الرئيس السنيورة : التدهورَ الكبيرَ الحاصلَ الذي تعاني منه الامة على جميع الصُعُد لن يتغير حتى تقوم حالة نهوض ثقافيٌّ واجتماعيٌّ وسياسيٌّ واقتصاديٌّ جديدٌ
اعتبر رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة : إنّ هذا التدهورَ الكبيرَ الحاصلَ الذي تعاني منه الامة على جميع الصُعُد لن يتغير حتى تقوم حالة نهوض: ثقافيٌّ واجتماعيٌّ وسياسيٌّ واقتصاديٌّ جديدٌ تعبر عن روح ووجدان و ارادة الامة في مواجهة جملة من التحديات التي تضج فيها المنطقة العربية.
وقال الرئيس السنيورة : تعالَوا نحاولْ استعادة نهضةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ ما دامت النهضة السياسيةُ بعيدةً أو غير ممكنة. إنّ الثقافة ليست بديلاً عن السياسة والعمل السياسي والاقتصادي التنموي، بل هي جُزءٌ منهما. إنّ العلةَ ليست في الإنسان العربي، فها هُمْ أبناؤنا في المَهاجر يحققون إنجازاتٍ في العلوم والآداب ووسائل الاتصال ومجالات الهندسة والأعمال.
واعتبر الرئيس السنيورة : أولَ التحديات التي ينبغي مواجهتها هو تحدي التجديد السياسي لتجربة الدولة الوطنية.
وقال الرئيس السنيورة : ان التحدي الثاني فهو ضرورة استعادة إيمانِنا بالعروبة المستنيرة كرابطة ثقافية ورابطة حضارية وثيقة تقوم على الإيمان بالمصلحة العربية المستندة إلى فكرة الدولة المدنية المعترفة بحقوق المواطنين المتساوين والجامعة للاثنيات والقوميات والاديان
واضاف الرئيس السنيورة : أما التحدي الثالث، فهو التحدي الذي تطرحه فكرة التكامل. وهو له جانبان، أحدُهُما اقتصادي وتنموي وتبادُلي أو أنه اعتمادٌ متبادَل. وثانيهما دفاعيٌّ في المجالات العسكرية والأمنية والاستراتيجية.
كلام الرئيس السنيورة جاء في كلمة مطولة القاها في بداية انطلاق اعمال الملتقى الثقافي المصري الاول في جريدة الاهرام بحضور حشد من المثقفين اللبنانيين والمصريين وفي ما يلي نص الكلمة:
أودّ بداية أن أعبّر عن سروري الكبير لدعوتي إلى هذا اللقاء الذي تنظمه صحيفة الأهرام بالتنسيق مع جمعية الصداقة المصرية اللبنانية لرجال الأعمال.
أما جمعية الصداقة فقد خبرتُ نشاطها في مناسباتٍ عديدة، خلال زياراتي إلى القاهرة، أو في مناسبات أُقيمت في بيروت. وإنني أثمّن للجمعية مشاركتها في الإعداد والتحضير لهذا الملتقى، فعالم الأعمال لا ينفصل عن عالم الثقافة وعالم السياسة وكذلك حين يتعلّق الأمر بالعلاقات بين دولتين شقيقتين.
وأما صحيفة الأهرام التي أسسها اللبنانيان الشقيقان بشارة وسليم تقلا عام 1875، والتي لم تنقطع عن الصدور منذ ذلك الوقت، فهي الأجدر بإحياء هذا الملتقى، فقد صدرت الأهرام في تلك الآونة التي شهدت فيها مصر توافُدَ اللبنانيين ومشاركتَهم في إصدار الصحف والمجلات وتأسيسِ المطابع والمشاركةِ في كافة أوجه الحياة الفكرية والثقافية والأدبية والاقتصادية، في مصر.
وقد حافظت الأهرام على مكانتها رغم تقلُّب الأحوال وتواتُر الأحداث، حتى أصبحت أشهر صحيفةٍ عربيةٍ على الإطلاق، وخصوصاً في ذلك الزمن من ستينات القرن الماضي، حين أخذت على عاتقها الاهتمامَ بالشأن العربي العام والحياة الوطنية العربية. وكنت حينها لا أزال على مقاعد الدراسة، حيث كانت الأهرام تشكلُ بالنسبة لي ولأقراني بوصلةً تسهم في توجيه أفكارنا وتعميق وعينا العربي والوطني.
ومن دواعي سروري أن أُدْعى إلى ملتقىً ثقافي، لكنه معنيٌّ بالثقافة السياسية، أو بتضافر السياسي والثقافي في صناعة الأحداث، والعلاقات بين الدول والمجالات الحضارية. وكما تعلمون، فإنه في حالنا الراهنة، صارت الثقافةَ شأناً ملحاً لما نشهده من تدهور في الوعي الوطني والقومي والإنساني المؤثّر في السياسات، وبالتالي تدهوراً في القدرة والرؤية الواضحة والارادة المصممة والمثابِرَةِ على صناعة الحاضر والمستقبل. فهناك تعثرٌ في مواكبة العصر وتعثرٌ في التعليمو مستوياتهونوعية مخرجاته، وتعثرٌ في التنمية ومكافحة الفقر، وازديادٌ في حدة الفروق في المجتمعات العربية وبين الدول العربية فيما بينها، وتراجعٌ في التضامن والتضافر القومي واستنكافٌ عن التعاون والتكامل فيما بين الدول العربية، وعودةٌ إلى سياسات المحاور والعصبيات وردود الأفعال، وانخذالٌ وتفرق في مواجهة التدخلات الأجنبية في الشأن العربي، وانتشار التيارات المتشددة والمتطرفة التي تدّعي الإسلام والتي تهشّمُ ديننا وثقافتنا وعيشَنا المشترك، وعلاقاتِنا بالعالم.
