الرئيس السنيورة :اتفاق الطائف الغى الامتيازات فلا حقيبة وزارية مكرسة لاي طائفة واعاد احياء العيش المشترك والميثاق الوطني

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثاني: 
تحدث في الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في مسجد محمد الامين برعاية السيدة نازك الحري ري

اعتبر رئيس كتلة المستقبلالنيابية الرئيس فؤاد السنيورةان خسارة رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريريفي لبنان ودنيا العرب كبيرة جدا، لأنه كان يفكر بلبنان أكثر من نفسه، واول شيء قام به بعد اجتماع اول ثروة صغيرة بين يديه هو ترميم المدرسة التي درس فيها في صيدا، وبعدها انطلق لمؤازرة ومساعدة اللبنانيين، ولذلك اول ما توجه نحوه هو تعزيز قدرات الشباب اللبنانيليستفيد منه الجميع دون اي تمييز.

ولفت في احتفال في ذكرى اغتيال رفيق الحريري في جامع محمد الامين – وسط بيروت برعاية السيدة نازك الحريري، الى ان مشروع رفيق الحريري ان يكون العلم والتميز ركيزة الشباب اللبناني، وكان يهدف لأشراك الجميع لتوحيد الوطن، كما عمل على اعادة اعمار بيروت، اذ كيف يكون توحيد لبنان دون اعمار وتوحيد عاصمته، واكد ان اي مبادرة للحوار الا وكان الحريري لصيقا بها منذ منتصف الثمانينات، وصولا الى التحضير لاتفاق الطائفثم بمواكبة بكل ما كان يجري في لبنان.

واوضح ان الصعوبات التي واجهت الحريري كانت كبيرة، من الاحتلال الاسرائيليالى الوجود السوري وتدخلات النظام الامني اللبناني – السوري، ولكن لم يضعف من همته شيء، كلنا يذكر كم واجه من اتهامات حين انطلق ببناء مطار بيروت الدولي، وحين عمل على اعادة اعمار بيروت وغيرها من المشاريع. اضاف "لقد ظلم الحريري ثم تمت محاربته ثم اغتيل.

واكد ان اتفاق الطائف هو الذي اسس للدولة المدنية الي يساوي بين الجميع، واتفاق الطائف الغى امتيازات كل الطوائف، فلا حقيبة وزارية او دون ذلك مكرسة لأي طائفة، ولا يوجد حقيبة وزارية او دون ذلك ممنوعة عن اي طائفة. وشدد على ان رئيس الحكومة سعد الحريري يسير على خطى والده، من اجل ان يتأمن للبنان واللبنانيين الطريق الواعد والزاهر. وفي ما يلي نص الكلمة:

أصحاب المعالي والسيادة والسماحة،

أيها الإخوة والأخوات،

نقفُ اليومَ هنا، في مسجد محمد الأمين، لنستعيدَ ذكرى الرجل الذي بنى هذا المسجدَ وهذا الصَرْحَ، وقلْبَ هذه المدينةِ وهذه الساحة المحيطة. ذكرى الرجل الذي لم يخطر بباله فيما كان يسعى جاهداً لإنجاز هذا المسجد، أنه سيرقد بالقرب منه. وكان في إلحاحه ومثابرته على تسريع إنجاز بنائه، كمن يسعى، من دون أن يدري، إلى تحضير مثواه عند استشهاده لكي يرقد، قريرَ النفس، في جواره. ولم يخطر بباله وهو يعيد بناءَ قلبِ بيروت انطلاقاً من ساحة الشهداء أنه سيصبحُ أبرزَ الشهداءِ فيها، بل رمزاً للشهادة.

السيدات والسادة الكرام،

أتحدث عن رفيق الحريري ولا يمكنني أن أُوفّيَهُ حقَّه. فلقد كان رفيق الحريري ظاهرةً استثنائيةً بكل ما للكلمة من معنى.

