ندوة للنادي الثقافي العربي عن "رفيق الحريري ولبنان الغد" عمرو موسى: كان هدفا لقوى الشر وبداية لمرحلة الفوضى المدمرة في البناء العربي
نظم النادي الثقافي العربي ندوة بعنوان "رفيق الحريري ولبنان الغد"، في فندق موفمبيك، لمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، حضرها وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال فراس الابيض ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الرئيسان امين الجميل وميشال سليمان، الوزير السابق محمد المشنوق ممثلا الرئيس تمام سلام، الشيخ محمد عساف ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد من المشايخ، وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بوحبيب، سفراء: مصر الدكتور ياسر علوي، تونس بوراوي الإمام، اليمن عبدالله الدعيس، سلطنة عمان أحمد بن محمد السعيدي وممثل عن سفارة فلسطين، النائبان الدكتور بلال الحشيمي ووضاح الصادق، الوزراء السابقون اشرف ريفي، ريا الحسن، خالد قباني، احمد فتفت ،جمال الجراح، رشيد درباس، طارق متري وهاغوب دمرجيان، الوزراء السابقون اشرف ريفي، ريا الحسن، خالد قباني، احمد فتفت، جمال الجراح، رشيد درباس، طارق متري، هاغوب دمرجيان، هدى طبارة ممثلة الوزير السابق بهيج طبارة، النواب السابقون: عمار حوري، سليم دياب، محمد الحجار، فارس سعيد، باسم الشب اللواء انطوان سعد والدكتور امين وهبي.
كما حضر الوزير السابق ملحم رياشي ممثلا القوات اللبنانية ، الوزير السابق غازي العريضي ممثلا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، رفيق غانم ممثلا رئيس حزب الكتائب رفيق غانم، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، رئيس تحرير جريدة "اللواء" صلاح سلام، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي يوسف النقيب، الدكتور وسيم الوزان، اسامة شقير، الدكتور بلال حمد، جمال محيو، عاصم نوام، عبد السميع الشريف، ميشال فلاح، زينة المصري، عثمان عرقجي، الدكتور عمر حوري، الدكتور عمرو العدوي ، الدكتور خالد زيادة، المحامي محمد مطر، المحامي غالب محمصاني، الدكتور انطوان مسرة، الدكتور مازن سويد، محمد السماك، الدكتور حارث سليمان.
بداية الندوة كانت مع النشيد الوطني اللبناني وقدم عريف الاحتفال ربيع دندشلي مرحبا بالحضور.
رئيسة النادي
الكلمة الاولى كانت لرئيسة النادي السيدة سلوى السنيورة بعاصيري التي قالت: "دعوني بدايةً أستعيد واياكم كلمات الرئيس الشهيد رفيق الحريري في افتتاح الدورة 39 لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب والذي نظمه النادي الثقافي العربي في الأول من كانون الأول عام 1995.
"ما أريد التحدث فيه اليوم هو ملفات المستقبل وهي ملفات كثيرة تندرج تحت عناوين عدة من بينها، بناء النظام السياسي، والرؤية الاستشرافية لموقع بلدنا وامتنا على خريطة العصر والمستقبل. وأهم ما ينبغي أن نحرص على تجنبه في النقاش الدائر، التشنج ونزعة الاقصاء والاستبعاد والاستئثار. فلا أحد يستطيع أن يلغي أحداً، ولا طرف هو أحق من طرف في المساهمة في الحياة السياسية للبلد إلا بقدر تمثيله للناس وبرنامجه وكفايته."
وهو القائل ايضاً "أدعوكم الى لبنان جديد، بلد الديموقراطية والحداثة. بلدٌ لا يولدُ إلا من رحم العزائم وتكافل الأبناء. فلنحلم معاً ونعمل معاً حتى يتحول الحلم إلى حقيقة"
اضافت: "كلماتٌ أتت على لسان الرئيس الشهيد وهو من دشن مرحلة ازدهار اقتصادي واجتماعي ومعيشي وتربوي وثقافي ودبلوماسي في تاريخ لبنان، وعزز شعور الاعتزاز بالانتماء الوطني، وأرسى ركائز بنيوية لدولة عصرية في أعقاب ما يقارب ثلاثة عقود من النزاعات والإحتراب والانقسامات والتردي الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والثقافي" .