من هنا تأتي أهميةُ هذا الملتقى في هذه الظروف الدقيقة والحرجة، التي تمرّ بها أمتنا العربية. وتتضاعف أهميةُ اللقاء كونَهُ لبنانياً مصرياً، فهذان البلدان شكَّلا سوياً مهدَ النهضة العربية الحديثة.
في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عرفت مصرُ أولَ تجربةِ تحديثٍ شَمَلَت الصناعةَ والزراعةَ والتعليمَ وبناءَ جيشٍ نظامي، كما عرفت النشرَ الجديدَ، والطباعةَ والترجمة. وفي الوقت ذاته شهد لبنانُ ظهورَ المدارس الإرسالية والوطنية على السواء، وإنشاء الجمعيات، وهو الأمرُ الذي أدّى إلى نشوء فئة جديدة من المتعلمين تعليماً حديثاً، والعارفين باللغات الأجنبية والقديمة، فضلاً عن إتْقان العربية الفصحى الكلاسيكية، ومحاولة تطوير لغة عربية حديثة تستوعب فكر وحضارة العصر. وقد ضاقت مساحة لبنان بخبراتهم، فضلاً عن القيود التي كانت تفرضها السلطة العثمانية آنذاك، فوجدوا في الهجرة إلى مصر ملاذاً للتعبير عن تطلعاتهم العصرية.
وكانت مصر في تلك المرحلة تضج بمشاريع الخديوي اسماعيل التحديثية في كل المجالات. فوجد هؤلاء اللبنانيون في مصر مجالاً رحباً لتحقيق طموحاتهم في إنشاء الصحف وتأسيس دور النشر والإسهام في نهضة المسرح، والحياة الثقافية.
كان دَورُ اللبنانيين في مصر يتجاوزُ إنشاءَ الصحيفة والمطبعة وإثراء الحياة الفكرية والأدبية. فالتفاعُلُ بين اللبنانيين والمصريين في الرُبْع الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين أوجد الخطوطَ العريضةَ لما يمكن أن نسمِّيَهُ ثقافةً عربيةً حديثة، إنْ في الفكر والآداب أو العلوم أو في المسرح والسينما والموسيقى وسائر الفنون لاحقاً.
وأصبحت جامعةُ القاهرة بعد تأسيسها عام 1908، جامعةَ العرب يتوافدُ إليها الطلابُ من العراق وسوريا ولبنان واليمن وبلدان الخليج. هؤلاء الطلبة الذين يتزودون بالعلم والمعرفة الحديثة يعودون إلى بلدانهم ليصبحوا قادة الرأي والفكر والسياسة. وهذا فضلاً عن البعثات التي كانت مصر ترسلها إلى البلدان العربية ومنها لبنان طوال ستين عاماً لتطوير التعليم والحياة الجامعية، في حين كان كل ناشدي العلم الديني المعتدل والمستنير يأتون إلى الأزهر الشريف بمصر من أجل التعليم الديني العالي بمختلف كليات الأزهر، فضلاً عن الجامعات المصرية الأخرى.
وأولئك الذين لم تتوافر لهم فرصة الذهاب إلى القاهرة لمتابعة التحصيل العلمي في جامعاتها، كانوا ينتظرون المجلات القادمة من القاهرة، من الهلالإلى الرسالةإلى المقتطفوغيرها. أو ينتظرون ما يكتبه وينشره الأعلام الكبار أمثال طه حسين ومحمود عباس العقاد وسلامة موسى وأحمد أمين وقاسم أمين الرائد في تحرير المرأة،أو ينتظرون الأعداد الشهرية من سلاسل الكتب التي تقدم الموضوعات التاريخية والمؤلفات الروائية والأبحاث العلمية. ويمكن أن أتحدث عن نفسي، حيث نَعِمْتُ بأن والدي كانت تصلُهُ أعدادُ الهلالبشكل دوري وكذلك المقتطفوروايات جرجي زيدان مما مكنني من أن تكون تلك المجلات والكتب وغيرها في مكتبته مصدراً هاماً من مصادر المعرفة بالنسبة لي ولاخوتي و أخواتي. كذلك كانت سلسلة "كتابي"، إذ إنّ سلسلة حلمي مراد التي تترجم روائع الأدب العالمي، كانت هي ايضاً مفتاحي السحري للدخول في عوالم المعرفة، والتي أسهمت في نشأتي الفكرية من خلال متابعتي لإصداراته في الآداب العالمية. كذلك ايضاً شكلت الاذاعة المصرية وبعدها كذلك التلفزيون المصري في مطلع الستينات معيناً لا ينضب من الثقافة العربية والعالمية وتعزيزاً للانتماء العربي والقومي لأجيال واسعة في لبنان ومصر ومختلف انحاء العالم العربي. ولا يفوتني ما كان لعمالقة الفن والموسيقى، والغناء امثال ام كلثوم وعبد الوهاب وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ وفيروز وصباح ونجاح سلام ووديع الصافي من أثرٍ كبيرٍ في مخيلة ووجدان ليس فقط المصريين واللبنانيين بل والعرب جميعاً بما اسهم في تعزيز التعارف والوئام والتواصل العربي.
