الرئيس السنيورة : أنا مع إقرار سلسلة تكون منضبطة ومجزأة وتكون متلازمة مع إقرا اجراءات تؤدي إلى زيادة واردات الخزينة
قال رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة : أن حجم الدولة وأعبائها أصبح أكبر من حجم الاقتصاد اللبناني وإمكاناته وقدراته. والمعضلة المأزق الآن كيف يمكن لهذا الاقتصاد أن يتحمل أو ينهض بعبء ذلك الحجم المتعاظم.
وقال : لم يعد لدى لبنان النمو الاقتصادي الذي حققه في الأعوام 2007-2010 حيث انخفض النمو الاقتصادي بعدها إلى واحد بالمائة او أقل ابتداء من العام 2011 ومازال كذلك إلى يومنا.
أضاف : إنّ قواعد القيام بالإصلاح تقتضي بأن تبادر إليه الأمم أو الحكومات عندما تكون بحاجة إليه ويكون بإمكانها عند ذلك القيام به. هذا يعني أن لا تتقاعس أو تتلكأ أي حكومة عن القيام به في الوقت المناسب، وبالتالي لا تؤجله إلى الوقت الذي تصبح فيه مجبرة على القيام به بفعل التحولات والتطورات المتسارعة.
وقال الرئيس السنيورة : لم يعد من الممكن ان نستمر في التصرف اللامسؤول وبدون أي روادع في إدارة شأننا الاقتصادي والمالي وكأننا ننفق من مال قارون دون التحسب للنتائج ودون التنبه للمخاطر القائمة والكامنة.
ومضى قائلا : أنا وبوضوح شديد مع إقرار سلسلة تكون منضبطة ومجزأة، ولكن على أن تترافق مع اتخاذ قرارات شجاعة ومتبصرة في آن. وتكون متلازمة مع إقرار السلسلة وتؤدي إلى زيادة واردات الخزينة بشكل لا ينعكس سلباً على الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية لدى المواطنين، ولاسيما لذوي الدخل المحدود.
كلام الرئيس السنيورة جاء في مداخلة له يوم الأربعاء في مجلس النواب وفي ما يلي ما جاء تضمنته هذه الكلمة:
دولة الرئيس،
الزملاء النواب،
ربما قد تكون هذه الجلسة من أهم وأخطر الجلسات التي يعقدها المجلس النيابي وهي المخصصة لبحث سلسلة الرواتب الجديدة للعاملين في الدولة اللبنانية والتي ينبغي ان يتلازم إقرارها مع إقرار مجموعة من الإجراءات والقوانين الإصلاحية وكذلك مع الإجراءات التي تؤمن إيرادات إضافية وجديدة للخزينة اللبنانية.
دولة الرئيس،
قبل تسعة عشر عاماً، وفي أواخر العام 1998، كان يجري الإعداد النهائي لإقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب الجديدة في المجلس النيابي. وكان قد جرى التحضير لمشروع تلك السلسلة على مدى عدة سنوات من قبل الحكومة اللبنانية ولاسيما بعمل مشترك من قبل الزميل أنور الخليل بكونه وزير التنمية الإدارية ومني بكوني وزيراً للمالية. ولقد جرى الإعداد لإقرار تلك السلسلة بشكل دقيق ومتبصر توخى الإنصاف والعدالة من جهة، واشتمل على جملة من الاصلاحات الادارية والمالية من جهة ثانية. ولقد كان يفترض أن ينعكس إقرار تلك السلسلة الجديدة في إحداث نهوض حقيقي وتحسن نوعي وكبير في زيادة إنتاجية ومستوى كفاءة إدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها. كذلك كانت تلك الإصلاحات تهدف إلى ضبط وتعزيز واردات خزينة الدولة اللبنانية وضبط وترشيد النفقات من أجل خفض واحتواء العجز في الموازنة والخزينة وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة اللذان كانا وما يزالان يشكلان المسارات الحيوية والضرورية لتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي في لبنان. كذلك فقد كانت تلك الإصلاحات تهدف إلى الحد من تصاعد الزيادة في حجم الدين العام.