أولُ ما كان يميِّزُ هذا الرجل، الذي كانت خسارتُنا به في لبنان ودنيا العرب كبيرةً جداً، أنه كان مثالاً للإيثار، حيث كانت الأولويةُ لديه التفكيرَ بلبنان واللبنانيين أكثرَ من التفكير بنفسه. كان يفكِّرُ بمدينته صيدا وبشباب لبنان ومستقبل أجياله وبالشعب اللبناني بشكل عام ويسعى من أجلهم. فحين اجتمعتْ بين يَدَي رفيق الحريري نَواةُ ثروةٍ صغيرة، كان أولَ ما فكّر فيه أن يُعيدَ ترميمَ وبناءَ وتجهيزَ المدرسة التي تعلَّم فيها في مدينة صيدا، وهي مدرسةُ فيصل الأول التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. وبعدها انطلق تفكيرُهُ الى الآفاق الأوسع وهي كلُّها كانت متجهةً في سبيل إنماء وتطوير المجتمع اللبناني وإفادة ومُساعدة مَنْ هم بحاجةٍ للمؤازرة والدعم من اللبنانيين لكي يشُقُّوا طريقَهُم نحو المستقبل باقتدار.

ولهذا كان أولَ ما تَوَجَّه نحوه، هو إطلاقُ مشروعٍ حديثٍ متلائمٍ مع العصر للتعليم والتدريب ولتطوير وتعزيز قُدُرات ومهارات الشباب اللبناني، ليس في صيدا أو بيروت فقط، بل وفي كُلِّ المناطق اللبنانية، وليستفيدَ منه كلُّ اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب ومن دون أي تفرقةٍ أو تمييز.

ولهذا كانت انطلاقتُهُ الأولى واستمرت موجَّهةً نحو الإنسان اللبناني أي نحو بناء البشر وذلك عن طريق تعزيز قُدُراتِهم ورفع مستويات تعليمهم وإتاحة الفُرَص الجيدة لهم في لبنان والخارج، وذلك قبل التفكير بإعادة بناء وإعمار ما دمرته الحربُ الطويلةُ ومعالجةُ الأزمة التي كانت تَعْصِفُ بلبنان.

وهكذا انطلقت مسيرةُ تعليم الشباب اللبناني. وكم كانت سعادتُهُ غامرةً حين كان يلتقي كلَّ سنةٍ مع مواكب الخريجين من مؤسساته أو من البرامج التعليمية في لبنان والخارج، والتي كان يتولى تمويلَها ورعايتَها.

كانت رؤيةُ رفيق الحريري ترتكز على أنّ ثروةَ لبنان الحقيقيةَ هي في إعادة بناء قدرات اللبنانيين وبناء الإنسان اللبناني الذي سيتولى هو إعادة بناء وطنه. ولذلك كان شغله الشاغل تعليمَ الشباب والشابات الذين سيكونُ لبنانُ بحاجةٍ إليهم وإلى قدراتهم وطاقاتهم وعلمهم الحديث والنافع. ولهذا كان يبعث أفواجَ الشباب الى مختلف الجامعات في لبنان والجامعات الأخرى في مختلف أرجاء الدنيا لكي يعودوا الى عائلاتهم مزودين بالعلم الحديث والكفء والنافع، وليكونوا مناراتٍ خَفّاقةً بالعلوم الحديثة والثقافة المتفتحة على آفاق التفكير الرحب والواعد من أجل الإعداد للتلاؤم مع مقتضيات وحاجات المستقبل.

كان مشروعُ رفيق الحريري أن يصبحَ العلمُ والمعرفةُ والتميز، والقدرةُ على الإنجاز والتفوق هو سلاحُ الشباب اللبناني، والذي هو ركيزةُ الإعمار والبناء والنمو الاقتصادي والتنمية المناطقية. وكان في ذلك يهدف إلى إشراك جميع المكونات اللبنانية في تحقيق النهوض الوطني والاقتصادي والاجتماعي للبنان الوطن ككل. وبالتالي كان يرى ضرورة أساسية لإعادة توحيد لبنان الوطن لجميع أبنائه. ومن أجل تحقيق ذلك كان عليه أن يعملَ في ذات الوقت من أجل إعادة إعمار مدينة بيروت وتوحيدها، إذ كيف يمكن توحيد لبنان دون توحيد عاصمته المقسَّمة والتي كان يفصل بين شقّيها منطقةٌ واسعةٌ من الخراب. ولذلك، كان توحيدُ العاصمة وإعادةُ بنائها لتعودَ لؤلؤة الشرق والقاطرةَ الحقيقية لاستعادة النمو الاقتصادي وتعزيز النهوض الثقافي والعمراني والحضاري في كل لبنان.