وخلال ما يقرُبُ من القرن من الزمن، تبادل لبنان ومصر الأدوار الثقافية. فمع إطلالة الخمسينات من القرن العشرين، أصبحت بيروت مركزاً للطباعة والنشر والصحافة، واحتضنت التيارات المعاصرة في الشعر والمسرح، وأصبحت مركزاً لترجمة التيارات الفكرية والأدبية التي تظهر في أوروبا والعالم وتأثيراتها. وفي مطلع السبعينات هاجر إليها العديد من الكتّاب والصحافيين الذين احتضنتْهم صُحُفُها ومجلّاتُها ودُورُ النشر فيها وحتى الانتاج السينمائي المشترك.
إن ما أنجزه المفكرون والمثقفون والأدباء العرب، بين لبنان ومصر، خلال سحابة قرنٍ من الزمان، يرقى إلى المشروع الثقافي المتكامل. ففي مرحلة النهضة الأولى مع الرواد أمثال الطهطاوي وبطرس البستاني وعلي مبارك ومحمد عبده وأحمد فارس الشدياق، وإبراهيم اليازجي، وقاسم امين وُضعت أسس مفاهيم الحرية الوطنية والتربية، وتعليم المرأة وتحريرها، وأصبحت هذه القيم جزءًا من الفكر العربي الحديث.
وفي المرحلة اللاحقة وهي مرحلة التحرر الوطني أصبحت قيم الديمقراطية والدستور والبناء والتنمية، والوعي العربي والوحدة العربية، هي القيم التي اضطلع بها المفكرون والمثقفون، وليس في مصر ولبنان فحسب. ولكنّ مفكرين ومثقفين من العراق وسوريا وتونس والجزائر والمغرب، وانطلاقاً من مصر غالباً، شاركوا في صياغة المشروع العربي التحرري الذي حقق إنجازاتٍ في الستينات، تجلّت وبزعامة مصر، في استقلال العالم العربي في كل أرجائه، وتحوُّل العرب إلى قطبٍ عالميٍ من خلال الحياد الإيجابي وجبهة عدم الانحياز.
ايها السيدات والسادة،
خلال العقود الأخيرة، كانت الإخفاقاتُ أكبرَ من الإنجازات، فلم تتحرر الأرض ولم يتحقق التقدم والمشاركة بالقدر المؤمل ولم تتحقق الوحدة المنشودة ولم يتحقق التعاون على اساس تنمية المصالح المشتركة بالقدر المطلوب، وتراجعت مستويات التعليم واخفق العديد من المشاريع الاقتصادية، وتخلفت الصناعة بدل أن تتقدم وهجر الفلاحون الأرض نتيجة التغيرات الاجتماعية والسكانية الكبيرة ليكوِّنوا أحزمة البؤس حول المدن العربية.
كما فقدنا الحكومات التمثيلية، وانتُهكتُ الدساتيرُ الحافظةُ للحريات العامة والخاصة ولحكم القانون، مع زيادة التهميش لقطاعات واسعة من المواطنين والحؤول بينهم وبين المشاركة في الحياة السياسية. كذلك تمادى التراجع في جهود التنمية المناطقية وفي معدلات النمو الاقتصادي، كما ازدادت الفجوة الاقتصادية والمعيشية بين الاغنياء والفقراء، وازدادت القبضة الثقيلة للاستبداد وبالتالي تردت الأوضاع المعيشية بسبب سوء إدارة الحكم وسوء ادارة الشؤون العامة وتفشي الفساد وعدم التحسب للزيادات السكانية الكبيرة. وبالتالي زادت حدّة التردي في جميع المؤشرات الإنسانية والتعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية. وبالاقتران مع هذه الظواهر السلبية تردّتْ المشاركةُ في الحياة العامة، وزادت حدّةُ الفجوة الاقتصادية بين المواطنين. وزادت كذلك فجوة انحسار الثقة بين الدولة الوطنية ومواطنيها، وزادت أيضاً حدة إدراك المواطنين لذلك الانحدار. كما تعرض عدد من بلداننا العربية لنكسات ولعدة اجتياحات اسرائيلية وغيرها وانقلابات وصدامات وخلافات وفتن تميزت بالعنف الشديد، وأضعنا بذلك جملةً كبيرةً من القدرات والإمكانات والفُرَص نتيجة إساءة استعمال السلطة وسوء إدارة الحكم وسوء إدارة الشأن العام.