في ذلك الوقت من شهر تشرين الثاني من العام 1998، وكان قد استقر الرأي، وبعد مراحل طويلة قطعتها عملية إقرار السلسلة تمّ خلالها التواصل المكثف مع جميع الإدارات والمصالح والمؤسسات والروابط والنقابات المعنية على مساحة لبنان، أن يصار إلى عقد جلسة لمجلس النواب، تكون مخصصة لإقرار مشروع السلسلة وكان على أن يتم اقتراح إقرارها بكافة بنودها بمادة وحيدة تسهيلاً وتسريعاً لعملية الإقرار.
لكن ما جرى وقبل يوم واحد من تاريخ انعقاد جلسة مجلس النواب، وبناء على طلب وإصرار الرئيس العماد إميل لحود، الذي كان قد انتخب خلفاً للرئيس الياس الهراوي ولم يكن في حينها قد تسلّم بعد مهامه الدستورية، تمّ إلغاء جميع البنود الإصلاحية الواردة في مشروع قانون السلسلة. وعلى ذلك فقد أُقِرَّت السلسلة وأصبحت حصراً زياداتٍ على الأجور والرواتب ومعاشات التقاعد فقط ودون أن يرافقها أي بند إصلاحي.
ولقد كانت حجة الرئيس لحود في ذلك أنه يريد ان يعمل من أجل أن يصار إلى إجراء إصلاحات جذرية وأكبر بكثير مما هو موجود في مشروع السلسلة. ووقتها لم يستجب الرئيس لحود للتمني عليه بالموافقة على المشروع كما ورد ومن ضمنه البنود الإصلاحية.
وبناء على ذلك، فقد أُفرِغَ مشروع قانون السلسلة من جميع البنود الإصلاحية التي كان يفترض بتلك البنود ان تحقق نقلة نوعية على صعيد إدارة الدولة ومؤسساتها وعلى صعيد إعادة الاعتبار للكفاءة والجدارة والإنجاز والمحاسبة على مستوى ونوعية الاداء. كما وان ينعكس إقرارها تحسناً في الاداء الاقتصادي وبما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي.
بناء على ذلك، لم تتحقق للدولة ولا للمواطنين أي من المفاعيل الإيجابية لتلك الاصلاحات المالية والإدارية التي أسقطت من مشروع تلك السلسلة.
المفارقة الكبيرة أنه ويا للأسف، لم تجرِ رعاية أو دعم أية محاولة بعد ذلك للعودة إلى إقرار تلك البنود الإصلاحية خلال فترة ولاية الرئيس لحود أو إلى ما بعد ذلك بمعنى آخر فقد أهدرت الدولة اللبنانية في حينها فرصة نادرة أتيحت آنذاك لإقرار تلك الإصلاحات.
هنا وفي هذا الصدد، أريد أن أوضح امراً أساسياً، وهو أن الإصلاح ليس أغنية نغنيها كلما حلا لنا أن نرددها أو كلما وجدنا ان ذلك مفيد لنا سياسياً أن نكرره على مسامع المواطنين. بل هو فعل إيمان وإرادة حازمة تتعلق بإدارة الشأنين الوطني والعام بكفاءة تراعي قواعد الحوكمة وتكون ملتزمة بتحقيق التلاؤم المستمر مع المتغيرات والتحولات الحاصلة لدينا ومن حولنا. هذا مع استمرار الالتزام بالدستور وباحترام القانون والمبادئ والقواعد السليمة للإدارة، لجهة إيلاء مسؤولية إدارة الشأن العام لأصحاب الكفاءة والجدارة والقادرين على الإنجاز ومحاسبتهم على أساس الأداء.
كذلك فإنّ قواعد القيام بالإصلاح تقتضي بأن تبادر إليه الأمم أو الحكومات عندما تكون بحاجة إليه ويكون بإمكانها عند ذلك القيام به. هذا يعني أن لا تتقاعس أو تتلكأ أي حكومة عن القيام به في الوقت المناسب، وبالتالي لا تؤجله إلى الوقت الذي تصبح فيه مجبرة على القيام به بفعل التحولات والتطورات المتسارعة. لأنه عندها يكون القيام بالإصلاح أمراً مكلفاً ومؤلماً. والحقيقة المؤسفة أن هذا ما أصبحنا عليه الآن في لبنان. وهذا ما آلت إليه أمورنا الآن، إذ نرى بأم العين كيف تتخبط البلاد وتعاني من حال الارتباك من جراء تداعيات سنوات عديدة ماضية ضيعناها ولم نبادر خلالها إلى سلوك طريق الإصلاح في الوقت والاندفاع المناسب.
