الرئيس السنيورة لقناة النيل: ذكرى الحرب الاهلية تحفر عميقا ولا بد من اعادة الاعتبار للدولة

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

أجرت قناة النيل اتصالاً مع الرئيس فؤاد السنيورة حوارا للوقوف على مقاربته السياسية للهجوم الامني الذي قامت به إيران إتجاه الارض المحتلة ردا على استهداف قنصليتها في دمشق.

س: أهلا بك دولة الرئيس فؤاد السنيورة، تُحدِّثنا من بيروت. كيف تقرأ الرسائل التي أرادت إيران أن ترسلها إلى إسرائيل عبر الهجوم الذي نفذته بالأمس؟

ج: بدايةً، شكراً لهذه الاستضافة، وتحياتي لك ولجميع المشاهدين الكرام. أعتقد أن إيران أرادت من هذا الهجوم أن تقوم برد قوي وكبير على ذلك الهجوم الإسرائيلي الذي تعرّض له مبنى قنصلية إيران في دمشق منذ قرابة عشرة أيام، والذي أدّى إلى مقتل عدد من القياديين الأساسيين الإيرانيين. غير أنّي أرى، ومن وجهة نظري، أنّ إيران كانت مضطرة للرد وغير قادرة على السكوت على ذلك الاستهداف، ولكنها ربما ارتكبت بذلك خطأً كبيراً، كما ستُبيِّن بعد ذلك مجريات الأحداث.

أولاً: هذا الهجوم الذي تسرب الحديث عن شنِّه ونقلته وأكّدت عليه كافة وسائل الإعلام قبل وقوعه، بحيث لم تتمكن إيران الاستفادة في ردودها من عامل المفاجأة. ولقد اشتمل هذا الهجوم على إطلاق إيران لمئات من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية والمقذوفات الصاروخية. إلاّ انه، وكما تبينّ حتى الآن، فإنّ قلّة قليلة من تلك المسيّرات والمقذوفات والصواريخ وصلت إلى الأرض الفلسطينية المحتلة. ذلك لأنه قد جرى التعامل معها واعتراضها من قبل الولايات المتحدة انطلاقاً من القواعد العسكرية التي لها في العراق وفي سوريا، والتي شارك فيها أيضاً الأسطول السادس الأميركي المتمركز على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وذلك وبمشاركة فعالة من قبل بريطانيا، وربما أيضاً من فرنسا، وكذلك أيضاً من قبل الأردن، ويبدو أيضاً انه جرى أيضاً بالتنسيق مع الدول المنتمية لمجموعة السبع (G7).

لقد سارع هذا التحالف الدولي إلى نجدة إسرائيل، وليحول بذلك دون وصول الأكثرية الساحقة من تلك المسيرات والصواريخ إلى اهدافها، مما أبقى على القليل القليل منها الذي أصاب مناطق في الداخل الإسرائيلي. ولكن، وعلى ما يبدو حتى الآن بدون نتائج فعالة ومؤثرة على الإطلاق.

من وجهة نظري، هذا الهجوم العسكري الكبير الذي قامت به إيران ضد إسرائيل أسهم من دون أن تدري أو تريد إيران، في إخراج إسرائيل من العزلة الكبيرة التي أصبحت تعاني منها منذ عدة أشهر، وعقِب ذلك الاجرام المستمر والمتمادي، والإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة والضفة الغربية، وبسبب الدماء التي سفكتها والدمار الذي تسببت به والأرواح البريئة التي أزهقتها، وهو مما أثار ضدها عاصفة من النقمة في الرأي العام الدولي. ولكن يبدو، ومن ردّات الفعل الأولى على هذا الهجوم الإيراني، فإنه يبدو أن إسرائيل ستستعيد حضورها وتستعيد أصدقائها، ولاسيما في الولايات المتحدة وحلفائها. وها هو الرئيس بايدن سيدعو اليوم إلى اجتماع اعتباري يعقده مع مجموعة الدول السبع التي شارك عدد منها في التصدي للهجوم الذي شنّته إيران على إسرائيل ليل السبت الأحد 13-14 نيسان.

ولكن الأمر بنظري لن يقتصر على ذلك، إذْ يبدو أنّ إسرائيل سوف تستعيد مظلوميّتها التي فقدتها بسبب ما ارتكبته من جرائم حتى الآن في غزة وماتزال ترتكبه في الضفة الغربية، وبالتالي يبدو أن إسرائيل سوف تستعيد اعتبارها في نظر الرأي العام الدولي High Moral Grounds وياللأسف.

أكثر من ذلك، فإنَّ النتائج لهذا الهجوم، وكما يبدو لن تقتصر على إيجابيات ستحاول إسرائيل الاستفادة منها، بل لأن هذا الهجوم الإيراني سيقدم لرئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو طوق نجاة ولو مؤقت بما يمكّنه من الإسهام بفك عزلته، وبنظري هذا هو الهمّ الأساس لدى نتنياهو، المستعد ليخوض أو يُطيل أمد أي حرب من أجل أن يبقى في السلطة.

