الرئيس السنيورة لقناة TRT : استبعد قيام اسرائيل بعملية كبيرة في لبنان: هناك محاولات لتجيير كل ما حصل من إنجازات لمصلحة تغيير التوازنات الداخلية و"حزب الله"

-A A +A
Print Friendly and PDF

اجرت قناة (تي ار تي) الفضائية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول اخر التطورات في الراهنة وفي ما يلي نصه:

س: ينضم إلينا من لبنان دولة الرئيس فؤاد السنيورة. دولة الرئيس، نسألكم في البداية عن حجم تأثير العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً على لبنان؟

ج: أودّ بداية أن أقول بأن التأثيرات السلبية على لبنان بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة كبيرة جداً، ولاسيما وأنّ هذا الاجتياح لغزة قد أصبح الآن فقط آلة للقتل والتدمير. والعدو الإسرائيلي أيضاً يمارس هجماته وغاراته اليومية على لبنان، وهذه جميعها لها آثارها السلبية الكثيرة جداً، وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية، ولاسيما وأنَّ لبنان لم يبرأ بعد من نتائج الاجتياح الذي شنّتته عليه إسرائيل في العام 2006.

والحقيقة في هذا الشأن، انني بادرت في اليوم الثامن من أكتوبر الماضي، وفي اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، للتعبير وبكل صراحة عن تأييدي واعتزازي بتلك العملية العسكرية التي تبيِّن قدرة الفلسطينيين والعرب بأن يحققوا إنجازاً عسكرياً كبيراً وهاماً. ولكنني ذكرت، وبكل وضوح، إنني لا أوافق على أن يستدرج لبنان أو أن يتورَّط بهذه الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة. وليس لأن لبنان لا يؤيد القضية الفلسطينية وهذا غير صحيح، بل لأن لبنان لم يبرأ بعد من نتائج العدوان الإسرائيلي الذي حصل في تموز 2006. وأن لبنان بالإضافة إلى ذلك، بات يعاني من ثلاث أزمات أساسية راهنة. وهي أزمة سياسية ووطنية بكونه لا يستطيع حتى الآن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا في إعادة تكوين مؤسساته الدستورية، ولا في تأليف حكومة جديدة. كما أن لبنان يعاني من أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية خطيرة. إضافة إلى ذلك، فإنّه يعاني من تعاظم أزمة وعبء النازحين السوريين إلى لبنان. هذا بالإضافة إلى أن الظروف الموضوعية التي كانت سائدة في العام 2006 لم تعد سائدة الآن، ولبنان لم تعد لديه شبكة الأمان العربية والدولية التي كانت لديه في العام 2005، والتي يُمكن أن تقيه نتائج العدوان الساحق الذي يُمكن أن تشنه إسرائيل عليه الآن.

س: في المقابل هناك تهديدات إسرائيلية لربما في احتمال اجتياح جنوب لبنان كما حصل في المرة السابقة، وربما يوجب إزاء ذلك أن يبادر لبنان إلى القيام باستعدادات على المستويات المختلفة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وأيضاً شعبياً، ولاسيما بعد الكشف عن رسائل إسرائيلية تقول بان صبر إسرائيل بدأ ينفد. نسأل هنا عن حجم تلك الاستعدادات؟

ج: ‏‏بالفعل، فإنّ إسرائيل مستمرة بإطلاق التهديدات ضد لبنان، وأن هناك مسؤولين إسرائيليين، وتحديداً نتنياهو، قد زاروا الحدود اليوم بين فلسطين المحتلة ولبنان، وزادوا من وتيرة وعنف المواقف المتشددة التي يطلقونها ضد لبنان. وبرأيي فإنهم يريدون أن يُخرجوا إسرائيل من الأزمة التي أصبحت فيها، والتي أصبح الإسرائيليون يعيشون فيها بنتيجة استمرار الحرب التي يشنوها في غزة منذ ثمانية أشهر، والتي لم تعد تحقق أي نتائج سوى المزيد من القتل والتدمير. وهم بذلك قد أصبحوا مأزومين، ويريدون أن يبحثوا عن أي إنجاز يحققونه في لبنان بما يضمن لهم أيضاً أن يعيدوا ذلك العدد الكبير من المستوطنين الإسرائيليين الذين كانوا يقيمون في شمالي فلسطين المحتلة، والذين نزحوا إلى الداخل الإسرائيلي. وبالتالي هم يريدون أن يحققوا لهم الأمان ويريدون أن يحققوا لهم إمكانية العودة إلى مستوطناتهم في الشمال.