لقد انتفضت الشعوب العربية في السنوات الأخيرة، على التمادي في العسف وتجاهل القانون واستفحال الفساد. وإذا كانت مصر تتلمس طريقها اليوم إلى إعادة البناء ومعالجة الثغرات الاقتصادية وتعزيز الانفتاح والممارسة الديمقراطية وتعزيز الحريات العامة واحترام حقوق الانسان. وإذا كانت تونس لا تزال تتلمس طريقها إلى تثبيت التداول الديمقراطي للسلطة، فإن ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا من اقتتال وتدمير وتدخل لقوى اقليمية مثل ايران وتركيا ودول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا غير مسبوق في تاريخنا. إنّ التمادي في القتل والهمجية وانسداد آفاق الحلول السياسية يُنذرُ بأشد الأخطار ليس فقط على هذه الدول، بل على المساحة العربية ككل.
إنّ إحدى المشكلات التي نجمت عن الاضطرابات والاقتتال هي استشراء التطرُّف العنيف الذي يظهر في منظماتٍ ذات أهدافٍ غامضة وتحث على بروز حركات دينية متطرفة وعابرة للحدود والقارات بما يتعارض مع مفهوم الدولة السيادية ودولة المواطنة، وهي تتحدث باسم إسلامٍ مدّعى لا نعرفُه ولا يشبه السواد الاعظم من المسلمين، وتستسهلُ القتل والممارسات الوحشية باسم الدين.
وبغضِّ النظر عمن يقف وراء هذه المنظَّمات المسلحة والمجهَّزة والتي يأتيها الدعم من جهاتٍ لها مصلحةٌ في تخريب العالم العربي، فإن أحد الأسباب العميقة لظاهرة التطرف يكمن في انكفاءِ الفكر وتراجعِ دور المثقف والإنغلاق عن المشاركة في عصر العالم وعالم العصر وفقدان التواصل مع وبين الجهات والمؤسسات الثقافية.
من هنا فإنني أنظر إلى هذا اللقاء باعتباره بارقة أمل، لأنه يَصدُرُ عن شعور بالمسؤولية من جانب مجموعة من المثقفين الذين أرادوا في هذه الظروف الصعبة والخطيرة، أن يجددوا التفكير في دور المثقف العربي، ويبحثوا في الفُرَص والآفاق التي يمكن أن يتيحها وعيٌ ثقافيٌّ جديد في زمن الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة وبزوغ الثورة الاتصالية العظمى التي كسرت حواجز الزمان والمكان والدول والجماعات والصمت والخوف. ذلك مما شجع في المحصلة على الاسهام والمشاركة في عملية التحول الديمقراطي وبناء الغد. وبخاصةٍ أنّ هذا التأمل يتم في مؤسسةٍ عريقةٍ ثقافةً وصحافةً وسياسةً هي الأهرام، وعلى أرضية أو خلفية تجربةٍ نهضوية رائدةٍ وناجحة بين لبنان ومصر.
وأعرف أن المهمة ثقيلة، ولا يمكن أن نجيب على كل التساؤلات في لقاء واحد، وأنا على ثقة بأن هذا اللقاء وفي رحاب الأهرام والقاهرة ومصر، ينبغي أن يتواصل ليضم مفكرين وفاعلين ثقافيين من مختلف البلدان العربية.
أيها المثقفون،
أيها الإعلاميون،
أيها الزملاء من مصر ولبنان،
إنّ القول إِننا نريد صنع ثقافةٍ عربيةٍ جديدة، هو كلامٌ كبير. وليس لأنّ ذلك الهدف صعبٌ جداً في الظروف الراهنة، بل لأنّ هناك أساساً جيداً ونهضوياً لهذه الثقافة تكوَّن ونما بين مصر ولبنان، ثم صار تجربةً عربيةً شاملةً انتشرت في آفاق المشرق والمغرب. وصحيح أنّ مستويات التعليم تراجعت (وهي ركنٌ مهمٌّ في بناء الثقافة العامة)، وأنّ مستويات الفقر ارتفعت (وهي أول ما يؤثّر في الثقافة الوطنية والإنسانية)، فإنّ تراجُعَ الوعي بإمكانيات تجديد المشروع العربي الثقافي والسياسي، إنما يعود بالدرجة الأولى إلى الاختلال الذي طرأ على تجربة الدولة الوطنية في العالم العربي. والى تفاقم انهيار عدد من الانظمة العربية وبروز شبح التقسيم والتفتيت على اسس عنصرية وطائفية ومذهبية وحتى مناطقية. ذلك مما اسهم في انهيار التوازن الاستراتيجي بين المنطقة العربية وجوارها. وهذا دليلٌ آخر على التلازُم والتكامُل بين الامرين الثقافي والسياسي.ولا نحتاج إلى برهانٍ بالطبع على الفشل والاختلال المذكور، فحالة معظم الأقطار العربية اليوم تدعو للأسى والأسف. ومن أشدها ما حدث بعد العام 2011. ولا تحسبوا أني أُبالغ عندما أقول إنّ آثار ذلك الاختلال أولَ ما ظهرت، في موطنَيْ النهضة العربية الأُولى، أي لبنان ومصر، ولذات الاسباب: ضغوط المشروع الصهيوني الاستيطاني والالغائي، وتداعيات احتلال فلسطين. فلبنان نشبت فيه حربٌ أهليةٌ بسبب الانقسام على القضة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، واجتياحات إسرائيل للبنان. ومصر انكسر أُوارُ نهضتها الثقافية والسياسية على وقع نكسة العام 1967 أمام العدو الصهيوني وقبلها بسبب انكفاء المد القومي المتمثل بالانفصال بين مصر وسوريا.