لقد كان المدخلُ الجديدُ لإعادة البناء الوطني عنده إذن يستندُ إلى أمورٍ ثلاثة: التنميةُ الإنسانيةُ والاقتصادية والعمرانية، والتعليمُ المتلائمُ مع حركة العصر ومع حاجات لبنان وشعبه من أجل تحقيق النهوض المنشود. وهاتان ميزتان للبنان، يُجمع عليهما اللبنانيون. أما الأمرُ الثالثُ فهو البناء السياسي باعتباره أبرزَ تجليات العيش المشترك. إذ إنّ اللبنانيين طمحوا دائماً لإقامة الدولة السيدة والقوية والعادلة والمستقلة التي تستطيعُ أن تحمِلَهُمْ إلى المستقبل الواعد.

كانت رؤيةُ الرئيس الحريري في أنّ الأزمة يجبُ أن تنتهي يوماً ولا يمكنُ أن يبقى لبنان في قلب الأزمة الطاحنة، ولهذا كان يرى أنّ على اللبنانيين أن يعملوا للخروج من هذا الأَتون المدمِّر، وأنّ عليهم التحضُّرَ لكي يكونوا على أُهبة الاستعداد للانطلاق مجدَّداً نحو التلاؤم مع محيطهم العربي ومع العالم من حولهم بحيث يشكِّلون هم ووطنَهم لبنان قيمةً مُضافةً لهم ولمحيطهم العربي وللعالم.

ولذا فمنذ منتصف الثمانينات، وانطلاقاً من إيمانه بلبنان الوطن لجميع أبنائه، فقد كان نشِطاً وفعالاً في أكثر من مجال وطني وحواري. ولذلك لم تتحرك أيةُ مبادرةٍ نحو الحوار والتقارب إلاّ وكان رفيق الحريري لصيقاً بها أو قريباً منها. فمن حوارات جنيف ولوزان ومروراً بالأوراق والمحاولات الأخرى في عهد الرئيس أمين الجميل، والتدرج الى الاتفاق الثلاثي الشهير مروراً بكل الوثائق الحوارية بين الأطراف الداخلية وسوريا، ووصولاً الى التحضير لاتفاق الطائف والمشاريع التي كانت مطروحةً آنذاك والصِيَغ التي كان يتمُّ تحضيرُها ونقاشُها، وتوصلاً الى تلبية دعوة المملكة العربية السعودية للنواب اللبنانيين للاجتماع في الطائف. ثم في مواكبة كل ما كان يجري في لبنان دعماً لعودة الحياة الطبيعية إليه.

لقد كان لرفيق الحريري، كما يعرفُ كُلُّ الذين شاركوا في الطائف الدورُ الكبيرُ ولو من خلف الكواليس لإنجاز هذا الاتفاق عبر المشاركة في تحضير الصيغ والمقترحات والنصوص التي جرى إعدادُها تحضيراً للاجتماع.

كان رفيق الحريري يعمل بكل الاتجاهات وليلَ نهار لاستنهاض لبنان وإطلاق حيويةٍ جديدةٍ في صيغته الفريدة في العيش المشترك والتي تمثل رسالته لأبنائه وللمجتمعات المتنوعة في محيطنا العربي وفي العالم. وهو بينما كان يعمل من أجل أن يمسحَ الخرابَ عن بيروت وعن مناطقَ عديدةٍ أخرى من لبنان كان في الوقت عينِه يدفعُ باتّجاه إنجاح الحل السياسي من أجل ضمان استمرار تدفق الحيوية والحياة والاندفاعة في مشروعه النهضوي للبنان.

