمهم للحكومة في جميع اتصالاتها لتثبيت لبنانيتها وحدودها ووفق الأصول المتبعة لدى الأمم المتحدة.
  • في موضوع رئاسة الجمهورية: جرى نقاش مستفيض وأجمع المتحاورون على وجوب استمرار المناقشة لإيجاد حلّ لأزمة الحكم. وبقي موضوع سلاح المقاومة قيد النقاش بالإضافة إلى مواضيع أخرى. لذلك أرجئت الجلسة إلى الأربعاء في 22 الحالي.

إلاّ أنه لم يجرِ الالتزام أو تنفيذ القسم الأكبر مما تمّ التوافق عليه في ذلك الحوار.

  • الحوار الوطني الثاني

بعد ذلك، وفي 25 تشرين الأول 2006، أطلق الرئيس بري مبادرة حوارية تشاورية جديدة تقوم على دعوة قادة مؤتمر الحوار الأول إلى حوار تشاوري لمدة أسبوعين. جاءت تلك الدعوة لكسر الجليد بين الأطراف في ضوء تداعيات "حرب تموز". وعقدت في حينها وخلال الفترة الممتدة من 6 تشرين الثاني وحتى 11 تشرين الثاني خمس جلسات. وتمّ فيها التداول في المحكمة الدولية وانتخابات رئاسة الجمهورية، وفي مسألة تأليف حكومة وحدة وطنية، ولم يعين موعد لجلسات لاحقة، ولم يتم التوصل إلى شيء أساسي في ذلك الصدد بسبب الخلاف على مسألة المحكمة الدولية.

  • الحوار الوطني الثالث

بعد أن جرى اجتياح مدينة بيروت من قبل حزب الله وحركة أمل بقوة السلاح في السابع من أيار 2008، عقدت في فندق الفينيسيا جلسة حوار تمهيدية بتاريخ 15/05/2008، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس وزراء الخارجية العرب في 11/5/2008 المنعقد في جامعة الدول العربية، والذي مهّد للمؤتمر الذي عقد في الدوحة.

ولقد جرى الإعلان يومها عن اتفاق سُمي "اتفاق الفينيسيا"، والذي تمّ برعاية جامعة الدول العربية لمعالجة الأزمة اللبنانية. ومن ضمن تلك المقررات:

نص اتفاق فينيسيا 15/5/2008:

تم الاتفاق على ما يلي:

  1. عودة الأمور الى ما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة في 5/5/2008.
  • الترحيب في هذا الإطار بقرار الحكومة الاستجابة لاقتراح قيادة الجيش في شأن القرارين المتعلقين بجهاز أمن المطار وشبكة الاتصالات التابعة لـ"حزب الله".
  • الانهاء الفوري للمظاهر المسلحة بكافة صورها، والسحب الكامل للمسلحين من الشوارع وفتح الطرقات والمنافذ البرية ومطار رفيق الحريري الدولي ومرفأ بيروت.

 ج- عودة الحياة الطبيعية وتولي الجيش مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي وتأمين عمل المؤسسات العامة والخاصة.

  1. الموافقة على استئناف الحوار الوطني على مستوى القيادات والعمل على بناء الثقة بين الفرقاء، وفق جدول الأعمال التالي:

 - حكومة الوحدة الوطنية.

 - قانون الانتخابات الجديد. على أن يتوج الاتفاق بإنهاء الاعتصام في وسط بيروت عشية انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

  1. يبدأ الحوار فور صدور هذا الإعلان وتنفيذ البند الأول في الدوحة يوم الجمعة 16/5/2008 برعاية الجامعة العربية على أن يستمر في شكل متواصل ومكثف حتى التوصل الى الاتفاق.
  2. تتعهد الأطراف بالامتناع عن أو العودة الى استخدام السلاح والعنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
  3. إطلاق الحوار حول تعزيز سلطة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها وعلاقتها مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية بما يضمن أمن الدولة والمواطنين. ويطلق هذا الحوار، ويستكمل برئاسة رئيس الجمهورية فور انتحابه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبمشاركة الجامعة العربية.
  4. تلتزم القيادات السياسية وقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي والمذهبي على الفور.
  5. يكون لكل بند من بنود هذا الاتفاق ووفقا لنصوصه نفس القوة والمفعول ويلتزم الفرقاء التزاما كاملا تطبيقها جميعا".