ورأت ان " كلمات رفيق الحريري وسواها من مواقفه تؤشر إلى رؤية للبنان الغد اختزنها الرئيس الشهيد في ضميره والوجدان، وعمل على تحقيقها، وحمل أثقالها والتبعات"، وقالت: "هي رؤية نستعيد اليوم غاياتها والأهداف، في ظل أوضاع بالغة الدقة باتت تسربل لبنان وتربك مساراته وتعطل خيارات أبنائه مما يفقد لبنان صورته العصرية ويدفع به إلى مصاف الدولة الفاشلة. فالأوضاع القائمة لم توفر لبوساً سلبياً إلا وارتدته، انهيارات اقتصادية ومالية ونقدية وتضخماً غير مسبوق الحدة والمستوى وفقراً وبطالة واقصاء وتهميشاً وتعصباً وتدهوراً صحياً وبيئياً وشللاً في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، جميعها دفعت إلى هجرة كثيفة سيما بين الشباب والكفاءات العليا القديرة والمتميزة".
واشارت الى ان "هناك من يرى في الفوضى العارمة التي نشهد نتيجةً حتميةً لغياب سلطة الدولة الواحدة العادلة والقادرة، ولغياب المعايير القيمية التي يفترض أن تلجمَ التجاوزات في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعرفية والقضائية بل والإنسانية عامة. ويرون أيضاً أن تلك الفوضى تشكل نسقاً لأداء لم يحتكم لمعايير الحفاظ على الكرامة الإنسانية واحترام مكانة الفرد، ولم يستظل بمنطق حكم القانون، ولم يحافظ على النسيج الوطني، ولم يراع روابط الانتماء للعالمين العربي والدولي".
وقالت: "هذا التوصيف للأوضاع القاتمة، المتداخلة والمترابطة والمعقدة، ليس من باب إعلان الهزيمة بل لإثارة الوعي بحجم التردي وعمق التحديات، وليشكل دافعاً لاستنهاض الهمم وحشد الطاقات للنهوض والسير بمسار إنقاذي، ينتشل لبنان من معاناته، مستلهمين دروساً من التاريخ تفيد بأن التحديات الكبرى لطالما شكلت حافزاً للتأمل والتفكر ورسم رؤى مستنيرة بشأن ما ينبغي اتخاذه من مسارات وما يجدر تبنيه من أولويات واتجاهات تحاكي العصر والغد، وتُتَرجم بقرارات تنفيذية لتحقيق الإصلاح والنهوض المنشود. وما يجعل الأمر قابلاً للانتقال إلى الضفة الأخرى أن لبنان شكل لعقود ممتدة، وفي حقبات حبى الله فيها لبنان برجالات دولة، بقعة ضوء لانفتاح فكري وتنوع مبدع وحريات عامة وفردية ووتيرة نمو سريعة تضج بالحركة الاقتصادية والتفوق العلمي والمعرفي والإنتاج الثقافي والفني وأسبقية في انتهاج وسائط الاتصال والتواصل الحديثة وبناء أجيال متعاقبة منفتحة على الثقافات العربية والعالمية".
وتابعت: "ولكن من أين نبدأ راهناً. إن التطلع إلى لبنان الغد يبدأ من التأكيد مجدداً على الثوابت التي طالما نادى بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري
• اولاً: الالتزام المتجدد بكيانية لبنان السيد الحر وبانتمائه إلى محيطه العربي، وطن نهائي لجميع أبنائه، بحسب ما نص عليه الدستور المنبثق عن وثيقة الطائف وما تضمنته من بنود إصلاحية.