لقد اضطلع رفيق الحريري وقبل أن يتمَّ تكليفُهُ برئاسة الحكومة في عهد الرئيس الياس الهراوي بدور حارس الجمهورية واضعاً كلَّ إمكانياته المادية وصلاته السياسية والدعم الكبير المفتوح من المملكة العربية السعودية والأصدقاء الأوروبيين في خدمة لبنان وعودة لبنان الى الحياة الطبيعية.

ولقد عمل الرئيس الحريري بعد ذلك على إغناء الصيغة اللبنانية القائمة على الميثاق الوطني والتي أصبحت تستند إلى وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، وكجزء لا يتجزأ من الدستور اللبناني الذي انبثق عن هذه الوثيقة. لقد أصبح ذلك كُلُّه من أهم النتائج لواقع العيش المشترك بين اللبنانيين، والذي يشكل رسالة لبنان لمواطنيه ولمحيطه وللعالم. ومن أجل ذلك حرص الرئيس الحريري على تعميقِ الممارسةِ الديمقراطية وترسيخِها من أجل تحقيق ديمومة النهوض الوطني والإنساني والاقتصادي والاجتماعي الذي حلم به وضحى من أجله اللبنانيون شِيبُهُم وشبابُهُمْ على مدى عقودٍ طويلةٍ ماضية.

حين انطلق الرئيس الحريري في عمله ومسؤولياته السياسية والحكومية، كانت الورشة التي أطلقها كبيرةً بل هائلة. لكنّ الصِعابَ التي واجهته كانت كبيرةً وكبيرةً جداً. فمن احتلال وتهديد إسرائيلي إلى مشكلات دائمة مع الوجود السوري، ومعاناة شديدة من تدخلات ومكائد النظام الأمني السوري اللبناني، إلى مجالدة المشكلات السياسية المحلية والمشكلات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعصِفُ بلبنان من كلِّ حدْبٍ وصَوب. فهو كلَّما كان ينجح في تَخَطّي حاجزٍ أو مشكلةٍ، كانت، وبقُدرة قادرة، تنتصبُ أمامه حواجزُ ومشكلات، ولكن لم يكنْ ذلك ليُضْعِفَ من همته ولا ليؤثّرَ على عزيمته وجَلَدِهِ وإصراره وصبره ومثابرته على استيلاد الحلول من رَحِمِ المشكلات.

كُلُّنا يذكر كم واجه من اتهامات وتهجمات وافتراءات حين انطلق وعلى سبيل المثال في بناء مطار بيروت الدولي، ولنعد ونستذكر ما كان يقال عنه ويهاجَمُ به آنذاك، لماذا؟! بسبب ضخامة المطار، وكيف تحول مطار بيروت المتطور إلى قاطرة لتحقيق النهوض اللبناني وأصبحت اليوم توسعتُهُ وتكبيرُ إمكاناته أكثر من ضرورة.

وإلى المطار وإعادة إعمار وسط بيروت والورشة الإعمارية في سائر أنحاء لبنان، في الماء، والصرف الصحي، والكهرباء، والاتصالات، والطرق، والمستشفيات، والمدارس، والجامعة اللبنانية، والملاعب الرياضية، ما نزال نذكر الشائعةَ الكاذبةَ والملَّفقة التي كان يُعْمَلُ على ترويجها عن تقديمه الحَجَرَ على البشر، وكأنما ذلك البناءُ والإعمارُ لم يكن للبشر ولم يكن من أجل تحسين مستوى ونوعية عيش اللبنانيين. لقد ظُلم رفيق الحريري، وحورب ثم اغتيل لوقف اندفاعه ولوقْف مشاريعِه وإحباط تطلعاته وضرْب فكرة نهوض لبنان وحُلُم أبنائه من الشباب والشابات بلبنانَ الجديد.