ولقد توالت النكسات والصدمات العميقة التأثير في حاضر الامة ومستقبلها مع تزايد وتفاقم التوسع الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة والحصار في القطاع والتي كان بعضها بحجم الزلزال ومنها ما حصل تقريباً في عام واحد: من اجتياح سوفياتي لأفغانستان بما عناه ايضا وعملياً بعد ذلك من اطلاق لنزعات التشدد والتطرف في المنطقة؛ وانسحاب عملي لمصر من قضايا العالم العربي بعد توقيعها لاتفاقية كامب دايفيد؛ ونجاح الثورة الاسلامية في ايران بما حملته من سياسات وممارسات باتجاه اعتماد سياسة تصدير الثورة بعد الباسها ثوباً دينياً متشدداً تحت عنوان ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية وبما تعنيه ايضاً من زيادة حدة التطرف والتشدد ومن زعزعة للاستقرار في المنطقة العربية بسبب التدخلات الايرانية المتعاظمة وآثارها المتفاقمة في المنطقة العربية.
ولقد استكمل ذلك المنحى الانحداري بالاجتياح الاميركي لبغداد الذي فكك الدولة العراقية والجيش العراقي واطلق العنان لانفلات الفتن الطائفية والمذهبية من عقالها، وأسهم في نمو الحركات والنزاعات المتطرفة ومنها الارهابية. اكان انطلاقها بسبب الاستبداد والتشدد والتعصب والتهميش والتصفية والالغاء، او كان انطلاقها موعزاً به من انظمة وجهات اقليمية او دولية لا تريد الخير للمنطقة العربية. إلاّ أنّ ذلك في المحصلة قد أنهى الحاجز التاريخي الذي شكله العراق كدولة او منطقة حاجزة بين الداخل الاسيوي ولا سيما ايران من جهة ومنطقة البحر المتوسط من جهة اخرى وذلك على مدى أكثر من ألفي عام. كل ذلك أدّى الى التسبب بذلك الكم الكبير من الفتن التي لا يردعها فكر قومي منفتح ولا ايمان بسماحة وانفتاح الاسلام الحنيف ولا احترام لحقوق الانسان
هذا كله كان يحفر عميقاً في تهشيم صورة الانتماء العربي والتعاون العربي ولا سيما في ظل انكفاء كل دولة عربية على ذاتها وابتعادها عن مواكبة المتغيرات البعيدة المدى في العالم من حولها، وعدم التنبه الى المخاطر الشديدة التي كانت تعصف بمنطقتنا العربية. وذلك كله كان يفاقم مشاعر القلق والاحباط واليأس وانسداد الأفق وخاصة لدى الأغلبية الشابة في مجتمعاتنا العربية وخاصة مع تفجر نزعات التطرف الديني والارهاب الفكري واللجوء الاعمى الى العنف من جهة وتفشي البطالة وانسداد الافق من جهة اخرى.
ايها السيدات والسادة،
حينما ضُرِب رأسُ هرم النهوض، فإنّ التداعيات والتصدعات توالتْ وتعددت الأسباب، وما عادت قاصرةً على آثار احتلال فلسطين. وهكذا فإنه وكما صار النهوض الثقافي والسياسي العربي ذكرى مؤلمة ومُحزنة، فإنه لا ينبغي أن نُخطئ بالاستبدال بسبب العجز أو اليأس، فنقول: تعالَوا نحاولْ استعادة نهضةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ ما دامت النهضة السياسيةُ بعيدةً أو غير ممكنة. إنّ الثقافة ليست بديلاً عن السياسة والعمل السياسي والاقتصادي التنموي، بل هي جُزءٌ منهما. إنّ العلةَ ليست في الإنسان العربي، فها هُمْ أبناؤنا في المَهاجر يحققون إنجازاتٍ في العلوم والآداب ووسائل الاتصال ومجالات الهندسة والأعمال. أما التراجُع في الثقافة العربية الشاملة، وفي الوعي الثقافي العربي، فهو عَرَضٌ وليس جوهراً، وله عِلَل كثيرة ومن اهمها: مشكلات الدولة الوطنية، والتدخلات الأجنبية بسبب ضعف الدولة الوطنية العربية وسلبيات تجاربها، واختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة العربية ومن حولها، وتفاقُم ظواهر التطرف من جهة، والعصبيات المحلية والجهوية من جهةٍ أخرى.