• ثانياً: التأكيد على هوية لبنان الرسالة والرمز والمعنى، لبنان التنوع والدور الحضاري والانفتاح على ثقافات العالم، بعد أن بات الخطر يطال جوهر لبنان ومعناه الكياني عبر ممارسات التقوقع ضمن الطائفة والمذهب وانتماءات وولاءات خارجية
• ثالثاً: استعادة الدولة اللبنانية حقها المطلق في بسط سيادتها كاملة على أرضها ومياهها وحدودها وأجوائها ومرافقها كافة، كما مواطنيها وسائر المقيمين على أرضها، فضلاً عن قرارها الحر في إطار سياساتها الدفاعية والخارجية والمالية
• رابعاً: الالتزام بنظام حكم يرتكز على مقومات الدولة المدنية وما تستوجبه من حرية الرأي والمعتقد والحوكمة الرشيدة والمسائلة والشفافية وفصل السلطات واستقلالية القضاء، بعد أن طاول الفساد والإفساد منظومة الأداء والممارسات في مختلف الميادين وعلى مختلف الأصعدة
• خامساً: استعادة نهج تربوي رؤيوي يلتزم بديموقراطية التعليم وجودته، ولا يقتصر على بناء المخزون المعرفي للمتعلم، بل يُعِدُّهُ ليكون مواطناً مستنيراً يتقن فن العيش الواحد مع الآخر المختلف على قاعدة المواطنة المسؤولة على المستوى الوطني، وقاعدة الأخوة الإنسانية على المستوى العالمي، ليكون مواطناً قادراً على صناعة الحاضر محصناً بمبادئ مجتمع العدالة، ومهيئاً لإعداد المستقبل متمكناً من التقنيات الحديثة والتطورات المتلاحقة
• سادساً: إدماج الجيل الشاب في مجتمعه، قوة مبدعة منتجة، وإقامة بنية جامعة للإنتاج العلمي والابداع الفكري، وهذا كفيل بحماية الشباب من الضياع والتبعية والفقر والبطالة وصولاً إلى الهجرة
• سابعاً: الارتقاء بمفهوم المسؤولية الاجتماعية باعتبارها الضامن للاستقرار الاجتماعي والحامية للكرامة الإنسانية والمؤتمنة على محاربة التفاوت والتمييز بين أبناء الوطن الواحد
• ثامناً: تعميق الوعي بالصالح العام وتجميع الجهود التي تصب في تحقيق التنمية المستدامة بمختلف غاياتها والاهداف وبمختلف أبعادها الزمنية القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى".
وقالت: "كلنا يدرك أن الإنسان هو ثروة لبنان الأساس، وأن العناية بالفرد اللبناني تعليماً وتثقيفاً وتنويراً هي الوسيلة الفضلى لبناء لبنان الغد، وأن بناء مجتمع المعرفة القائم على الاستثمار في الموارد البشرية، سيما فئة الشباب، هو المدخل إلى استعادة الدينامية المنتجة والدور والمكانة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وأن تأصيل مبادئ المواطنة المسؤولة، حقوقاً وواجبات، كما غرس المفاهيم الإنسانية والقيمية في وعي الناشئة، فضلاً عن تعزيز الانفتاح على الثقافات العالمية في مناخ من حرية الرأي والتعبير، تصب جميعها في إثراء استراتيجية وطنية جامعة لمواجهة التحديات بمختلف صنوفها، وتخدم في بناء دولة القانون والمؤسسات، وتتيح تنفيذ البنود الإصلاحية كما ينص عليها الدستور اللبناني ووثيقة اتفاق الطائف".
وختمت: "إن الحديث عن لبنان الغد يستوجب حكماً الأمل والثقة بالقادم من الأيام، ولكنه يستوجب أيضاً توفر مقتضياتهما من وضوح رؤية وقيادة حكيمة وإرادة صلبة وتصميم وعزيمة ومثابرة والتزام. ومن هنا نبدأ".
سيمون كرم
ثم كانت كلمة السفير السابق سيمون كرم الذي قال: "طاقات اللبنانيين ومواردهم، لمواجهة نتائج صراعاتهم لم تكن وفيرة عندما وضعت حربهم أوزارها. الدولة في انهيار والإقتصاد أشلاء والأرزاق والناس نهب لمن تطال يده، فيما الجيوش الأجنبية منتشرة، احتلال مكشوف ووصاية سافرة على مجمل أرض البلاد".