أيها الإخوة والأخوات،

لقد تغيرت الظروف، ويقول البعض إنّ الأَولويات تغيرت. لكنْ تعالَوا نستعرِضْ أَولوياتِ رفيق الحريري، في ضوء متغيرات الثلاثة عشر عاماً الماضية:

 الأمر الأول: كان همّه تعزيز التمسك باتفاق الطائف والتأكيد على احترام الدستور. فاتفاق الطائف هو الذي أنهى الحرب الأهلية، وفتح المجالَ لإقامة نظام المشاركة، وصار أساساً لبناءٍ وطني جديد.

فاتفاق الطائف هو الذي صالَحَ المسيحيين مع عروبتهم كما صالح المسلمين مع لبنانيتهم. وبالتالي فقد أصبح اللبنانيون مواطنين ينتمون إلى طوائف مكوِّنة لا تمييز بينها ولا درجات لها في المواطنة. فالدستورُ هو الذي يجمعُ اللبنانيين والقانون يجب أن يطبق على جميعهم دون استثناء. واتفاق الطائف هو الذي أسس لبناء الدولة المدنية التي يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات، وذلك من خلال تجاوز الطائفية وبناء نظام المجلسين: مجلسٌ تشريعي يؤمن الحقوق للمواطنين الافراد، وآخر يؤمن الضمانات للطوائف والجماعات. وهو الاتفاقُ الذي ألغى أيَّ امتيازاتٍ لأي جماعةٍ على حساب أي جماعةٍ أخرى. فلا حقيبةَ وزاريةً ولا موقعاً دون ذلك مكرس لطائفة أو لحزب معين كما انه ليس هناك من حقيبة وزارية أو موقع ما دون ذلك محظور على أي طائفة لبنانية مهما صَغُرَتْ وتاريخُ لبنان السياسي شاهدٌ على ذلك. كذلك فإنه لا اختصاص لتيار أو لفريق من اللبنانيين فهذا مهتمٌّ بالإعمار وينحصرُ دورُه هناك، وآخر مهتمٌّ بالسيادة والاستقلال ولا أحد غيره لديه القدرة على مساءلته فيما يقومُ أو لا يقومُ به. المهمُّ هو استمرارُ احترام مواقع الجميع شرطَ أن يحترموا مواقعَ الآخرين.

إنّ اتفاقَ الطائف هو الذي يوفِّرُ ويتوافرُ له وبفضل مرونته وأصالته واستشرافه استقراراً دستورياً وقانونياً للبنان، بحيث يمكن ودونما انفعال أو تسرع دراسة إمكانيات التطوير والتحسين مع استكمال تطبيق ما ينص عليه هذا الاتفاق وذلك أيضاً مع استعادة الدولة لدورها ولحضورها ولسلطتها الحصرية على كامل التراب اللبناني استناداً إلى القوى الشرعية المتمثلة بالجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية.

والأمر الثاني: العمل على استعادة التميز والتفوق اللبناني في التربية والتعليم وإنجاز البنى التحتية والمرافق الصحية، وبناء التكنولوجيات الجديدة لاستقبال الجديد العالمي والإنساني ولتتعزز القدرةُ التنافسيةُ للإنسان والاقتصاد اللبناني. وهو الأمر الذي كان يفترض أن تتعززَ مسيرته ويستمر تقدمه وتلاؤمه مع مقتضيات المراحل المستجدة.

والأمر الثالث: تعزيز معدلات النمو الاقتصادي وتوسيع إطار التنمية المناطقية والمشاركة مع القطاع الخاص بما يسهم أيضاً في تكبير حجم الاقتصاد بالتشارك بين القطاعين الخاص والعام، والانفتاح على الاقتصادين العربي والدولي بما يعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المستدام.

والأمرُ الرابع: ومن ضمن خدمة البناء الوطني والبناء السياسي والإداري للدولة، التأكيد على اعتماد واحترام معايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق في تولي الوظائف العامة، بحيث تتعززُ حيويةُ وإنجاز الإدارة والمؤسسات العامة، وتتعززُ عناصرُ ومُناخات النهوض الاقتصادي والاجتماعي، ويتحسَّنُ عمل المؤسسات العامة والخاصة، بحيث يشعر الشباب اللبنانيون المتميزون أنهم موضعُ رعايةٍ وتقدير، وليسوا عالةً على المواقع السياسية. كما تتعززُ فُرَصُ العمل من أمام جميع اللبنانيين ولاسيما من أمام الشباب في شتى المناطق اللبنانية وتتحسن مستويات وأدوار القطاع الخاص في تحقيق النمو وتوفير فُرَص العمل الجديدة.