أنا أميل إلى الظن أن إسرائيل لن تلجأ إلى القيام بعملية عسكرية كبيرة في لبنان، أي عبر اجتياح أرضي واسع للبنان. في هذا الشأن، فإني أتخوّف من عدم جدية الوعود والضغوط التي يُمكن أن تمارسها الولايات المتحدة على إسرائيل، وهي الضغوط التي لم تؤدِ إلى أي نتيجة أساسية. فلقد ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل حتى لا تقوم باجتياح رفح، وها هي إسرائيل تجتاح رفح الآن.

ان التطمينات التي تطلقها الولايات المتحدة للفلسطينيين وللرأي العام العربي لا تجدي نفعاً، وحيث لم يعد أحد يصدق هذه التطمينات. ولذلك، وفي ضوء الظروف الدولية السائدة، فإنّي أظن أن إسرائيل لن تقدم على اجتياح لبنان على النسق الذي قامت به في العام 2006.

س: ما هي بالتالي فرص نجاح ربما الوساطة الأميركية لمنع نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله وتقييمكن للموقف الأميركي؟

ج: مجدّداً، ‏أنا لا أعتقد أنه يمكن الاعتماد على التطمينات الأمريكية لأن الرئيس الأمريكي الآن في وضع صعب، حيث يخوض معركته الانتخابية، فهو يريد أن يرضي الجميع. وبالتالي، فإنّه لا يستطيع بالتالي أن يرضي أحدا. ولذلك، فإنّه لا يمكن الركون إلى هذه التطمينات الأميركية. وأنا أميل إلى الاعتقاد أنه لا يمكن ولن يكون رد الإسرائيليين على ما يجري على الحدود اللبنانية، وذلك بالقيام باجتياح بري للبنان ولأسباب متعددة. ولاسيما لأن إسرائيل لا تريد أن تكرر المأساة التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي الآن في غزة. وبالتالي، فإني أظن أنه إذا أرادت إسرائيل أن تقوم بأي عمل عسكري واسع، فإنّه سيكون عبر زيادة وتيرة القصف والعنف والغارات التي تشنها على لبنان والمناطق اللبنانية. ولكن، فإنه لن تقتصر هذه الغارات التدميرية على منطقة الجنوب، بل سوف تمتد إلى مناطق أخرى في لبنان.

الواقع ان إمكانات لبنان في أن يقوم بعمل عسكري لردع إسرائيل قليلة جداً إن لم تكن غير موجودة. هناك إمكانات عسكرية لدى حزب الله ولكن هذا الأمر يكون نتيجته المزيد من التدمير والمزيد من القتل في لبنان. ولذلك أنا أرى أن هناك حاجة للحكومة اللبنانية بأن تقوم بعمل وطني لتوحيد الجهة والوحدة الداخلية اللبنانية، وأن تقوم بمساعي دولية وعربية للحؤول دون أن تقوم إسرائيل بالاجتياح، وهذا غاية ما يمكن أن يقوم به لبنان الرسمي.

س: هل هناك تنسيق بين السلطات اللبنانية والسلطات الفلسطينية في لبنان خاصة من أي تداعيات محتملة للعدوان الإسرائيلي على غزة؟

ج: المشكلة في الفصائل الفلسطينية أنها، وهذا أمر مؤسف، أنه وقبل السابع من أيار أكتوبر، كان لبنان يعاني من الصدام المسلح والنزاعات التي كانت تجري في المخيمات الفلسطينية بين الفصائل الفلسطينية. الفصائل الفلسطينية في لبنان لم يعد لها وجود عسكري كبير في لبنان. الوجود العسكري هو لحزب الله، كما أن الإمرة الحقيقية على الفصائل فلسطينية المؤيدة لحماس والجهاد الإسلامي تعود لحزب الله، وهي تنسق بشكل كامل وتستمع إلى توجهات حزب الله.