ماذا فعلنا منذ العام 1998 وحتى الآن. دعوني اختصر الصورة بهذا النموذج للسيارة الصغيرة الـVolkswagenوالشاحنة Trailer. فالسيارة الصغيرة يتوجب عليها ان تَجُرَّ Trailerالشاحنة. بمعنى القول أن حجم الدولة وأعبائها أصبح أكبر من حجم الاقتصاد اللبناني وإمكاناته وقدراته. والمعضلة المأزق الآن كيف يمكن لهذا الاقتصاد أن يتحمل أو ينهض بعبء ذلك الحجم المتعاظم.
إنّ ما زاد في حدة وحراجة هذا المأزق هو أنّ لبنان واللبنانيين لم يتوقفوا عن تلك الحال التي وصل إليها لبنان. هل توقفنا عن تلك الممارسات التي في المحصلة تؤدي إلى مراكمة ومفاقمة الأثقال الاضافية على جسم الدولة وحجمها وأصبحت تودي برشاقتها وحيويتها وإنتاجيتها وفعاليتها ومما زاد في حدة المشكلة أن ترافق مع ذلك امتناع لا بل تضييعٌ لكل فرصة للقيام بجهد حقيقي من أجل تحسين قدرات وأداء سيارة الـVolkswagenلكي تتحمل أعباء جرّ تلك الشاحنة. وها نحن نشهد ما آلت إليه حال الدولة من ترهل وأعباء.
وعلى الرغم من أنّ لبنان تلقى تنبيهات وإنذارات عديدة مباشرة أو غير مباشرة ومن أكثر من مصدر ومنها ما دلّ عليه أكثر من مؤشر اقتصادي أو مالي أو سياسي لتنذره وتنذر اللبنانيين بأنه قد آن أوان الجدّ وإلى ضرورة المبادرة إلى القيام بالإصلاح وتوفرت له فرص عديدة من أجل تصويب مسيرته لتحقيق الانقاذ والنهوض. لكن لبنان وياللأسف، لم يستفد منها كما ينبغي. وأخص هنا بالذكر مؤتمرات باريس-IوIIوIIIوالمساعدات التي تلقاها لبنان بموجب تلك المؤتمرات وكذلك المساعدات التي حصل عليها في العام 2006، عقب الاجتياح الاسرائيلي.
لقد كانت جميع تلك النصائح والمؤشرات والتنبيهات تدعونا إلى التبصر بأحوالنا وأوضاعنا الوطنية والحكومية والإدارية، وإلى ضرورة المسارعة إلى العودة إلى التلاؤم والمبادرة إلى القيام بسلة من الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية لتحقيق الانضباط وبالتالي النهوض.
ومن ذلك كانت هناك جملة من التحذيرات بينتها فذلكات الموازنات 2001- 2004 والتي جرى شرحها هنا تحت قبة البرلمان مرات ومرات. ومنها أيضاً مشروع موازنة العام 2005 الذي بيّن بوضوح شديد جميع المخاطر الكامنة والمحدقة التي تحدّ من قدرة الاقتصاد اللبناني وماليته العامة على الصمود في وجه الصدمات المتكاثرة عليه وحيث حدد ذلك المشروع عدداً كبيراً من البنود الاصلاحية المقترحة. إلاّ انه ويا للأسف ظلّ الانتباه العام اللبناني مشدوداً إلى اهتمامات أخرى وبالتالي استمر التقاعس ولم يتحقق الإصلاح المطلوب ولا النهوض المنشود.
إنّ ما كان يفاقم من حدة المأزق الذي آل إليه الحال في لبنان أنّ ما كان يعتمد من سياسات ويحصل من ممارسات كان على النقيض مما كان ينبغي له ان يحصل. فلقد استمر التلكؤ عن اعتماد السياسات المحفزة للإصلاح واستمرّ التراجع في أداء إدارات الدولة ومؤسساتها وعلى أكثر من صعيد. كما تراجعت مستويات الانضباط المالي والاداري وانحسر النمو في الحركة الاقتصادية. كذلك فقد جرى، ودون أيّ تبصّر، إقرار سلسلةٍ جديدةٍ للرواتب للقضاة وللأساتذة الجامعيين دون أي إدراك أو تنبه للنتائج والتداعيات السلبية التي سوف تترتب على الخزينة اللبنانية بسبب إقرار تلك السلسلتين بالشكل التي أقرتا. ذلك مما زاد من حدة الفوارق بين مختلف فئات العاملين في الدولة اللبنانية ومؤسساتها وأدى إلى هذا الشعور المتزايد من الغبن لدى باقي العاملين في الدولة ومؤسساتها وفي المحصلة إلى إلهاب التوقعات والمطالب.