إنّ هذا التدهورَ الكبيرَ الحاصلَ الذي تعاني منه الامة على جميع الصُعُد لن يتغير حتى تقوم حالة نهوض: ثقافيٌّ واجتماعيٌّ وسياسيٌّ واقتصاديٌّ جديدٌ تعبر عن روح ووجدان و ارادة الامة في مواجهة جملة من التحديات التي تضج فيها المنطقة العربية.
ولذا فإنّ أولَ التحديات التي ينبغي مواجهتها هو تحدي التجديد السياسي لتجربة الدولة الوطنية. ولستُ من القائلين بحتمية تكرار التجارب الناجحة، لكنْ لماذا لا نُحاولُ ذلك وفي مصر ولبنان بالذات. لقد تغير العالم كثيراً، وتغيرنا نحن العرب على وقع تغيُّر العالَم. لكنّ مصر وهي ثلث العالم العربي مهيأة بحكم التاريخ وتجارب الماضي والحاضر، ليس لتكرار العمل والدور، بل لتجديد العمل وتطوير الدور. لقد اطلعت على كتاب الأستاذ علي الدين هلال وزملائه عن استعادة الدولة. والمشكلات كبيرةٌ في هذه الاستعادة بالطبع. وأرى مزاجاً متشائماً، لكنّ هذا هو الشأنُ في مراحل التحول الكبرى. وفي دولةٍ كبرى وطبيعية مثل مصر لا خوفَ في المدى المتوسط والطويل على حظوظ التطور والتطوير وإمكانياتهما. ومن يقرأ كتب الأستاذ جلال أمين التي تُتابع الحالة والمزاج بمصر، يُحسُّ بالإمكانيات الكبرى التي تختزنُها أمُّ الدنيا. والامل ان تبرز وتظهر في الأعوام القادمة وعلى وقْع مساعي القيادة المصرية في تعزيز بناء الدولة المدنية الحديثة وإطلاق المشروعات الكبرى للتنمية التي دخلت فيها وإطلاق حركة النهوض الاقتصادي في البلاد مع التاكيد على الاستقرار في الاقتصاد الكلي والجهود الواجب تعزيزها في مضمار التطور الديمقراطي ودور المؤسسات وتعزيز الحريات العامة واحترام حقوق الانسان.
والحقيقة أن المزاجَ اللبنانيُّ أكثر تشاؤماً هذه الأيام من المزاج المصري. ومع ذلك فإنني لستُ شديد الخوف على لبنان الا انه قد اصبح يقتضي المسارعة الى العودة الى الالتزام بالدستور وانتخاب رئيس للجمهورية وانهاء الشغور الرئاسي تجنبا للمزيد من الاضرار.
إنّ العنوانَ بمصر مثل العنوان بلبنان وهو تجديدُ تجربة الدولة الوطنية الحديثة واعادة الاعتبار للكفاءة والجدارة والانجاز في السياسة كما في الادارة. والنهضةُ المصريةُ عام 2011 والتي كانت لتجديد شباب الدولة والنظام رغم ما تخلَّلها وما أَعقبها من اشكالات ونكسات، ما تزال قويةً وواعدةً. وكذلك اليقظةُ اللبنانيةُ البادئة عام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي تابعها السوادُ الأعظَمُ من اللبنانيين والعرب والعالم، تُشعر بأنّ شبابَ لبنان ومثقفيه وسياسييه وإعلامييه مستعدون للتضحية، ومستعدون لاجتراح المستحيل، من أجل تعزيز قيم لبنان المستندة إلى العيش المشترك، والنظام الديمقراطي، واحترام الحريات العامة، و احترام حقوق الإنسان، والعمل واستعادة مؤسسات الدولة، والرشد في إدارة النظام السياسي والعام.
يجب ان لا نستخفّ بأشواق الناس وآلامهم وتطلعاتهم وطموحاتهم. فالدولةُ دولتُهم، وسيُسرِّعون من حضور الربيع الحقيقي إذا رأوا طائر السنونو الأول. وفي أجواء مصر ولبنان اليوم يبدو ان هناك أكثر من طائر، رغم هذا الصقيع العربي القاتم القسَمات.
أمّا التحدي الثانيالتحدي الذي تشكله ضرورة استعادة إيمانِنا بالعروبة المستنيرة كرابطة ثقافية ورابطة حضارية وثيقة تقوم على الإيمان بالمصلحة العربية المستندة إلى فكرة الدولة المدنية المعترفة بحقوق المواطنين المتساوين والجامعة للاثنيات والقوميات والاديان والمرتكزة على قواعد التكامل والاعتماد المتبادل فيما بين دولها وشعوبها. فلقد أدّى انحسار هذا المفهوم للعروبة الى ان تطفو على السطح مجموعة من المشكلات والتي يرتبط بعضها بالهويات والانتماءات الطائفية والمذهبية والعرقية اسهمت في تعميقها صدمات وممارسات داخلية عنيفة غير ديمقراطية واخرى ناتجة عن تدخلات خارجية مخربة للفكر ومدمرة للانسان والعمران. ولذلك لا بد ان تدب الحياة من جديد في شرايين العروبة المستنيرة استناداً الى تعميق الروابط الحضارية والثقافية والمصالح المشتركة.