ولقد تلا ذلك انعقاد مؤتمر الدوحة الذي جاءت مقرراته على الشكل الآتي:

نص اتفاق الدوحة (21 أيار 2008):

برعاية كريمة من حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، واستكمالا لجهود اللجنة الوزارية العربية لمعالجة الأزمة اللبنانية برئاسة معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية لدولة قطر، والسيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأصحاب المعالي وزراء خارجية: المملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وجمهورية جيبوتي، وسلطنة عمان، والمملكة المغربية والجمهورية اليمنية.

واستناداً الى المبادرة العربية بشأن احتواء الأزمة اللبنانية، وتنفيذا للاتفاق الذي تم ما بين الفرقاء اللبنانيين برعاية اللجنة الوزارية العربية في بيروت بتاريخ 15/5/2008 والذي هو جزء لا يتجزأ من هذا الاعلان.

انعقد مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في الدوحة خلال الفترة من 16/5/2008 حتى 21/5/2008 بمشاركة القيادات السياسية اللبنانية اعضاء مؤتمر الحوار الوطني والذين أكدوا حرصهم على إنقاذ لبنان والخروج من الأزمة السياسية الراهنة وتداعياتها الخطيرة على صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي بين اللبنانيين والتزامهم مبادئ الدستور اللبناني واتفاق الطائف، وكنتيجة لأعمال المؤتمر وما دار من مشاورات ولقاءات ثنائية وجَماعية أجرتها رئاسة اللجنة الوزارية العربية وأعضاؤها مع جميع الأطراف المشاركة في هذا المؤتمر.

وتم الاتفاق على ما يأتي:

أولاً:     اتفق الاطراف على أن يدعو رئيس مجلس النواب البرلمان اللبناني للانعقاد طبقاً للقواعد المتبعة خلال 24 ساعة لانتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، علماً بأن هذا هو الأسلوب الأمثل من الناحية الدستورية لانتخاب الرئيس في هذه الظروف الاستثنائية.

ثانياً:    تشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيرا توزع على اساس 16 وزيرا للأغلبية، 11 للمعارضة، 3 للرئيس، وتتعهد الاطراف كافة بمقتضى هذا الاتفاق بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة.

ثالثا: اعتماد القضاء طبقاً لقانون 1960 كدائرة انتخابية في لبنان بحيث يبقى قضاء مرجعيون/ حاصبيا دائرة انتخابية واحدة، وكذلك بعلبك ـ الهرمل، والبقاع الغربي- راشيا.

الموافقة على إحالة البنود الإصلاحية الواردة في اقتراح القانون المحال الى المجلس النيابي والذي أعدته اللجنة الوطنية لإعداد قانون الانتخابات برئاسة الوزير فؤاد بطرس لمناقشته ودراسته وفقاً للأصول المتبعة.

رابعاً:    وتنفيذاً لنص اتفاق بيروت المشار اليه وبصفة خاصة ما جاء في الفقرتين 4 و5 واللتين نصتا على:

  • تتعهد الأطراف بالامتناع عن أو العودة الى استخدام السلاح أو العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
  • إطلاق الحوار حول تعزيز سلطات الدولة اللبنانية على أراضيها كافة وعلاقاتها مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية بما يضمن امن الدولة والمواطنين.

وبذلك تم إطلاق الحوار في الدوحة حول تعزيز سلطات الدولة طبقا للفقرة الخامسة من اتفاق بيروت، وتم الاتفاق على ما يلي:

  • حظر اللجوء إلى استخدام السلاح أو العنف أو الاحتكام اليه في ما قد يطرأ من خلافات أياً كانت هذه الخلافات وتحت اي ظرف كان بما يضمن عدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية القائم على تصميم اللبنانيين على العيش معا في اطار نظام ديموقراطي، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يشكل ضمانةً لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي للبنانيين كافة وتتعهد الاطراف بذلك.
  • تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في المناطق اللبنانية كافة بحيث لا تكون هناك مناطق يلوذ اليها الفارون من وجه العدالة، احتراماً لسيادة القانون، وتقديم كل من يرتكب جرائم او مخالفات للقضاء اللبناني. يتم استئناف هذا الحوار برئاسة رئيس الجمهورية فور انتخابه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبمشاركة الجامعة العربية، وبما يعزز الثقة بين اللبنانيين.