اضاف: "العودة الى سوية بلد طبيعي، أمره وحياة مواطنيه في كنف دولة واحدة موحدة، سلطتها قائمة على تطبيق دستورها، وإنفاذ قوانينها وحفظ حقوق مواطنيها وإحقاق العدل بينهم؛ كل هذا السعي كان يعد برحلة شاقة طويلة؛ بدأت آنذاك وهي لا تزال قائمة".
ورأى انه "كان على اللبنانيين أن يعودوا الى عيشهم المشترك، الذي نبذته كثرة بينهم، وهشمته الحرب بوحشيتها وشلعه سفك الدماء. كان عليهم أن يعودوا الى المشترك الذي يجمعهم، لتعود الحياة الى بلدهم، وتكون لهم فيه حياة. الحرب شكلت إخفاقا عميقا لفكرة لبنان ومعناه .وصورة اللبنانيين وزعمهم عن نفوسهم وعن وطنهم سقطة لا تزال تداعياتها تؤرق حياتهم وتنكد مسار عيشهم."
واكد ان "قيمة رفيق الحريري وحضوره في لحظة من هذا المسار الصعب، أنه كان يرمز لذلك المشترك الذي دفعته الحرب من صدارة التجربة اللبنانية الى هامشها؛ العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين؛ الدولة وضرورة استرجاعها وبناء مؤسساتها على أسس الحرية والديموقراطية؛ أولوية التعليم في إحداث التقدم ومواكبة الحداثة، وحرية هذا التعليم وعصريته؛ الإنفتاح على العالم إقتصادا وثقافة، وتكامل المصلحة اللبنانية مع المصلحة العربية، وحضور لبنان المتميز في العالم العربي، ركن في الثقافة المشتركة، وصورة مشرقة لتألق العرب ونهضتهم". وقال: "هي المبادئ التي صنعت نجاح لبنان الحديث وأطلقت نهضته وازدهاره، لؤلؤة خمسينات وستينات القرن العشرين؛ حقبة يرنو إليها لبنانيو هذه الأيام، وقد غلبتهم مشاريع الغلبة واحد في إثر آخر.
وتابع: "إستهوى الرئيس رفيق الحريري مواطنيه واستقطب غالبية معتبرة بينهم بصفات كان يعرف إنها تحتل مرتبة عالية في سلم قيمهم؛ قدم عصاميته ونجاحه وتفاؤله بالحياة وإيمانه بالله؛ وقدم دأبه الإستثنائي على العمل وصبره على صروف الدهر ومحن الحياة. كان ذلك رهان، وكانت هناك مخاطر، لأن قوى مضادة كانت حاضرة ومعادية، وهي كانت قوية ولا تزال. لم يأت طموحه من فراغ؛ واكب الجهود الدؤوبة التي كانت تبذل في الداخل وفي مراكز القرار الدولي والعربي، لوضع حد لاقتتال الفرقاء، ولتحييد ما أمكن من العوامل الخارجية. بناء القواسم المشتركة، حجرا بعد آخر، ولبنة إثر أختها، تلك كانت حرفة قوى الإعتدال أثناء سيادة قوى الحرب. إنضم رفيق الحريري الى هذه الحرفة، مضيفا إمكاناته الكبيرة؛ وصولا الى دوره المحوري في صياغة إلإتفاق الطائف، الذي أنهى خمسة عشر سنة من الإقتتال في لبنان وعليه.
"فلك نوح" هو إتفاق الطائف؛ فيه أبحر اللبنانيون سحابة ثلاثة عقود بحلوها ومرها. بنجاحاتها وإحفاقاتها؛ ولا يزالوا مبحرين في طوفان الشرق الأوسط الذي يزداد هولا؛ شعوب تتمزق ودول تنهار؛ مبحرين ولا من يرسل بعد الإغتيال المفجع حمامة تعود الى أهل الفلك بنبتة زيتون، تبشرهم باقتراب يابسة الحياة الطبيعية والسكينة الوطنية والسلام.
إنهاء الحرب بموجب إتفاق الطائف اقتضى مقاربة، وازنت بين البناء على القواسم المشتركة في الداخل، وبين اعتماد الواقعية والقبول بمصالح الخارج حيث انعدم أي خيار آخر. سوى أن الطائف، وهو يقيم دولة نهاية الحرب، أبقى باب الإصلاح مفتوحا على قيام دولة الغد، ونظام أكثر قدرة على محاكاة تطورات البلاد الإجتماعية والإقتصادية".