أما التحدي الثالث، فهو التحدي الذي تطرحه فكرة التكامل. وهو له جانبان، أحدُهُما اقتصادي وتنموي وتبادُلي أو أنه اعتمادٌ متبادَل. وثانيهما دفاعيٌّ في المجالات العسكرية والأمنية والاستراتيجية. قرأتُ أنّ الزعيم المصري الكبير مصطفى النحاس كان يقول متشائماً عند مناقشة تجارب إقامة الجامعة العربية: ماذا يفيد مصر الانضمام إلى العرب في جامعة؟ صفر+ صفر= صفر. وقد ثبت أنه مخطئٌ رحمه الله. فالجامعةُ على تواضُع إنجازاتها حقّقت نجاحاً لا بأس به في مجالات العمل العربي المشترك. ونحن هنا لا نكرّر حتى تجربة الجامعة، بل نحن نجدّدُها ونُضيفُ إليها تحت وطأة الحاجة والضرورة. كُلُّنا نكسَبُ من التكامل مع بعضنا بعضاً ونكسب من انفتاح الأسواق، ومن السلاسة في الحركة بين الأقطار، ومن التعاوُن الطليق بين القطاعات الخاصة، وقطاعات الأعمال، والاستثمارات المتبادلة والاعتماد المتبادل.
أما الجانب الدفاعي للتكامل فتبدو الحاجةُ الشديدةُ إليه اليومَ والآن، بعد أن استولى علينا الخواءُ الاستراتيجي، وصارت موجات الهجرة في دولنا المأزومة طعاماً للأسماك الكبيرة من وراء المحيطات وفي أعماقها. عند حصول الأزمات والمخاضات، ولانعدام تطبيق اتفاقية الدفاع العربي المشترك وتَطويرها وتعزيزها، صرْنا عُرضةً للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وضحيةً لخلافات الكبار وصراعاتهم حيث يسفك الدم العربي وتدمر المدن العربية ولا من ردة فعل عربية على مستوى الجرائم الفظيعة التي ترتكب بحق بلداننا وانساننا العربي. بينما ها هم مجاورونا الأفارقة، يملكون القدرة على نشر قوات سلامٍ ومصالحة في الأقطار التي تتعرض للأزمات بداخل القارة. البعض يقول إنّ في ذلك انتهاكاً للسيادة الوطنية، لكنْ كيف يكون ذلك انتهاكاً إذا كان المقصود إيقاف النزاعات الداخلية في الأقطار، وصُنع المصالحات والاستقرار، والتخلص من الميليشيات والجيوش الأجنبية في العراق وسورية وليبيا، وحماية المجالات الأرضية والبحرية والجوية للبلدان العربية؟!
إنّ التكامل هو ورقةٌ رابحةٌ في كل الأحوال، ولا تهدد السيادة التي تنتهكها إسرائيل في كل وقت، وأُضيف إليها الآن إيران وتركيا وأميركا وروسيا الاتحادية!
وما ذكرْتُ أهمَّ فوائد التكامل الاقتصادي والدفاعي، وهو استعادةُ دور مصر. فمصر كما أقول دائماً هي من دون العرب الآخرين قوةٌ محلية، ومع العرب قوةٌ إقليمية ودولية. والعرب من دون مصر محلياتٌ معرضة للتفكك، ومع مصر تكتلٌ معتزٌ بانتمائه، ومشاركٌ في صنع سياسات العالم المعاصر. هكذا كنا أيام جمال عبد الناصر، وهكذا يمكن أن نكون بل هذا ما يجب عليه ان نكون فنحن ان لم نقف حتى ندافع عن وجودنا ومستقبلنا فلن يَحْسِب لنا احد حسابا (stand up to be counted).
اما التحدي الرابعوالقائم على أنه لا يجوز ولا يمكن أن يكونَ الخيارُ الأوحد المتاح لمجتمعاتنا العربية الوقوع في لجّة ومحنة الاختيار بين الأنظمة الشمولية والأنظمة الدينية أو التي تدَّعي ذلك. لقد دلت تجربتنا المريرة على مدى العقود الماضية ماذا كانت النتيجة عندما كان مفروضاً علينا في حينها ان نختار بين الشمولية والتطرف الديني وهما بالفعل وجهان لعملة واحدة. ولقد أصبح واجباً بل ضرورياً سحب تلك وهذه العملة من التداول والولوج إلى فضاء الدولة المدنية.