كلنا يعلم أن إيران لا تريد أن تخوض مواجهة عسكرية كبيرة ضد إسرائيل في لبنان، ولها اعتباراتها، وهي في الأساس لا تريد أن تضحي بحزب الله في لبنان. وحزب الله لا يريد أن يقوم بهذه المواجهة العسكرية، وهو بدون شك قد حاول خلال الأشهر الثمانية الماضية أن تكون ردات فعله ‏منضبطة، على الرغم من ان الهجمات الإسرائيلية التي تشنها عليه كانت موجعة له إلى حد كبير. ولكن أعود إلى القول أنّه لا يمكن للتطمينات الأمريكية ولا أيضاً للتطمينات الإسرائيلية أن تجدي نفعاً.

وبالتالي أعتقد أن على الحكومة اللبنانية أن تقوم بجهد سياسي ودبلوماسي كبير- عربي ودولي- ربما هذا الجهد قد لا يجدي نفعا ولكن هذا واجبها وعليها أن تقوم به من أجل الإسهام في كل عمل يؤدي إلى الحؤول دون أن يتوسع الاعتداء الإسرائيلي على لبنان عما هو عليه حالياً. علماً أننا نشهد منذ أسابيع زيادة في وتيرة هذه الاجتياحات والغارات الإسرائيلية وتوسعها لتشمل مناطق إضافية من لبنان. لذلك، فإنّ الأمور في لبنان قد باتت في غاية الصعوبة ويجب على الجميع التنبه إلى ذلك.

س: ربما دولة الرئيس يستوجب هنا وحدة الصف خصوصاً أنّ لبنان سيحتفل في 25 مايو بعيد المقاومة والتحرير، والذي يتم الاحتفال به منذ العام 2000. وهنا نسأل: كيف من الممكن أن يساهم هذا العيد بتوحيد الصف اللبنانيين في مواجهة إسرائيل؟

ج: ‏لا شكّ أنه بعد غد يحتفل لبنان واللبنانيون بتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000 وهذا الإنجاز يعود الفضل فيه بداية إلى صمود اللبنانيين وتضحياتهم في تلك المرحلة وإلى مقاومة حزب الله، وهي المقاومة التي ضحت بالكثير من الشهداء أيضاً في الجنوب. لبنان آنذاك دعم مقاومة حزب الله، ولكن الصمود والمقاومة المشتركة التي حصلت ما بين اللبنانيين وحزب الله ضد إسرائيل قد انقلبت بعد ذلك، بحيث تغيّرت وجهة بندقية حزب الله، وبدلاً ان تكون موجهة نحو العدو الإسرائيلي، أصبحت موجهة نحو الداخل اللبناني. ولقد شهدنا في هذا الشأن محاولات عديدة لتجيير هذا الانتصار الذي حققه اللبنانيون حتى العام 2000 في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً في ما حقّقه اللبنانيون في منع إسرائيل من الانتصار في العام 2006، بحيث تحول اهتمام حزب الله نحو وجهة جديدة من أجل السيطرة على لبنان. للأسف، هناك محاولات لتجيير كل ما حصل من إنجازات لمصلحة تغيير التوازنات الداخلية في لبنان ولمصلحة حزب الله. إنّي أعتقد أنّ ليس هذا من مصلحة أحد وتحديدا ليس من مصلحة اللبنانيين أن يصار إلى تجيير كل هذه الإنجازات الوطنية لمصلحة حزب الله لتغيير التوازنات الداخلية، وبما يؤدي ذلك إلى وضع لبنان في موقع يخالف مصلحته ومصلحة أبنائه ومصالح أشقائه العرب حاضراً ومستقبلاً.

 

تاريخ الخبر: 
24/05/2024