ورأى انه "باسم الواقعية جرى القبول بشروط النظام السوري لما جرت تسميته علاقات مميزة؛ وما تضمنته إن بالصياغة أو بالممارسة اللاحقة، من انتقاص للسيادة الوطنية واستقلال البلاد. وباسم الواقعية إياها قبلت القوى السياسية أن تحتفظ بميليشيا عينها على سلاحها، وأن تناط بها مهمة تحرير الجنوب، بالإنفراد عن سائر اللبنانيين؛ ثم أن يجرى تحريف هذه المهمة، وعرقلتها عندما كانت متاحة، وإدامتها عندما كان إنجازها ممكنا؛ خدمة لكل المصالح الإقليمية، ما عدا المصلحة اللبنانية". وقال: "رغم منطقية القبول بهذه الإملاءات في حينه، ثمنا لإنهاء الحرب، إلا أن أثقالها رتبت على البلاد، ولاتزال، أثمانا باهظة؛ أفدحها شريعة القتل التي سادت ولا تزال، مردية بباقة من نخبة البلاد وزعمائها، والتي لم يسلم منها رفيق الحريري؛ شريعة القتل التي دمرت بيروت ومرفئها؛ كارثة فتحت في الذات الوطنية جرح ينزف، وينذر جراء المعالجات الفظة والتدخلات المجرمة، بأخطر المضاعفات".
واكد ان "إغتيال رفيق الحريري كان الحدث المدوي؛ ولكن قبل ذلك وبعده، أن يصبح القتل السافر والبطش العاري هو الوسيلة العادية لتناول المسألة السياسية والبت بها؛ فأي اتفاق يقوم، وأي نظام يحكم؛ مهما كانت فضائل هذا ونقائص ذاك. الحياة السياسية، ومثلها المجتمع، أسوة بالكائنات الحية، تختزن قدرة محدودة على احتمال العنف والوحشية."
وسأل: "هل بقي رفيق الحريري في سدة الأحكام أكثر مما اقتضت أوضاعه وأوضاع البلاد؟ هل أخطأ في تقديرقدرته وقدرة لبنان وشعبه الذي استودعه الله، عندما أدرك الخطر المحدق، على الإحتمال؟"، وقال: "قامت السياسة الإقتصادية للدولة في تسعينات القرن الماضي على استلهام نظرية إقتصادية معتبرة؛ التوسع بالإنفاق الحكومي لتحقيق الإعمار من جهة، والتشدد في حجم الكتلة النقدية، محافظة على قيمة النقد الوطني. خطة ما لها وما عليها؛ المناقشة في جدواها وتوقيتها والإستمرار فيها جائز؛ وجائز أيضا ومشروع، النقاش في تفاعل مؤسسات الدولة وإداراتها مع الخطة الإقتصادية وبرنامج الإعمار. ولكن أي خطة إقتصادية قابلة للصمود والتحقيق، تحت وطأة نهج الوصاية، القديمة التي زالت، والمستجدة الساعية لتثبيت أركانها؟ قوى سياسية وأجهزة قمع وقتل؛ تستهدف الدولة لتفكيكها، والموارد لنهبها والكيان لإلغائه. وكما الأسئلة، فالأجوبة أيضا جائزة، وهي متعددة؛ ويبقى أبلغها جميعا نهر الدماء الجارية في لبنان، والتحقيقات الممنوعة، وسير العدالة المتوقف والمستحيل".