ولنصل إلى التحدي الخامس، وهو تحدي الإصلاح الديني. لقد صار وجْهُ الإسلام قاتماً في دياره وفي العالم، بسبب التطرف والعنف والإرهاب الذي استشرى في منطقتنا وانتشر في العالَم. والدول عندنا وفي العالم تكافحه بالوسائل العسكرية. لكننا نحن العرب نمتلك القوة الناعمة التي تستطيع بالجهد والمبادرة وتصحيح المفاهيم، جلاءَ القَتام عن وجه الإسلام، والحيلولة دون نشوء أجيال جديدة على التطرف، ومعاداة دولنا الوطنية، ونشر العنف في العالَم. إنها مؤسسة الأزهر، الذي اعتدْنا نحن في بلاد الشام ومنذ مائة عام أن نرسل أبناءنا لتعلُّم الدين في ربوعه. وقد أصدر الأزهر بين العامين 2011 و2013 إعلاناتٍ ووثائق، تصبُّ كلُّها في خانة الاستنارة الدينية، والوسطية والاعتدال في الدين، ومن ذلك ما يقتضي العمل على تجديد الخطاب الديني والحض على العلم والتعلم والتاكيد على ثقافة العمل والانتاج وكذلك تشجيع التفكير النقدي في مجتمعاتنا من اجل تغيير الرؤية للعالم لدى الاجيال القادمة. نعم، مؤسساتُنا الدينيةُ تحتاج هي ذاتُها إلى إصلاح لاستعادة زمام المبادرة في وجه المتطرفين، واستعادة السكينة في الدين، وفضّ الاشتباك بين الدين والدولة، وإنقاذ الدين من الاستغلال السياسي، وتجديد تقاليد العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين. لقد خطا الأزهر خطواتٍ في هذه السُبُل كلّها، لكنّ النجاح في هذه المهمات الكبرى، يحتاج إلى إصلاحٍ واستنهاضٍ في سائر مؤسساتنا الدينية والأزهر على رأسها. وفي هذا المجال يستطيع المثقفون اللبنانيون والمصريون ان يلعبوا دوراً بارزاً، بدلاً من الإعراض أو السلبية، مرةً بحجة رفض التقليد والدوغمائية، ومرةً بحجة أنه لا شأن للدين بالحياة العامة!
برأيي إنّ مكافحة التطرف يجب أن تعتمد على ثلاث ركائز لبناء استراتيجية واضحة من اجل التصدي لها:
- التفسير الصحيح والمستنير للإسلام
- الحاجة إلى تعزيز ثقافة الديمقراطية وارساء قيم الانفتاح والتسامح والتعددية.
- احترام حقوق الإنسان وقبول الآخر المختلف.
كما انني اعتقد انّ الاعتدال العربي والكثرة الكاثرة من المسلمين main streamهم وحدهم القادرون على هزيمة التطرف وظاهرة الإرهاب المعولم في صفوف العرب والمسلمين ولا سيما في ظل توسع ظاهرة الاضطراب العالمي وتفشي ظواهر التطرف والعنف في سائر الانحاء.
اما التحدي السادسفهو التأكيد على أن حقوق الأفراد والحريات العامة والخاصة كما حقوق الجماعات لا يضمنها إلا الدستور الذي يلتزم الجميع بوجوب احترامه وتطبيقه.
اما التحدي السابعففي التأكيد على وجوب خوض غمار الإصلاح المؤسسي وذلك من خلال الحضّ على اعتماد الفكر المؤسسي والعمل على قيام المؤسسات وتفعيل عملها وضمان قدرتها على العمل بتعاون واحترام وتناغم بين بعضها بعضاً. ولكن أيضاً ضمان قدرتها على مراقبة بعضها بعضاً (Checks and Balances).
اما التحدي الثامنفيتمثل بضرورة ان يتلازم التقدم على مسار الإصلاح المؤسسي بالتقدم على مسار وجوب قيام السلطات القضائية والدستورية المستقلة والتي تتمتع بالكفاية والفعالية والضامنة للحقوق والواجبات.
اما التحدي التاسعفهو التأكيد على وجوب تلازم مسارات النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبرامج استئصال الفقر والامية وكذلك تعزيز مستويات المشاركة مع الحرص على الاستقرار في الاقتصاد الكلي (الماكرو- اقتصادي) وكذلك الإصلاح البنيوي والمؤسساتي.
أيها الإخوة والأخوات،
إنها سنواتٌ صعبةٌ وصعبةٌ جداً، صعد فيها الإرهاب وسقط فيها الملايين من العرب صرعى وجرحى ومعوقين، وهُجِّر عشراتُ الملايين أيضاً عن ديارهم، وطال التدمير الإنساني والمادي اكثر من بلد عربي وطالنا نحن في لبنان في اكثر من اتجاه سياسي وامني وانساني وعمراني. وما بقيت جهةٌ إقليمية أو دولية إلاّ تدخلت في شؤون بلداننا العربية وامعنت فيها افسادا وتدميرا.
لكن على مدى تاريخنا الماضي والحاضر لم يكن الأمل وحده ما كنا نحتاجه، وعلى أهميته الكبرى، في مواجهة المحن والأزمات. ولكن ما كان نصيرَنا في الماضي وسيكون نصيرَنا الآن وفي المستقبل هو الشجاعة في مواجهة الحقيقة والإرادة الصامدة والثابتة والمثابرة في مجالاتها حتى يتمَّ لنا ما نريد وتريده شعوبنا العربية.
لقد أتينا إلى مصر كما كنا نأتي دائماً محبين ومسترشدين ومتعاونين ومتضامنين. جئنا للأمل والعمل. وسنبقى دائماً ذُخراً لمصر، وتبقى مصر ذُخراً لنا. وهذا قَدَرٌ، لكنه قَدَرٌ محبَّب.
عاشت مصر، عاش لبنان، عاشت الأهرام، وعاش مثقفونا وإعلاميونا.