ثانياً: إنّ الهجوم الذي شنّته إيران على إسرائيل وبهذا العدد الكبير من المسيرات والصواريخ والقليل القليل من النتائج الذي أسفرت عنه، قد أدّى فعليا إلى حرْف الانتباه لدى دول العالم عن قضية فلسطين، وعما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية وفي غزة، وما تزمع القيام به بشأن اقتحام مدينة رفح. إذْ أصبح الاهتمام العالمي يتركز على ما قامت به إيران وليس على ما تقوم به إسرائيل وتستمر في ارتكابه.

ثالثاً: لقد استطاعت إيران على مدى أكثر من ثلاثة عقود أن تشغل العالم بما كانت تقوم وتستمر في القيام به عبر أذرعها المختلفة، وهي قد نجحت في التسبب بالكثير من التخريب المباشرة وغير المباشر في العديد من الدول التي كانت تتدخل في شؤونها الداخلية، ولاسيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها. ولكنها وحتى قيامها بهذا الهجوم الخير بقيت إيران محمية، نوعاً ما، من الانتقاد والاتهام المباشر. ولكنها اليوم، وبهذا الهجوم قد خرجت من شرنقتها وأصبحت متدخلة تدخلاً مباشراً بما يجعلها أكثر عرضة للهجوم عليها، وللتدخل في شؤونها وأكثر عرضة لعقوبات جديدة قاسية من قبل التحالف الدولي.

رابعاً: هذا الهجوم الذي قامت به إيران أظهر ما يمكن أن تقوم به عسكرياً، وأظهر أيضاً ما يمكن أن يكون عليه الرد الغربي الذي حضر بقوة لنجده إسرائيل. وبالتالي لم يعد ما يمكن ان تقوم به إيران أوهاماً أو ضرباً من الخيال، وبالتالي جرى تحجيم إيران في هذا الشأن. وهذا ما ينطبق عليه ما قاله أبو العلاء المعري "استضعفوك فوصفوك. هلاّ وصفوا شبل الأسد". إذْ أنه لم يعد بالإمكان أن تقدم إيران أكثر ما قامت به في هذا الهجوم الكبير، والذي جرى التصدّي له من قبل التحالف الغربي بتلك الفعالية.

خامساً: المهم في هذا الشأن أنّ ما جرى من تصدٍّ غربي فعّال لتلك المسيرات والصواريخ، فإنّ إيران لم تستطع معه أن تحقق ما كانت تبتغيه من شنها لهذه العملية العسكرية. لا بل وعلى ما يبدو انّ طبيعة وحجم هذا التصدي الغربي سيؤدي إلى إنهاء اعتقاد ساد في الأوساط العسكرية منذ الحرب في أوكرانيا حول أهمية استعمال الطائرات المسيَّرة، والتي يُقال أنّ لها القدرة على أن تحل محل الطائرات المقاتلة والطائرات القاذفة العادية، كما أنّ هناك مساعٍ من أجل خفض الكلفة الباهظة لهذا التصدي لتلك المسيرات.

ومن وجهة نظري، وأنه بعد هذه التجربة المهمة والناجحة من المنظور الغربي والأميركي، وكذلك الإسرائيلي لجهة التصدي للمسيّرات وللصواريخ الإيرانية التي تمّ فيها تدمير الغالبية الساحقة من تلك الطائرات والصواريخ، فإنَّ ثمّة مُتغيّر أساسيٌّ سيحصل في أسلحة الحروب والمواجهات القادمة، وهو ما يقوله بعض الخبراء العسكريين، انه سيحصل في العالم تطور كبير في أعقاب هذه التجربة العسكرية التي جرت البارحة.

سادساً: بالإضافة إلى ذلك كلّه، فإنّ إيران قامت مباشرة بتحمل مسؤولية هذه المعركة العسكرية، وهي في ذلك كانت تعتمد على قدراتها، وليس على قدرات أذرعها، وأعني بذلك حزب الله والحوثيين وأيضا القوى الشيعية المتحالفة معها في العراق وسوريا، بينما إسرائيل كانت تعتمد بالإضافة إلى قدراتها على قوى المعسكر الغربي وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

س: دولة الرئيس هل تعتقد أن إسرائيل ستقوم بالرد على هذا الهجوم الايراني باستهداف الاذرع التي ذكرتها سواء الحوثييّن أم حزب الله أم أي أطراف أخرى موالية لإيران؟

ج: من دون شك أن إسرائيل لن تكتفي بهذا الرد الذي حصل من قبل حلفائها، ربما ستحاول الرد مجدداً، ولكن أنا أعتقد أنّ هناك درساً على إسرائيل ان تتعلمه، فهي على الرغم من كل القدرات التي لديها، فإنها عليها أن تدرك أنها لا تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها لوحدها أو أن تقوم بحرب أو تشنّ عملية عسكرية بمثل هذه الأهمية من دون الحصول على الموافقة الأميركية المسبقة والدعم الأميركي الكبير لحفظ أمنها.

