الرئيس السنيورة : لبنان يعاني من ثلاث ازمات كبرى ولا يمكنه تحمل نتائج حرب جديدة

-A A +A
Print Friendly and PDF

اجرت قناة المشهد الاخبارية حديثا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول اخر التطورات في لبنان والمنطقة وفي ما يلي نصه:

س: نرحب الآن مباشرة من بيروت ضيفي رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة. لنبدأ بالتطورات الأخيرة وما حصل في قرية جدرا شمالي مدينة صيدا قبل ساعات ربما ليس لأن هذا النوع من الاستهداف يتكرّر، ولكن لأنّه يطال بلدات ليس بالضرورة حدودية، وربما قد يصبح الاستهداف أكثر فأكثر في العمق اللبناني كيف تعلق على ما حدث؟

ج: ‏مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. الحقيقة أنَّ أهم ما نشهده اليوم هو في استمرار القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل من ذوي الرؤوس الحامية- وفي مقدمهم رئيس الوزراء- مصممون على إشعال جبهة الشمال في إسرائيل من خلال ارتكاب المزيد من الاستفزازات العسكرية والاغتيالات. وما شاهدناه اليوم كان عيّنة من تلك الاستفزازات والاستهدافات لسيارة يقال إنّه كان فيها أحد قيادي حماس الذي نجا، وأحد الأشخاص من حزب الله. مكان هذا الاستهداف في منطقة جدرا شمال مدينة صيدا. وهو يبعد تقريباً أكثر من 35 كيلو متر عن مجرى نهر الليطاني. وهذا ما يتخطّى منطقة قواعد الاشتباك التي قيل عنها ان الاستهدافات محصورة في المنطقة جنوبي مجرى الليطاني. المشكلة أنَّ إسرائيل تستمر في ارتكاب هذه الاستفزازات في لبنان في الوقت الذي تستمر في تنفيذ عملياتها الحربية في قطاع غزة ومنطقة رفح بالذات، وضاربة بعرض الحائط بما يتسبب به من ضحايا بريئة في تلك المنطقة التي يلجأ فيها أكثر من 1.5 مليون فسلطيني.

ذلك إلى جانب، ما يقوم به الجيش الإسرائيلي مباشرة وعبر المستوطنين من استفزازات وتعديات، وتضييق وملاحقات وقتل للفلسطينيين في الضفة الغربية، والذي تستهدف إسرائيل منه- وفي المحصلة- دفع الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية إلى النزوح عنهما، تنفيذاً للهدف الإسرائيلي الأساس وهو تصفية القضية الفلسطينية برمّتها.

س: بالتالي أن من يتابع الآن الشأن اللبناني يرى أن لبنان يتأرجح بين كفتين كفة الاحتواء الدبلوماسي من جهة وكفة ربما الذهاب نحو حرب مفتوحة مع إسرائيل بالنسبة لك لبنان أقرب إلى أي كفة؟

ج: ‏دعني أتناول الأمر بدايةً من الجانب اللبناني، حيث أنَّ الموقف الشعبي اللبناني بأكثريته الساحقة يتركَّز على ضرورة المحاذرة دون أن يُصار إلى أن يستدرج لبنان إلى هذه المعركة العسكرية لما تحمله معها من خسارات في الأرواح والتدمير الكبير. المفارقة أنّ هذا ما يصرح به حزب الله، وكما يصرح به أيضا المسؤولون في إيران، وهو ما عبّر عنه أيضاً وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته اليوم إلى لبنان من ضمن زياراته الكثيرة والمتكرّرة، وهو الذي عادة ما يأتي إلى لبنان، ويحرص على أن يقابل رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة وذلك للتغطية عن الهدف الأساسي لزيارته، وهو زيارة السيد حسن نصر الله وقادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومقابلة الرئيس الأسد في سوريا.