خامساً: إعادة تأكيد التزام القيادات السياسية اللبنانية بوقف استخدام لغة التخوين او التحريض السياسي او المذهبي على الفور.

تتولى اللجنة الوزارية العربية إيداع هذا الاتفاق لدى الامانة العامة لجامعة الدول العربية بمجرد التوقيع عليه.

تم التوقيع على هذا الاتفاق في مدينة الدوحة في اليوم الحادي والعشرين من شهر مايو ـ ايار لسنة 2008 م، من القيادات السياسية اللبنانية المشاركة في المؤتمر، وفي حضور رئيس اللجنة الوزارية العربية واعضائها".

 

المشكلة أنه وقبل ان يجف حبر تلك القرارات، فقد جرى الخروج على معظمها ولاسيما من قبل الميليشيات المسلّحة.

  • الحوار الرابع برئاسة الرئيس ميشال سليمان:

في 9 أيلول 2008، أطلق رئيس الجمهورية ميشال سليمان الدعوة لانعقاد طاولة الحوار الوطني، حيث عقدت ثلاث عشر جلسة على مدى الفترة الممتدة من 16 أيلول 2008 ولغاية 05/05/2014. وكان من أهم ما تمّ التوصل إليه في تلك الجولات الحوارية: إعلان بعبدا الذي صدر بتاريخ 11/06/2012.

نص إعلان بعبدا:

انعقدت هيئة الحوار الوطني في مقر رئاسة الجمهورية في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ومشاركة أفرقاء الحوار، تلبية للدعوة التي وجهها الرئيس.

وقد افتتح الرئيس سليمان الجلسة بإبراز الحاجة الملحة التي دفعته الى المبادرة للدعوة الى استئناف أعمال هيئة الحوار، "والتي جاءت لتؤكدها الأحداث المؤسفة الأخيرة وخصوصاً في الشمال وتداعياتها السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، في وقت يتحضر فيه لبنان لموسم الاصطياف ولزيارة قداسة البابا الرسمية لأراضيه منتصف شهر أيلول المقبل، ولأنه بلدهم الذي يتوجب على اللبنانيين المحافظة عليه رسالة حرية وعيش مشترك وحوار".

وبعدما عرض ما حققته الهيئة من إيجابيات في جلساتها السابقة ولاسيما منها "مواكبة استحقاقات السنوات الاربع المنصرمة في أجواء ديموقراطية وهادئة"، تطرق إلى الاعتبارات التي أدت إلى توقف أعمالها، مؤكدا "ضرورة تذليل العقبات التي تقف في وجه نجاحها في تنفيذ قراراتها السابقة، وفي المضي بأعمالها بانتظام وثبات لغاية تحقيق كامل الأهداف الوطنية التي أنشئت من أجلها".

ولفت في هذا المجال إلى ما حصل من وقائع وأحداث وتطورات داخلية وإقليمية ودولية جديدة منذ توقف أعمال هيئة الحوار.

وتمت مناقشة عامة لبنود جدول الأعمال كما طرحها رئيس الجمهورية، كذلك تم الاستماع إلى آراء أفرقاء هيئة الحوار ومواقفهم في مواضيع مختلفة وطارئة تستلزم اهتماماً ومعالجات فورية.

وبنتيجة التداول تم التوافق على النقاط والمقررات الآتية:

"1-    إلتزام نهج الحوار والتهدئة الأمنية والسياسية والإعلامية والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.

2-     إلتزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.

3-     دعوة المواطنين بكل فئاتهم الى الوعي والتيقن، أن اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدي إلى خسارة محتمة وضرر لجميع الأطراف ويهدد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة.

4-     العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعية لحل أي خلاف أو إشكال طارئ.

5-     دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسدة للوحدة الوطنية، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع الحالات الأمنية الطارئة وفقاً لخطة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار.

6-     دعم سلطة القضاء تمكيناً من فرض أحكام القانون بصورة عادلة ومن دون تمييز.

7-     الدعوة الى تنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانية.

