الرئيس السنيورة : للعودة الى مشروع رفيق الحريري الرؤيوي وسمو فكرة 14 اذار الجامعة

-A A +A
Print Friendly and PDF

لمناسبة مرور 19 سنة على انتفاضة الاستقلال 2005  واغتيال الرئيس رفيق الحريري، كتب الرئيس فؤاد السنيورة مقالة نشرتها صحيفة النهار في الصفحة الاولى تحدث فيها عن الماضي والحاضر والمستقبل داعيا الى العودة الى مشروع رفيق الحريري معتبرا، ان 14 اذار هي فكرة صالحة ومستمرة لانها فكرة جامعة.، وفي مايلي نص المقالة :

الرابع عشر من آذار 2005، حَدَثٌ مفصليٌّ في تاريخ لبنانَ المعاصر، وهو حَيٌّ في الذاكرةِ القريبة للكثرة الكاثرة من اللبنانيين، كما أنه غيرُ منقطعٍ عمَّا قبلَهُ وما بعدَه، بكونه جمع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم ومناطقهم على مبادئ الحرية والسيادة والاستقلال، وعلى ضرورة استعادة الدولة اللبنانية دورَها الجامع لكلّ اللبنانيين، وسلطتَها الواحدةَ غيرَ المنقوصة على كامل التراب اللبناني، وفي وقوفها وصمودها ضد قوى الوصاية والاحتلال، وضد التشرذم والتطرّف.

ورغمَ وجودِ هذا الحدث حيّاً في الذاكرة، وغيرَ منقطعٍ عمَّا قبلَه وما بعدَه، أراني مدفوعاً إلى إنعاش ذاكرةِ إخوتي اللبنانيين، بأقلِّ ما يمكن من الكلام وبالإشارةِ إلى محطَّاتٍ أساسية، تَوَخِّياً للربْطِ الضروري. ذلك أنَّ معظَمَ اللبنانيين باتوا يَنْسونَ حَدثَ البارحة ويَغْرَقونَ في حَدثِ يومهم، لكثرةِ ما انهالَ عليهم من مصائب ووَيْلاتٍ متلاحقة، واحياناً لرغْبَةِ بعضِ الجهات في صَرْفِ نظرِهم واهتمامهم عن البارحة، لَكَأَنَّ التاريخَ يبدأ مع هذه الجهات وبما تقول!

قلتُ إنَّ الرابعَ عَشَر من آذار 2005 غيرُ منقطعٍ عمَّا قبله وما بعده:

·عمَّا قبله مباشرةً (الرابع عشر من شباط واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، وعمَّا قبل هذا القَبْل من حروبٍ داخلية واجتياحات واحتلالات إسرائيلية، ومن خمس عشرة سنة من الوصاية السورية التي أعقبت اتفاقَ الطائف الذي أنهى خمس عشرة سنةً من الحروبِ الداخلية والمتراكبةِ على صراعات الآخرين في منطقتنا والعالم.

·وهو غيرُ منقطعٍ عمّا بعده مباشرةً وبلا تنفُّس، من "انقلابٍ مضاد" بدأ بمسلسلِ التفجيرات والاغتيالات الذي استهْدَفَ حصراً قيادات وشخصيات من فريق الرابع عشر من آذار، وتواصَلَ "بكباش" مَديدٍ ومرير، تخلَّلَهُ بِضعُ هُدْناتٍ ومهادَناتٍ ظرْفيَّةٍ مؤقَّتة، بينَ قوى السيادة والحرية والاستقلال من جهة، بما فيها أو معها أكثريةٌ كاثرةٌ من اللبنانيين غيرُ عُنْفيَّة، وبينَ قوى الوصايةِ الإيرانية المسلَّحة والعُنْفيَّة من جهةٍ ثانية.
·ولقد استمرتْ هذه الوصايةُ بأدواتِها حتى الآن وهنا، لتتَّصِلَ باشتعالِ جنوبِ الوطن وباستهدافِ ما يتعدَّاه أحياناً، ربْطاً "بطوفان الأقصى" منذ 8 تشرين الأول 2023، أي بعد يومٍ واحدٍ من "الطوفان"، على أساس النظرية الإيرانية لوحدةِ الساحات. هذا ما قد يعني استدراجاً وتوريطاً للبنان في حرب مدمرة، وهو لم يبرأ بعد من إرغامات اجتياح إسرائيلي (2006)، وأزمات وطنية وسياسية (عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي عدم تأليف حكومة قادرة وفاعلة)، وأزْمة اقتصادية ومعيشية خانقة (الانهيار المالي والنقدي)، وإرغامات اللجوء السوري الكثيف إلى لبنان، والآثار المدمّرة للتفجير المريب لمرفأ بيروت، وانعدام وجود شبكة الأمان العربية والدولية.

·هنا نرى، من جانب أول، عدواً إسرائيلياً متطرفاً وعنصرياً وهمجياً يريد ترحيل الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، ويتربّصُ بنا نحن في لبنان ويهدّد كياننا الوطني وصيغتنا الفريدة في العيش المشترك. ومن جانبٍ آخر، فإنّ هناك قوةً عسكريةً تعمل في لبنان وفي خارج لبنان ومن خارج إطار الدولة اللبنانية، ولديها نَزْعَة توسُّعية مُؤَدْلَجة تتجاوزُ فكرةَ الدولةِ الوطنية عقيدةً، وتتجاوزُها عملياً ما أَمكَنَها ذلك.