عدم الرغبة في توسيع نطاق الحرب تعبر عنه إيران وحزب الله في أنهما لا يريدان توسيع نطاق هذه المعركة العسكرية، وأنهما حريصان على ضبط حدود ردّات الفعل. ولكن الخوف الدائم الذي يساور اللبنانيين هو في احتمال أن تنفلت الأمور وتصبح غير مضبوطة، ولاسيما بنتيجة الاستدراج والاستفزاز اليومي الذي لاتزال تقوم به إسرائيل، بحيث يمكن أن ينزلق لبنان إلى هذه المعركة العسكرية التي لا يريد اللبنانيون أن يتورّط بها على الإطلاق لأنه ليس باستطاعة لبنان أن يتحمل مزيدا من الصدمات والمخاطر، وهو الذي لايزال يعاني- وعلى الأقل- من ثلاث أزْمات أساسية متراكبة فوق بعضها بعضاً، وهي: الأولى، أزْمة سياسية وطنية كبيرة جداً، ولاسيما أننا لا نستطيع حتى الآن أن ننتخب رئيس جمهورية ولا أن تتألف حكومة جديدة ولا أن نعيد تكوين مؤسساتنا الدستورية. والثانية، في انهيار اقتصادي ومالي ومعيشي خطير. والثالثة، هو الأزْمة المتعلقة بعدد النازحين السوريين الموجودين في لبنان والذين يقترب عددهم من 40% من عدد سكان لبنان. وهي الأزْمات التي لها تداعيات خطيرة على النسيج اللبناني، وعلى أوضاعه الاقتصادية والمعيشية والأمنية. وهي التي ليس بطاقة لبنان أن يتحملها، وحتماً ليس بإمكان لبنان أن يتحمل أزْمات خطيرة جديدة فوقها ستؤدي بالنهاية إلى تدمير لبنان. هذا علماً أنّي أميل إلى الاعتقاد أنَّ تورط لبنان في هذه المواجهة العسكرية غير المحسوبة لن يغيّر كثيراً في الموازين العسكرية على أرض المعركة.

س: بالتالي كيف تنظرون إلى هذه التحركات الدبلوماسية وتحرك هوكشتاين والتي يقوم بها مؤخرا هل تعتقد فعلا أنها ستؤدي إلى تجميد القتال في الجنوب اللبناني؟

ج: عرفنا السيد هوكشتاين بداية من خلال تكليفه وإسهامه في تطوير الموقف التفاوضي الذي قام به من أجل التوصل إلى اتفاق ما بين لبنان وإسرائيل لتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان مع فلسطين المحتلة. وعلى ما يبدو، فإنَّ هوكشتاين يحاول أن يبني على هذا النجاح المحقق، وذلك بتكليف من الرئيس بايدن الذي يبدو عليه أنه فقد الأمل من التوصّل إلى نتيجة مع إسرائيل تؤدي إلى معالجة مشكلة غزة، وذلك بسبب عناد وتصميم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على موقفه. ولقد ظهر هذا واضحاً من خلال فشل الزيارات العديدة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى المنطقة، إذْ لم يستطع أن يغير على الإطلاق من المواقف الإسرائيلية. ربما يظن الرئيس بايدن أن السيد هوكشتاين يمكن أن يتوصل إلى نتيجة.

نحن نعلم أنّ الوضع في غزة دقيق جداً. وبالتالي، فإنّ إسرائيل تهدد وتحاول أن تأخذ الجميع إلى حافة الهاوية من خلال التهديد باجتياح منطقة رفح، وأن تحاول بعدها إلى فتح المعركة مع حزب الله في الشمال على مصراعيها. وهذا الواقع هو ما يجعلني متخوفاً من أن تتدهور الأمور إلى الحدّ الذي تخرج فيه عن السيطرة، وبالتالي يصعب بعدها ضبط الأمور.

س: ولكن هناك شروط إسرائيلية تطالب بانسحاب حزب الله من الحدود اللبنانية وشرط بضرورة تطبيق الأمر 1701 ربما وإيجاد ربما حل شامل للصراع مع لبنان. هل تعتقد أن الوصول إلى هذا الأمر ممكن؟