8-     دعوة جميع القوى السياسية وقادة الفكر والرأي الى الابتعاد عن حدة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كل ما يثير الخلافات والتشنج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقق الوحدة الوطنية ويعزز المنعة الداخلية في مواجهة الأخطار الخارجية، ولا سيَما منها الخطر الذي يمثله العدو الإسرائيلي، وبما ينعكس إيجاباً على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصادية والسياحية والأوضاع الاجتماعية.

9-     تأكيد ضرورة التزام ميثاق الشرف الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي، بما يساهم في خلق بيئة حاضنة ومؤاتية للتهدئة ولتكريس لبنان كمركز لحوار الحضارات والديانات والثقافات.

10-   تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسية ثابتة.

11-   التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده.

12-   تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، وذلك حرصا على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.

13-   الحرص تاليا على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقراً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفولاً تحت سقف الدستور والقانون.

14-   إلتزام القرارات الدولية، بما في ذلك القرار 1701.

15- مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليات لتنفيذ القرارات السابقة التي تم التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.

16-   تحديد الخامس والعشرين من حزيران الجاري موعداً للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها.

17-   اعتبار هذا البيان بمثابة "إعلان بعبدا" يلتزمه جميع الأطراف وتبلغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة".

لم تنقضِ أيام كثيرة على صدور إعلان بعبدا، حتى جرى التبرؤ منه، ولاسيما من قبل حزب الله، وبالتالي فكأنه جرى عملياً التخلي عن العودة إلى الحوار. علماً أنّ آخر جلسة انعقدت للحوار في عهد الرئيس سليمان تلك التي حصلت بتاريخ 05/05/2014 لينتهي عهد الرئيس سليمان دون التمكن من الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية.

بعد ذلك كانت تجري جلسات حوارية جانبية بين أطراف معينة لكنها لم تسفر عن شيء سوى التأكيد على فكرة استمرار التواصل.

  •  العودة إلى الحوار برئاسة الرئيس بري

بعد تعذّر التوافق على رئيس جديد للجمهورية، جرى الحوار على مدى أكثر من سنتين ونصف السنة ولواحد وعشرين جلسة في مجلس النواب، لم تؤدِ إلى أي نتيجة على الإطلاق.

في تلك الجلسات الحوارية التي عقدت لدى الرئيس بري والتي كان موضوعها الأساس الانتخابات الرئاسية، تطرقت تلك الجلسات لمجموعة من الأفكار دون حسم واضح لعدد منها ومن ذلك حول من هم المعنيون بتحديد من سيكون الرئيس في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وهل انتخاب الرئيس هو قرار مسيحي في المقام الأول، بينما كان الرأي الآخر أنه قرار وطني. وأمر آخر حول من هم المرشحون للرئاسة ومن هم المؤهلون ليكونوا رؤساء. فكان هناك موقف بأن هناك نادياً مغلقاً ينحصر فقط بأربعة مرشحين، وأما الرأي الآخر يقول أنه لا يجوز ذلك وبوجوب أن يفسح لآخرين بالترشح.

ومسألة ثالثة حول تحديد ماهية الرئيس القوي، وكان هناك موقف بأنه هو القوي في طائفته، بينما الرأي الآخر بأنه من الضروري أن يكون قوياً بكفاءته وقوياً في طائفته ولكن قوته لا تقتصر فقط ان تكون في طائفته بل يجب على الرئيس أن يكون وبذات المقدار قوياً ومقبولاً لدى الطوائف الأالرأي الآخر بانه من الضروري أن يكون قوياً في طائفته ولكنه يجب ان يكونقوياً خرى.

المشكلة الدائمة ظلّت ولطالما كانت كذلك في مختلف جلسات الحوار وهي أن الحديث في الحوار كان شيئاً والممارسات على الأرض كانت شيئاً آخر.

ما الذي يمكن استنتاجه من جولات الحوار المتتابعة في لبنان منذ العام 2005 وحتى اليوم.

أُول الاستنتاجات، لقد اضطر اللبنانيون إلى ابتكار أطر جديدة للحوار بسبب التعطل والتعطيل للأطر الدستورية، ولاسيما للمجلس النيابي أو لمجلس الوزراء وحتى لرئاسة الجمهورية التي يجب ان تكون المكان الصحيح للحوار الوطني ولتنظيم العلاقات اللبنانية- اللبنانية وفقاً للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني.