بناء على ذلك كله، فقد ازداد العجز وازداد الدين العام وتردت معظم المؤشرات وتفاقمت مستويات ترهل الدولة وازداد حجمها وزاد عدد الموظفين والاجراء والمتعاقدين في جميع الأسلاك والملاكات العسكرية والأمنية والمدنية بزيادات كبيرة بفعل اقتراحات القوانين لإدخال مجموعات جديدة في مختلف الملاكات والأسلاك. كذلك فقد ازداد عدد المتقاعدين الذين أصبحوا يشكلون عدداً وعبئاً مالياً لا تستطيع الدولة ان تتحمله، ولاسيما في ضوء التغيرات الديمغرافية والزيادات الحاصلة على المعدلات العمرية للبنانيين.
وبدلاً من أن تطلق تلك التغيرات والتحولات محاولات جادة ومصممة لمعالجة ذلك التفاقم فقد ازداد التفلت من القوانين والقواعد الصحيحة في إدارة الشأن العام، وبالتالي إلى المزيد من عدم الانضباط. ونتيجة لذلك فقد تضخمت الأعباء وتراجع الاداء الاقتصادي، كما تراجعت مستويات ونوعية إدارة الشأنين الوطني والعام.
ماذا ترافق مع ذلك وما جرى بعدها:
1-ازداد استتباع الدولة والإدارة العامة لمصلحة الأحزاب والميليشيات، ولم تعد الكفاءة والجدارة والإنجاز والمحاسبة على أساس الأداء، هي المعايير التي ينبغي التقيد بها أو احترامها. كما أنّ تلك المعايير لم تعد هي التي تصون الموظفين وتمنعهم من التعسف ضد مصالح المواطنين، كما وتحميهم في آن معاً من تعسف السياسيين وأصحاب المصالح. بل أصبح أمر الولاء والاستتباع للطائفة أو للمذهب أو الحزب أو الميليشيا أو الزعيم بديلاً عن الولاء للدولة ولمصلحة المواطنين أمراً عادياً. وعلى ذلك، فقد ازدادت ممارسات الفساد والإفساد والرشوة والمحسوبية والزبائنية وأصبحت هي السمة الغالبة في طبيعة وطريقة إدارة الشأن العام. ولقد تساوق ذلك مع تراجع حاد في دور الدولة وسلطتها وهيبتها مع تغوُّل الميليشيات والأحزاب والطوائف والمذاهب على الدولة ومؤسساتها.
2- منذ العام 2006، لم يعد لدى لبنان فائض في ميزان المدفوعات وازداد العجز في الموازنة والخزينة، بل أصبحت جميع المؤشرات المالية والنقدية والاقتصادية غير ملائمة بل غير مريحة على الإطلاق، ولاسيما بعد أن تعاظم مستوى العجز في الخزينة وعادت نسب الدين العام إلى الناتج المحلي إلى الارتفاع.
3-لم يعد لدى لبنان النمو الاقتصادي الذي حققه في الأعوام 2007-2010 حيث انخفض النمو الاقتصادي بعدها إلى واحد بالمائة او أقل ابتداء من العام 2011 ومازال كذلك إلى يومنا هذا. ذلك بالمقارنة بعد أن بلغت معدلات النمو إلى حوالي 8.5 بالمائة خلال الفترة 2007-2010 والتي تميزت بفائض كبير في ميزان المدفوعات.
4-تغيرت الظروف في العالم العربي والعالم حيث لم تعد متاحة لدينا أطواق النجاة التي كانت متوفرة لنا في السابق والتي حصل عليها لبنان في مؤتمرات باريس-IوIIوIIIوفي العام 2006 على أمل أن يبادر لبنان إلى القيام بالإصلاحات المطلوبة وهو ما لم يفعله.
5-تزايد اتساع الهوة في الثقة بين الدولة والمواطنين.
إنّ الوضع الهشّ الذي وصل إليه لبنان أصبح يقتضي جهوداً استثنائية من أجل العودة إلى الالتزام بما يقتضيه إعادة الاعتبار للدولة ودورها وسلطتها ولإدارتها للشأن العام ولهيبتها. وكذلك العودة إلى الالتزام بقواعد الانضباط المالي والاقتصادي.