ج: ‏أولاً، دعني ألفت الانتباه إلى أنّ القرار 1701 لا ينص على الإطلاق على انسحاب الأشخاص، ولاسيما الأشخاص المحكي عنهم من سكان الجنوب والمنتمين لحزب الله، والذي يفترض بهم أنهم مواطنون لبنانيون. ودعني أوضح هنا، أنّي لا أتكلم عن أشخاص آخرين ربما دخلوا إلى لبنان خلسة- من فلسطينيين أو غير فلسطينيين- ممن هم منخرطون مع حزب الله وحماس في هذه المواجهات العسكرية الجارية في منطقة جنوب لبنان أو أنهم يعملون بالتنسيق معهما، والذين لا يجوز لهم أن يكونوا أصلاً في لبنان وهناك بالذات. أنا اتكلم عن اللبنانيين المنضوين تحت لواء حزب الله. هؤلاء لبنانيون، وحيث لا ينص القرار 1701 على انسحاب أولئك العناصر من تلك المنطقة. ولكن القرار 1701 نصّ بوضوح تام على سحب جميع الأسلحة الثقيلة من منطقة جنوب الليطاني. أي ان منطقة جنوب الليطاني اللبنانية ممنوع وجود الأسلحة الثقيلة على الإطلاق. عملياً، ما هي الأسلحة المسموح بها نظريا هي الأسلحة الفردية يعني أن لا تتعدى المسدس أو البندقية غير ذلك فهو ممنوع، وهذا هو جوهر النقاش الذي ساد أيضاً خلال جلسة مجلس الوزراء التي حصلت في الثاني عشر من اب 2006، وكان ذلك هو الذي تفاهمنا عليه كحكومة لبنانية، والذي أيضا بنينا عليه موافقتنا على القرار 1701.

لقد وافقت إسرائيل على القرار 1701، ولكنها لم تلتزم بتطبيق القرار 1701، وهناك انتهاكات مستمرة من قِبَلِها للخط الأزرق، وحيث تستمر إسرائيل في احتلال قرية الماري- أي شمال ما سمي قرية الغجر- وأيضاً في استمرار احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

في المقابل أيضاً، فإنَّ حزب الله لم يلتزم بالقرار 1701 ولم يسحب أسلحته الثقيلة، بل عزّزها بعد ذلك بشكلٍ كبير جداً. ولذلك، فإنّ الأمر الذي ينبغي أن يحصل هو في العمل على تبريد الوضع في الجنوب اللبناني وهذا يفترض أن تتوقف إسرائيل عن القصف وعن الاستهدافات والاغتيالات المتقصدة، والتي يظهر أن هذه العمليات تستند إلى اختراقات أمنية نجحت إسرائيل في اختراق صفوف حزب الله عن طريق عملائها، وكذلك اعتماداً منها على الأساليب التكنولوجية الحديثة التي تمكنها من معرفة الأشخاص وتحركاتهم، وبالتالي يسهل عليها اغتيالهم.

س: في سياق الحديث عن هذا الموضوع والمواقف من بعض الوزراء في حكومة تصريف الأعمال هناك موقف أثار الجدل للوزير عبد الله أبو حبيب الذي رفض انسحاب حزب الله الى شمال نهر الليطاني. هذا الموقف ربما اعتبره كثيرون تماهياً مع موقف حزب الله وحتى بعض المواقف ذهبت إلى أكثر من ذلك واعتبرت ان هذه الحكومة تعمل ‏لصالح حزب الله فماذا تعلق على ذلك؟

ج: ‏أحياناً تأتي بعض التصريحات من قبل بعض المسؤولين لتؤشر عن وجود بعض الارتباك وعدم الوضوح في هذا الشأن، والذي قد يُفهمْ منه أحيانا أنه هناك نوع من التماهي مع موقف حزب الله. لذلك، أرى أنه يجب أن يكون الأمر واضحا لدى المسؤولين في لبنان، وبالتالي أن تعبِّر مواقفهم المُعلنة عن حقيقة الموقف لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين الذين يؤيدون القضية والمطالب الفلسطينية ويتعاطفون مع الفلسطينيين ويريدون أن يؤيدوا القضية الفلسطينية بما تسمح به ظروف لبنان، وبمعنى عدم السماح، وبالتالي عدم القبول بانزلاق لبنان إلى توسيع نطاق الاشتباك العسكري، لاسيما وأنّ ما تجدر الإشارة إليه، هو أنَّ لبنان قد تعرّض- وعلى مدى العقود الخمسة الماضية- لستة اجتياحات إسرائيلية أساسية مدمرة، وبالتالي ليس بإمكان لبنان أن ينخرط في معارك عسكرية جديدة. هذا علماً أنّ بإمكان لبنان أن يساعد القضية الفلسطينية المحقة عبر الوسائل الدبلوماسية والسياسية والإعلامية. أكثر من ذلك غير مقبول ولا يجوز أن يصار إلى استدراج لبنان لأن ينزلق لينخرط ويتورّط في هذه المعركة العسكرية ولا أن يصار من جانب آخر أن يقدم حزب الله على استثارة إسرائيل بشكل أو بآخر لكي ترد على حزب الله مما يورط لبنان فيما لا يستطيعه ولا يقدر عليه. أنا عبرت عن هذا الموقف الواضح يوم 8 أكتوبر الماضي أي في اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى، والذي قلت فيه وبكل وضوح أننا نؤيد الموقف الفلسطيني، ولكن يجب أن نحاذر التورط فيما لا يستطيعه أو يقدر عليه لبنان.