انّ النظام اللبناني وعلى ما يبدو هو مأزوم بالفعل. فالحوارات كانت تجري على حاشية المؤسسات أو خارجها، مع أنّ الموضوعات ما كانت عارضةً إذ تناولت مسألة العدالة، والمحكمة الدولية، ومسألة انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة، وسلاح حزب الله، وقانون الانتخابات، والاستراتيجية الدفاعية. وهي جميعاً قضايا رئيسية كان يفترض وينبغي علاجها من داخل المؤسسات الدستورية وذلك لم يحصل. وبالتالي فقد تحولت المؤسسات الدستورية تدريجياً إلى مراكز تسجيل لما كان يجري خارجها أو لأخذ العلم بالاتفاقات السياسية التي تؤخذ من خارج المؤسسات.

ومع أنّ في البلد دستوراً ويمكن الاحتكام إليه، وفي البلد برلمان ويمكن الاحتكام إليه، فإنّ هاتين المؤسستين: الدستور والبرلمان، ما لقيا التمكين أو الإجماع من كل الأطراف السياسية. وما كانت رئاسة الجمهورية حاضرةً كل الوقت، لكنْ حتى في حال حضورها، كما في وضع الرئاسة الحالية، لم تستطع التدخل بما لها من دور كبير كَحَكَمٍ ومؤتمنة على الدستور وتحتضن الجميع واستناداً إلى ما يعطيه الدستور لرئيس الجمهورية من سلطة معنوية ولاسيما أنه: "لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته"، وذلك لإنجاز تشكيل الحكومة. فهل هذا يعني أنّ هناك أزمة حُكم أو نظام؟

بنظري، إنها أزمة ممارسة سياسية تشترك في المسؤولية عنها جميع المرجعيات الدستورية بدأً من رئاسة الجمهورية مروراً بمجلس الوزراء ومجلس النواب. وبالتالي فإنها ليست أزمة نظام.

ولذلك أرى أنه ينبغي أن تستعيد المؤسسات الدستورية مكانتها ودورها وهيبتها وان تتحول فعلياً إلى مكان للحوار الوطني، وأن تتجاوز بالتالي الواقع الذي وصلت إليه بأنها دوائر تسجيل أو لأخذ العلم. ويكون ذلك بالعودة والإصرار على الاحترام الكامل للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني نصاً وروحاً والبدء بالعمل على استكمال تنفيذ ما نصّت عليه تلك الوثيقة ونصّ عليه الدستور. كما وعودة الجميع ومن أعلى الهرم نزولاً لاحترام القانون والنظام قولاً وممارسة.

أخشى ما أخشاه، أنه إذ استمرت الأمور دون المبادرة إلى التقدم على مسارات اعتماد المعالجات الصحيحة، والتزام الحكم الصالح، والرشيد والحلول المستدامة، الخوف عندها أن تتحول المشكلة إلى أزمة نظام، وهناك الطامّة الكبرى.

رسمياً ليس هناك فريق سياسي في لبنان يتنكر علناً للدستور أو للرئيس أو للبرلمان. لكن في المقابل، وياللأسف، هذا الفريق السياسيَّ أو ذاك إذا استعملنا التعابير السياسية يدّعي امتلاك الحقَّ، أو يمارس سلطة الفيتو، من خارج الدستور، وحسبما يشعر أنّ مصالحه تدفع باتجاهه. ولا يستطيع أحدٌ تحويله عن وجهة نظره، لا الأكثرية البرلمانية، ولا الأكثرية في الحكومة، ولا صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يفترض به أن يكون الحكَم والمكلَّف بصَون الدستور والسهر على احترامه.

إنّ الحجة التي يلجأ إليها البعض في حق "الفيتو"، هو أنّ النظام اللبناني نظام توافُقي. وبالتالي يميل البعض إلى التعسف في تطبيق وممارسة مبدأ التوافقية. إلاّ أنّ هذه الممارسة وكيف يجري تطبيقها أدّت إلى أن يصبح كل ما لم يتم الاتفاق عليه مرادفاً سياسياً للخروج عن الميثاق وعن الدستور.