وبالتالي، فإنّه يتبين أن كل المبالغات والمزايدات والشعبويات التي تحدث عنها نتنياهو حول استعداده لخوض حرب كبرى ضد إيران وأذرعها، وان قرار إسرائيل الحر هو بيدها ليتبين أن هذه الادعاءات ليست بذات قيمة. ولذلك، فإني أعتقد أن مجال الحركة بالنسبة لإسرائيل خلال الأيام والأسابيع القادمة سوف يكون محدوداً. وعلى إسرائيل التقيّد بالحدود الجديدة التي ستضعها الولايات المتحدة، والتي لا يمكن لإسرائيل أن تتخطاها. وهذا الأمر قد ثبت ليس لنتنياهو وللحكومة الإسرائيلية اليمينية وللمتطرفين في إسرائيل فحسب، بل وأيضاً للإسرائيليين أنفسهم على اختلاف اتجاهاتهم بأنهم غير قادرين على مواجهة هذه الحرب والانتصار فيها من دون دعم الولايات المتحدة. وبالتالي، فإنَّ ما ستسعى إليه الولايات المتحدة الآن في هذه المرحلة هو أنها سوف تحرص على أنْ لا يصار إلى توسيع نطاق الحرب، وأن لا تتخطى إسرائيل حدودا معينة في ردودها. من هنا أعتقد أنّ إسرائيل لن تُقْدِمَ على أيّ أمر ما لم تحصل على موافقة مسبقة من الولايات المتحدة الأميركية. هذا مع العلم أنّ نتنياهو سوف يستمر في مزايداته الشعبوية لأن له مصلحة في إبعاد كأس المساءلة والمحاسبة عنه، وفي مقدم ذلك احتمال إخضاعه للمحاسبة والمحاكمة وربما إيداعه السجن.

س: دولة الرئيس، اليوم حزب الله اللبناني أعلن أن قصفا جويا إسرائيليا إستهدف موقعا له في شرق لبنان، وكان حزب الله أعلن مسؤوليته عن إطلاق عشرات صواريخ الكاتيوشا على ثكنة عسكرية في الجولان؟

ج: هذا ما حصل البارحة وقبل بدء العملية العسكرية التي أطلقتها إيران. فقد أطلق حزب الله قرابة أربعين صاروخا على منطقة الجولان السورية. وبالتالي أنا أعتقد أن هذه الاذرع سوف تتنبّه إلى الدروس المستفادة مما حصل ومن هذه التجربة العسكرية المهمة. وأعتقد أن على حزب الله أن يتبصّر ويتنبّه، وهو الامر الذي بكل تواضع قمتُ بالتنبيه منه في الثامن من شهر تشرين الاول/ أكتوبر 2023 وذلك بعد أقل من 24 ساعة على بدء عملية طوفان الاقصى. فقد كنت واضحاً وصريحاً بالتنبيه إلى أن حزب الله لا يستطيع ولا يجوز أن يورّط لبنان أو أن يجعل لبنان في موقع المُسْتدْرَج إلى خوض هذه المعركة العسكرية مع إسرائيل، فهو ليس قادراً على أن يقوم بذلك لأن لبنان يعاني من أربع أزْمات متراكبة فوق بعضها بعضاً، فهو يعاني:

أولاً: من أزمة وطنية سياسية، بحيث أنّ لبنان اليوم لا يستطيع حتى الآن أن ينتخب رئيسا للجمهورية، ولا يستطيع أن يعيد تكوين مؤسساته الدستورية، ولا أنْ يؤلف حكومة جديدة تتولى إدارة البلاد، وهذا الامر يعاني منه اللبنانيون شديد المعاناة، ومنذ قرابة عام ونصف العام.

ثانياً: من أزمة اقتصادية ومعيشية صعبة جدا، وهناك القسم الكبير من اللبنانيين أصبحوا تحت خط الفقر، وذلك منذ قرابة أربع سنوات على الأقل.

ثالثاً: من أزمة خطيرة جداً، وتتمثل بأزمة نزوح كثيفة لعدد كبير من السوريين، وهي مستمرة منذ قرابة عشر سنوات، وهي التي انفجرت من جديد منذ أيام قليلة نتيجة الاغتيال الذي تعرض له أحد المواطنين المنتمين إلى حزب القوات اللبنانية من قبل أشخاص يُقال إنهم سوريو الجنسية، وكان ذلك امتحاناً خطير للبنان وللبنانيين لقدرتهم على الاحتمال.

رابعاً: لبنان لم يعد يتمتع بأي شبكة أمان سياسية أو اقتصادية، لا عربية ولا دولية، وذلك على النقيض مما كان يتمتع به لبنان في العام 2006 عندما تعرض للاجتياح الاسرائيلي آنذاك، وحينها كنت أنا رئيساً للحكومة.

لذلك، ومع وجود هذه الأزمات المتراكمة والمتراكبة، فإنّ لبنان لا يستطيع أن يخوض حربا مدمِّرة مثل هذه الحرب.

أمّا بالنسبة للحوثيين، فأعتقد أنّ ما يستطيعون أنْ يقوموا به قد قاموا به. فليس هناك من أمر إضافي غير أنْ يُعرِّضوا الملاحة الدولية في خليج عدن وفي مضيق باب المندب للاستهداف، وهذا أمر خطير للغاية.

تاريخ الخبر: 
14/04/2024