س: بغض النظر عن الحرب في غزة أي مستقبل تتوقعه لحزب الله؟

ج: ‏المستقبل لحزب الله هو أن يتحول إلى حزب سياسي مثله مثل بقية الأحزاب اللبنانية، وليس مقبولاً أن يصار إلى أن يهيمن على الدولة اللبنانية أو أن يخطف قرارها السياسي. ما هو حاصل الآن في لبنان، هو أنّ هناك عملية اختطاف واضحة من قبل حزب الله ومن وراءه إيران للقرار الوطني الحر للبنان بذريعة محاربة إسرائيل بما يؤدي إلى تحميل لبنان ما لا يقدر عليه، وحيث لا يقبل اللبنانيون أن يكون أمنهم من أمن إيران. هذا الاستيلاء والسيطرة على لبنان لا يتورع المسؤولون في إيران عن التدخل والقول وبوضوح بأنهم يسيطرون على أربع دول عربية ويعنوا بذلك العراق وسوريا ولبنان واليمن وإيران. بالفعل، فإنّ وجود إيران وعبر أذرعها المتعددة هو أكبر وأقوى من قوة الدولة في كل من هذه البلدان. هذا الأمر ليس من صالح لبنان أن يستمر هكذا على الإطلاق. وهذا الأمر يؤدي إلى مشكلات كبيرة جدا تؤثر على النسيج اللبناني وقد تطيح بالدولة اللبنانية. كذلك ليس من صالح لبنان أن يُدْفعْ او أن يستدرج إلى هذه المعركة العسكرية الدائرة في غزة. إذْ أنَّ هناك مجالات كبرى أخرى يستطيع لبنان أن يدعم من خلالها القضية الفلسطينية وبالتالي أن يعطي العالم صورة واضحة، وأن ينجح في أن يشكّل نموذجاً رائعاً لإدارة التنوع لديه وعبر إدارة صحيحة للعيش المشترك، وحيث لا تستطيع أي مجموعة في لبنان منفردة أن تفرض رأيها على باقي الفرقاء.

س: سؤال أخير إن الحديث يكثر في الفترة الأخيرة والتقارير تتحدث عن عودة محتملة ربما لرئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري رئيس تيار المستقبل وهذه العودة ستكون في ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري وهناك من يقول حتى ربما هذه العودة قد تأتي في إطار تسوية سياسية شاملة حتى للمنطقة هل تعتقد أن هذا الأمر ممكن؟

ج: ليس لديّ معطيات كاملة في هذا الخصوص. الذي يظهر أن الحريري سوف يأتي إلى لبنان هذا العام كما أتى في السنة الماضية ليشارك في إحياء وتكريم هذه الذكرى الأليمة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وهو مرحب به حتماً في لبنان، وهو لبناني أصيل وزعيم لبناني كبير، وهو ابن رفيق الحريري. وبالتالي هو يأتي إلى بلده وناسه. ولكني لا أعلم حقيقة مدى وطبيعة هذه الزيارة إذا كانت ستستمر، وهل سيبقى أم أنه سيحضر، وبالتالي يعود إلى مكان إقامته في أبو ظبي كما حصل في العام الماضي. على الأرجح أنه سيأتي وسيعود إلى دولة الإمارات لكونه بادر إلى تعليق عمله السياسي. وأنا كنت- وقلت بوضوح آنذاك- أنني ضد هذا التعليق. لقد كنت أتمنى، وتمنيت عليه بالفعل، أن يبقى في لبنان وأن يستمر في عمله السياسي وأن يتابع دوره السياسي لأن الناس تحبه، وبالتالي أن يعود الريس سعد الحريري إلى لبنان مستفيداً بكل التجارب التي مرّ بها ومرّ بها لبنان وبالتالي في أن يمارس عمله السياسي بكفاءة عالية. هذا الأمر لننتظر ونرى ماذا ستكون طبيعة هذه الزيارة.

تاريخ الخبر: 
10/02/2024