ذلك ما أدى في المحصلة، إلى نشوء خلط خطير بين فكرة التوافقية والميثاقية، وأدى الى وجود خلط والتباس خطيرين بين دور وصلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية في لبنان. مع العلم أن النظام الديمقراطي اللبناني يقوم أساساً على مبدأ الفصل بين السلطات وعلى توازنها وتعاونها كما أتى في مقدمة الدستور. هذا علماً بأنّ النظام الديمقراطي، ومن حيث المبدأ، لا تستقيم ممارساته إلاّ بوجود أغلبية تحكم وأقلية برلمانية تعارض. إذ إنّ المعارضة في وجودها وحسن ممارستها لدورها هي بالفعل من يصوب بوصلة الحكم وبوصلة العمل الديمقراطي، وهي في دورها هذا تسهم إسهاماً عملياً في انقاذ وتعزيز حيوية وديمومة الدستور والنظام الديمقراطي البرلماني الذي كان وما يزال يميّز لبنان.

فالمشكلة الأساس تكمن في أنه لا يمكن إدارة أحوال البلاد من خلال اعتماد نظام توافقي بالمفهوم السائد في لبنان بما يعني إعطاء حق الفيتو أو التعطيل لأي فريق. وهذا الحق لا قواعد ولا سند له من الدستور إذ إنّه من الصعوبة بمكان تأمين التوافق في لبنان على كثيرٍ من الأمور.

وبالتالي، وبهذه الممارسة، تتحول فكرة التوافقية إلى تسليم البلاد لموازين القوى وتَغَيُّرِها داخلياً وخارجياً، وفي ذلك خطورة كبرى. هذا فضلاً عن أنه يفتح الباب على مصراعيه لتتحكم القوى الاقليمية والدولية بمسار الأمور، وهذا أمر يحمل معه تداعيات خطيرة. هذا فضلاً عن التوافقية بهذا المفهوم تصبح أسيرة إرادات ونظام الشلل والجمود، من جهة، والتخلي عن السيادة والقرار الوطني، من جهة ثانية. والأكثر خطورة، إن التوافقية على الطريقة اللبنانية، وبالممارسة التي نشهدها، تصبح وكأنها نظام القضاء على مفهوم وقيم الديموقراطية والحرية، وبالتالي القضاء على جوهر فكرة المساءلة والمحاسبة. ويصبح النظام نظام تحكَّمْ الطوائف في الحكم ونظام تسلط الطائفة والأحزاب الطائفية وقواها السياسية على الحكم في البلاد.

وبناءً على ذلك، تستطيع الكتل الكبيرة أو المتوسطة التحكم بالقرار السياسي وحتى التعطيل من خلال الإصرار على هذا المطلب أو ذاك بغضّ النظر عما يقوله الدستور، أو أياً تكن صلاحيات الرئيس.

ومرةً أخرى: هل يعني ذلك أنّ في البلاد أزمة حكم أو نظام؟ ومرةً أُخرى: انها أزمة ممارسة سياسية! وأهم ما يتسبب في تفشي هذه المشكلة وتفاقمها عدم المسارعة إلى استكمال ما اتفق عليه في الطائف الذي ينص على تطبيق نظام المجلسين.

المجلس التشريعي الذي هو مجلس النواب، وكذلك مجلس الشيوخ.

إنه وبعمل المجلسين تكتمل عندها الحلقة المتمثلة باحترام إرادة الفرد وتحترم إرادة الجماعات. الأولى باحترام إرادة الفرد عبر مجلس النواب الذي يحتفظ ويحتكر سلطة التشريع في كل ما يتعلق بالمواطن الفرد، وفي ما يتعلق بعلاقة الفرد بالدولة والمجتمع، وبما يتعلق بحقوق وواجبات كل منهم. هذا من جهة أولى. أما الثانية، وفيما يتعلق بمجلس الشيوخ، فإنه وعند ممارسته لعمله تكتمل الحلقة باحترام إرادة الجماعات عبر هذا المجلس من أجل وقف أي افتئات على حقوق الطوائف. وهذا لا يعتبر بنظري مجلساً تشريعياً بل هو مجلس يضع الحواجز أما الأعمال والتصرفات التي يمكن ان تتضمن تعدياً على إرادة الجماعات أو عندما يصار إلى التعدي على إرادتها أو على مصالحها الأساسية.