هذا ما تنبغي المسارعة إلى القيام به من حيث المبدأ. فكيف إذا أضفنا إلى ذلك ما يتأثر به لبنان سلباً بسبب الصدمات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية الآتية من الخارج والناتجة عن الحروب المشتعلة في الجوار القريب وتداعياتها السلبية على أكثر من صعيد وطني وسياسي واقتصادي واجتماعي وأمني، ومنها ما هو أيضاً بسبب التحولات الاقتصادية والمالية الكبرى الناتجة عن انخفاض أسعار النفط والغاز، التي كانت في جانب منها نعمة للبنان وفي جوانب أخرى كثيرة نقمة على لبنان وعلى اللبنانيين العاملين في الخارج.
كذلك أيضاً التداعيات الكبرى الناتجة عن التغيرات والتحولات الحاصلة في قطاع الاتصالات وعن الثورة التكنولوجية العظمى اللتان كسرتا حواجز الزمان والمكان والصمت والخوف كما والتغير في اهتمامات الدول المانحة. إنّ جميع ما تقدم يشكل أسباباً تجعل أيضاً من الصعب على لبنان الحصول على الدعم الذي قد يطلبه أو يرغب به من الخارج وهو بالفعل بحاجة ماسة إليه.
كلّ ذلك، هي أمور تقتضي من لبنان المسارعة إلى اتخاذ المبادرات التي تقدره على التلاؤم والتكيف مع تلك التحولات والمتغيرات ومقتضياتها.
في النظر إلى هذا الواقع وبشكل موضوعي، هل هذه دعوة للمواطنين لليأس؟
أبداً على النقيض من ذلك. بل هي دعوة للعمل الجاد في البدء في توضيح الأهداف وتصويب البوصلة وعدم القبول بالانحراف عن المبادئ والأساسيات وفي تعديل المقاربات والأساليب ومنها وعلى رأسها المبادرة إلى القيام بالإصلاحات لاستعادة النهوض على كل المستويات. انها دعوة للعودة إلى الانتظام في أمورنا الوطنية والسياسية والادارية والاقتصادية والمالية. انها دعوة للعودة إلى اكتساب الثقة من مواطنينا ومن أشقائنا ومن أصدقائنا في العام وكذلك أيضاً الثقة في أنفسنا. نحن العاملين في الشأن الوطني والشأن العام.
بصراحة شديدة، لم يعد من الممكن يا دولة الرئيس ان نستمر في التصرف اللامسؤول وبدون أي روادع في إدارة شأننا الاقتصادي والمالي وكأننا ننفق من مال قارون دون التحسب للنتائج ودون التنبه للمخاطر القائمة والكامنة.
لم يعد بالإمكان الاستمرار في التفلت من الالتزام بالقواعد الصحيحة لإدارة الدولة والاقتصاد والمالية العامة والتي تقتضي منا التبصر في عدم إلزام دولتنا بما لا تستطيعه من جهة، والحرص من جهة ثانية على استمرار التزامها باحترام قواعد الكفاءة والجدارة واعتماد قواعد المساءلة الصحيحة والمحاسبة على أساس الأداء. كذلك أيضاً الإصرار على الانضباط المالي وضبط واردات الخزينة والحدّ من زيادة النفقات والعمل على ترشيق الدولة لكي تتولى القيام بما ينبغي ان تتولاه بذاتها بكفاءة متحسنة وان تشرف بشكل فعال على ما يمكن ان يتولاه القطاع الخاص. وهو ما بمجموعه يسهم في رفع مستوى ونوعية إدارتنا لأوضاعنا الاقتصادية والمالية المتفاقمة بشكل صحيح وبما يسهم في الحدّ من نمو الدين العام والعودة إلى تحقيق معدلات مستدامة من النمو الاقتصادي والتنمية المناطقية والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي.
ليس عيباً أو انتقاصاً من صلاحية المجلس أن يطلب المجلس معلومات كاملة ودقيقة وصحيحة قبل إقرار اي اقتراح أو إعداد مشروع أي قانون لمعرفة تداعياته وتكاليفه المالية، بل هذا في الحقيقة من واجبه، أما الاستمرار في سلوك هذا المنحدر دون اي ضوابط فهو اللاعقلانية بذاتها. لم يعد من الممكن فهم أو القبول بتلك السلسلة اللامتناهية من تبني مطالب من هنا ومن هناك مشكوك بأولويتها ويصار إلى عدم التبصر في إقرارها ودون حتى السؤال عن كلفتها وتداعياتها والتعرف على تأثيرات ذلك كله في استيلاد مطالبات أخرى من هنا وهناك على قاعدة "أسوة بما حصل سابقاً".