والأمر الخامس: إقامةُ أفضل العلاقات مع دول العالم العربي، وفي الطليعة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وجمهورية مصر العربية، ومع جميع دول العالم القريب والبعيد ومع عواصم القرار في أوروبا وأميركا وآسيا وذلك على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية أو التدخل في شؤون الآخرين.

هل أيٌّ من هذه الأمور لم يعد أولويةً اليوم؟ كلُّها ماتزال أولوية. ولو تأملنا المشكلات الحاصلة لوجدْنا أنها في معظمها ناجمةٌ عن الإخلال بهذه الأَولوية أو تلك أو بها جميعاً. نستذكرُهُ اليومَ في الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاده رحمه الله، على أمل أن نسترشدَ بتجربته الهامة ورؤيته الكبيرة وحيويته التي لا تُعوَّض. أليس هو القائل: "ما حدا أكبر من بلده". هذا صحيح ولكن ماذا يستطيعُ الرجلُ الكبيرُ أن يفعلَ في وجهِ مَنْ يحاولون دائماً أن يُعيقوا نهوضَ هذا الوطن، الكبير بطموحات أبنائه، لكي يُصبحَ على قياسهم.

من الطبيعي عدمُ الاستسلام لأولئك وأن يستمرَّ السعْيُ مع الأمل أن يتعزّزَ التمسُّك بالإنجازات التي عمل الرئيسُ الشهيدُ من أجلها وأهمُّها الحفاظُ على الطائف والدستور والدولة المدنية الحرة المستقلة السيدة على كامل أرضها وإداراتها ومؤسساتها، دولة المواطنة القادرة على احتضان كل اللبنانيين وخدمتهم، والعمل بكفاءةٍ من أجل النهوض والتلاؤم مع مقتضيات المستقبل.

إننا على ثقة أنَّ دولة الرئيس سعد الحريري يتابع مسيرة والده الشهيد ويسير على خطاه محافظاً على إرثه الكبير ومتمسكاً بجميع الثوابت والمبادئ والاولويات، معزِزَاً ذلك بإرادتِهِ وعزيمتِهِ وتوفيقٍ من الله عزَّ وجل، من أجلِ أن يتأمن للبنان واللبنانيين طريق المستقبل الواعد والزاهر تحقيقاً لما كان يَحْلُمُ به شهيدُنا الكبير وعمِلَ عليهِ طوالَ حياتِهِ.

أيتها السيدات،

أيها السادة،

رفيق الحريري رجل الدولة والعصر والمستقبل. فهناك جيلٌ كاملٌ وواسعٌ من اللبنانيين والعرب والدوليين ما يزالون يعتزُّون بأنهم كانوا يعرفونه أو كانوا على علاقةٍ به أو عملوا معه أو عايشوه. وهناك أجيال قادمة من اللبنانيين سوف تقتدي بخصاله وبمسيرته، وهي التي سوف تستولد من محبته الخالصة للبنان ومن أحلامه الكبيرة من أجل لبنان زاداً لا ينضب من أجل تحقيق أحلامها في الانتماء لوطنٍ يريدون ان يكونوا فيه ومعه وأن تكونَ لهذا الوطن مكانتُهُ تحت الشمس وقَدْرُهُ الكبيرُ بين الأُمم.

وعلى أملِ أن نرى العدالةَ وقد تحققت بكشْف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للمجرمين الذين اغتالوا ذلك الإنسانَ العظيمَ ورفاقَهُ الشهداء، نسألُهُ تعالى أن يسبغ على رفيق الحريري ورفاقه الشهداء الابطال فيضاً من رحماته وأن يُسكِنَهُمْ فسيح جَنّاته. والسلامُ عليكم ورحمةُ الله.

تاريخ الخطاب: 
14/02/2018