لذلك فإني أميل إلى الاعتقاد أن النظام الديمقراطي البرلماني اللبناني ليس ديمقراطية توافقية بل هو ديمقراطية تشاركية تعمل في إطار نظام ديمقراطي برلماني والذي له أصوله وقواعده. وهذا يتضح من الممارسات التي تٌعَطِّلُ النظام من خلال الاستباحة التي تمارسها القوى السياسية، المحتكرة للتمثيل الطائفي المذهبي، وبما يمارسها أيضاً الأفراد والهيئات التابعين لها أو المنضوين تحت لوائها، للحيّز العام للدولة على حساب الدولة وحساب حقوق المواطنين وحق المواطنة.

وثاني الاستنتاجات، أنّ الحوار الوطني حال بالفعل دون تفاقُم النزاع الداخلي، سواء في السياسة أو في الأمن. في معظم الأحيان ما أمكن الوصول من خلال الحوار إلى حلولٍ أو معالجات شافية إذ أنّ أغلبها كانت معالجات تسكيتية فقط. لكنّ كلّ الأطراف ظلّت مستعدةً للتلاقي مع بعضها بعضاً تعبيراً عن رغبتها في الوصول إلى توافُق. وفي العادة، فإنّ ذلك كان يؤدي إلى تخفيف التوتر في الشارع وبين الأطراف السياسية.

أنا لا أريد من وراء ذلك الذهاب إلى أنّ الأمر في الحوار هو عبثي. بدليل أنه في الثمانينات وفي حين فشل حواران في جنيف ولوزان، فإنّ اللقاء بالطائف أنهى الحرب، وصنع وثيقة الوفاق الوطني التي صارت دستوراً. ولعلّ ذلك يشير إلى أمرٍ آخَرَ مؤسف، بمعنى أنّ النجاحات الكبرى أو الصغرى للحوار تحتاج إلى وسيط خارجي يتّسم بالقدرة والتأثير وإرادة التوفيق فيما بين الفرقاء. وهكذا كان الأمر مع السعودية في الطائف، ومع قطر في الدوحة، وإنْ بشكلٍ مختلف حيث تحققت تسوية مؤقتة واستثنائية سرعان ما جرى إفشالها وإساءة تطبيقها وتحويرها عن هدفها وما رعت عملية اتخاذ مقرراته.

وثالث الاستنتاجات، أنّ المؤسسات الدستورية اللبنانية جميعاً ضعيفة، بدليل أنّ كل الحوارات في النزاعات تجري خارجها أو على حاشيتها. ولذلك، فإنّ الحوارات الوطنية وإن دلّتْ على وجود واستمرار الحياة السياسية، لكنها من ناحية أُخرى تُفقدُ الانتخابات والمؤسسات والقوانين قوة المعنى والتأثير. ولذلك فإنه حتى مع الجوانب التوافقية للنظام، فإنّ الإدارات السياسية للطوائف تظلُّ مستقلةً، وتستطيع في أي مفترق تعطيل هذه المؤسسة أو تلك. وهذا ما تقتضي معالجته.

ورابعُ الاستنتاجات وآخِرها، تلك المرارة التي تعتري الواحدَ منا وهو يرى تعطُّل المؤسسات وعدم قدرتها على القيام بوظائفها المفترضة رغم تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية والوطنية في البلاد.

كتاب بيرغهوف عن الحوار الوطني في المجتمعات والدول المأزومة دقيقٌ ومفيدٌ، لأنه يعرض تجاربَ ومحاولات للتدخل في النزاعات من أجل الإصلاح واستعادة الائتلاف الوطني والاستقرار، بل ونجاح بعض تلك المحاولات: فهل يمكن لنا نحن في لبنان أن نُفيد من ذلك باعتبار الكتاب دليلاً للممارسة.

أرجو أن يكون ذلك ممكناً. والشكر لمؤسسة بيرغهوف، لأنها أتاحت لنا الفرصة لمراجعة تجربتنا الوطنية في التفكير بالتوافُق والبناء والمفيد في صون مؤسساتنا الدستورية وسلامنا الوطني.

 

تاريخ الخبر: 
05/12/2018