·ولا بُدَّ من الإشارةِ هنا إلى أنَّ اشتعالَ جبهةِ الجنوب اللبناني قد جاء بعدَ هدوءٍ نسبي دامَ 17 سنة، بفَضْلِ القرار 1701/2006، المَبْنيِّ على "النقاط السَّبْع" التي وضعتها الحكومةُ اللبنانيةُ آنذاك، حكومتُنا، بإجماعِ أعضائها من دونِ تحفُّظٍ مُعْلَن. ولكنَّ هذا التحفُّظَ سرعانَ ما ظهر إلى العَلَن من جانبِ "حزب الله" على أثَرِ صدور القرار الدولي، مُحاصِراً السرايا الحكومية بالجمهرةِ والسلاح، وبعدما كانَ رئيسُ مجلس النواب اللبناني يَصِفُ حكومتنا بأنها "حكومةُ المقاومةِ السياسية"، عمد إلى تسميتها بالحكومة البتراء، فتأمَّلْ!!
ولقد استمرَّتْ مواجهةُ الحكومةِ عُنْفِيّاً آنذاك بواقِعَتَيْنِ كُبْرَيَيْن: حَرْبِ مخيَّمِ نهر البارد في الشمال في شهر أيار 2007، الذي تصدَّت له الحكومة بنجاح ومعها الكثرة الكاثرة من اللبنانيين، ثمَّ اجتياحِ بيروتَ وبعضِ الجبل في السابع من أيار 2008، وما بينهما من تفجيرات واغتيالات، وصولاً إلى "تسوية الدوحة" 2008.

·بَيْدَ أنَّ هذه التسوية وإنْ منَحَت لبنانَ واللبنانيين فترةً من التَّنَفُّس، إلّا أنها كانَت في واقع الأمر "تسويةَ الضرورة لا الاختيار"، كما أنها شكَّلت بدايةَ مسارين متوازِيَيْن أفضيا معاً إلى وضْعِ يَدِ "الممانعة" على الدولةِ اللبنانية من رأسها إلى قدمها، عام 2016؛ وهما: مسارُ "الفيتو" على الدولة بصيغةِ "الثلث المعطِّل"، ومسارُ تفكُّكِ قوى الرابع عشر من آذار، وصولاً إلى عام 2016، حيث جرى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في صفقة كان لقاءَها تسليم البلاد وقرارها الحر إلى قوى الممانعة وفي مقدمها "حزب الله".

·والحال أنَّ ما بعد عام 2016 حتى الآن لم يكُنْ سوى مَزيدٍ من الشيء نفسِه، حيث تعمّقت الأزْمات والمصائب والانهيارات الوطنية والسياسية كما والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية في لبنان ولدى اللبنانيين.

·إنَّ ما تقدَّمَ، بأَقلِّ قَدْرٍ ممكن من التَّفْصيل، ليس لاستظهار التاريخ، وإنما لاستخلاصِ الدروسِ منه والعِبَر، بما يخدمُ الآتي والمستقبل. ذلك أنَّ التاريخ هو أولاً وقبلَ أيِّ شيء "كتابُ العِبَر"، على قولِ العلّامةِ ابنِ خلدون، مؤَسِّسِ عِلْمَي التاريخ والاجتماع في العالم.
وأوَّلُ ما ينبغي استخلاصُه في هذه اللحظة، للمساهمةِ في رَفْعِ لبنانَ من القاعِ الذي بات فيه، هو العملُ على إنشاء وحدةٍ وطنيَّة لبنانية متجددة تكون عابرة للطوائف والمذاهب وتجتمع على مبادئ ومرتكزات العيش المشترك وأسس الحرية والسيادة والاستقلال واستعادة الدولة سلطتها الواحدة، العادلة والقادرة على كامل الأراضي اللبنانية، إذْ إنَّ خلاص لبنان يكمن في وحدة اللبنانيين ووقوفهم معاً في مواجهة التحديات والمصاعب. فوحدة اللبنانيين هي قوة لبنان الحقيقية، وهي التي تصنع المعجزات، وتحقق الإصلاح والنهوض، وتجنّب اللبنانيين شرور الوقوع في فخّ مربعاتهم الطائفية والمذهبية، وتحولُ دون انهيار لبنان.

 

ولهذا، ينبغي العودة إلى مشروع رفيق الحريري الرؤيوي والوطني وروحه وقياديته المستنهضة، وإلى سموّ فكرة 14 آذار الجامعة، التي لا تزال حيةً في وجدان اللبنانيين الذين يحلمون بالخروج من هذا الأتون الذي باتوا فيه، والعودة إلى فضاء الدولة اللبنانية الجامعة. وهم لذلك ليس لهم سوى التمسُّك بمرجعيَّةِ الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف. وهو الكتاب الأشَدُّ حرصاً على معنى لبنان وصيغته الفريدة في العيش المشترك، وخصوصاً بوحدةِ القوى الاستقلالية والسيادية، وحدةٍ لا تُلْغي الخصوصياتِ والتنوُّع، ولكنها تَنْأى بنفسها عن الفئويَّةِ والزَّعامَتِيَّةِ والشخصانية، الأمرُ الذي من شأنه أنْ يُعيدَ إلى هذا الوطن شيئاً من التَّوازُن، تمهيداً للمُعافاةِ والخلاص.
هذه هي دَعْوتي في هذه اللحظة، دعوةً مُلْزِمةً لنفسي، ومُتَمنِّياً بها على جميع أبناءِ وطني، خصوصاً الذين راجعوا أنفسهم واستخلصوا الدروس، في أيِّ مكانٍ هُم الآنَ وسابقاً.

تاريخ الخبر: 
18/03/2024