يجب أن نعترف أنّ ما حصل لدينا حتى الآن لم يكن إلاّ نتيجة إلى ما جرى إقراره في حكومات عديدة متعاقبة على صعيد ممارسات بعض الوزراء وأكثر من ذلك أيضاً على صعيد التشريع الذي يجد اذناً صاغية من أجل قوننة الإنفاق الإضافي الإرضائي والسياسي.
دولة الرئيس،
نحن وصلنا بسبب كل ما قمنا به حتى الآن إلى وضع شديد الصعوبة، بحيث انه مشكلة أن أقدمنا على إقرار سلسلة جديدة تتضمن زيادة كبيرة في الإنفاق، ومشكلة إذا لم نقر سلسلة جديدة وتسببنا بظلامة كبيرة للعاملين في الدولة وفي مشكلة سياسية وأمنية واجتماعية لا تحمد عقباها.
ما أريد أن أقوله باختصار. أنا وبوضوح شديد مع إقرار سلسلة تكون منضبطة ومجزأة، ولكن على أن تترافق مع اتخاذ قرارات شجاعة ومتبصرة في آن. وتكون متلازمة مع إقرار السلسلة وتؤدي إلى زيادة واردات الخزينة بشكل لا ينعكس سلباً على الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية لدى المواطنين، ولاسيما لذوي الدخل المحدود. وانا مع اتخاذ كل الإجراءات التي تؤدي إلى تحقيق النمو المستدام الذي يتحسن أيضاً مع كل الخطوات الواجب اتخاذها والتي يستدعيها إعادة الاعتبار للدولة وسلطتها الكاملة غير المنقوصة على جميع الأراضي اللبنانية وتعزيز هيبتها واحترامها. كذلك فإني مع استمرار الالتزام بكل ما يحافظ ويعزز السلم الأهلي والعيش المشترك ويؤكد على العلاقات الجيدة مع محيطنا وانتمائنا العربي واستمرار احترامنا للقرارات الدولية. وأنا مع التأكيد على استمرار الاحترام للسياسات والممارسات التي تحافظ على نظامنا الاقتصادي الحرّ وتحفّز دور القطاع الخاص ليقوم بدور أفعل في الحياة الاقتصادية وبما يطلق حركة النمو والتنمية المستدامة في المناطق.
ولكن أنا أيضاً ومن حيث المبدأ وكذلك من أجل توفير عناصر الحماية اللازمة لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي، فـأنا وبكل صراحة مع الالتزام بضرورة اتخاذ الاجراءات الاصلاحية التي تزيد من الإنتاج والفعالية الانتاجية وتؤدي إلى الحد من الانفاق الإرضائي والهدر المقونن. وأنا مع العمل على تعزيز الانضباط في جباية واردات الدولة وخزينتها، وبالتالي مع ضبط جميع مرافق الدولة ومع إلغاء المزاريب كل المزاريب والعودة إلى الانتظام في المالية العامة ومكافحة الرشوة والفساد. وأنا مع العودة إلى إعادة الاعتبار للجدارة والكفاءة والانجاز والمحاسبة على أساس الأداء في كل المناصب الإدارية وفي كل المؤسسات بعيداً عن الأساليب التشهيرية، وبعيداً عن تسلّط واستتباع السياسيين والأحزاب والميليشيات للإدارة وللدولة اللبنانية.
قد تكون السلة المطلوبة من السياسات والاجراءات الإصلاحية لتحقيق التلاؤم وبالتالي النهوض صعبة. وهي كذلك بسبب أننا تأخرنا عن القيام بها، ولكنها ومع ذلك وبقناعتي ليست مستحيلة. فلماذا نستمر في حال التلكؤ والتقاعس والامتناع عن المبادرة. وهذا واجب رجالات الدولة وقياداتها.
كان أينشتاين يقول: "ليس بإمكانك ان تحل مشاكلك إذا استمريت في استعمال ذات التفكير والأساليب التي استعملتها عندما تسببت بها".