وتابع: "وتبقى ضرورة لاستخلاص العبر؛ وأوجهها أن الإقتصاد في خدمة مشروع سياسي، مهما كانت مشروعيته، وهي في هذه الحالة إعادة بناء دولة دمرتها حرب أهلية، مسألة فيها نظر؛ فمن يضبط نهم السياسة والسياسيين؟ وها هم اللبنانيون ينزلقون جماعات الى مستنقع الفقر ويتخبطون في عذاباته؛ ومن بينهم فرق تصورت أنها ناجية، وأن الريوع التي تأمنت لها معين لا ينضب. والعبرة التي تلي هي أن المشكلة الإقتصادية متجذرة وقديمة قدم الدولة، منذ المتصرفية وصولا الى الجمهورية، فيما اللبنانيون شغفهم بالسياسة، لا يولون الإقتصاد أهمية إلا عندما يلسعهم بناره. معضلة أرض لا تنتج كفاية بينها، ولا تلبي تطلعهم للترقي، جيلا بعد جيل بمواردها وطاقاتها. وما واقع الإغتراب إلا التعبير الدرامي عن هذه الحقيقة، رغم جمالية الأدب والشعر والمغنى والموسيقى في سعيها للتخفيف من ألم الغربة. حقيقة يجب أن تكون حاضرة خلال السعي المحتم لإعادة بناء الإقتصاد الوطني؛ ضرورة بنائه بالموارد المتاحة في الداخل ومن المغتربات، وبالإستناد الى حكمة أمهات لبنان أن، "على قد بساطك مد رجليك".
اضاف: "والعبرة الأخيرة ربما، هي أن أسباب المعيشة المؤمنة من حيث مداخيلها وديمومتها موجودة في مجالات الإقتصاد، في الوطن وفي بلاد الله الواسعة؛ واللبنانيون كانوا وما زالوا سباقين في ريادة هذا البعد من أبعاد العولمة؛ هنا وهناك سطع نجم رفيق الحريري في زمانه، وسطعت قبله وبعده نجوم وأقمار. وأن لا أمان ولا ديمومة في التوظف التسكعي الكثيف في إدارات الدولة وأسلاكها: فهو يؤدي بالمتوظفين الى الفقر، وبالدولة الى الفشل، كا هي الحال في هذا الزمن الردئ. كما "سيزيف" في أسطورته وكما في الإقتصاد، كذلك في السياسة وفي ضرورة إعادة بناء دولة تتحلل دون هوادة؛ سوف يتعين على اللبنانيين حمل الصخرة والعودة الى تسلق الجبل".
واشار الى ان "الحكمة تقضي أن لا يندفعوا للخروج من الفلك الذي يحميهم؛ أن يعتصموا باتفاق الطائف حفاظا على وحدتهم الداخلية واتقاء لعواصف المنطقة العاتية. أن يتشددوا في مسألة وحدة البلاد، وأن ينفتحوا ويبدوا مرونة في مسألة مركزية الدولة". وقال: "ها هي الدولة تحتضر أمام عيونهم؛ أن يتأملوا ويتفكروا في حجمها، في ازدواج إداراتها وأسلاكها مرات بسبب حدة الطائفية فيها؛ دولة هائلة، مسطحة وفاقدة الفعالية، لا تأثير لمؤسسة فيهاعلى أخرى، بسبب حدة الطائفية في تكوينها. وأن يستلهموا نافذة الإصلاح التي قدمها لهم الطائف بالمركزية الموسعة؛ أن يطبقوها بما يتيح للمناطق اللبنانية أن تنهض إفتصاديا بطاقات أبنائها ومواردهم؛ أن ينطلقوا من المجالس البلدية الحالية واتحادات البلديات بتنوعها الإحتماعي والطائفي، لتحقيق تكامل إقتصادي فيما بينها؛ أن ينشئوا مجالس محلية واعدة ويمكنوها إنسانيا وماليا بما يسمح لها بإحداث التنمية فيجد الناس أسباب معيشة حيث يعيشون؛ وأن يحصنوها بقانون انتخاب يرتكز على نسبية واضحة، بما يضمن أن يركن الناخبون الى الإعتدال في الخيار والى ضرورة وحكمة التسوية في تناول الشأن العام".
وقال: "فيما كانت الوصاية تطيح بمواعيد الطائف لجهة الإنسحاب العسكري التدريجي، راحت توصد نوافذ الإصلاح وتطور الدولة التي فتحها؛ فأصبح من باب الهذيان مجرد التطرق الى ثلاثية إنشاء الهيئة الوطنية لبحث في مسألة الطائفية في النظام السياسي؛ كمدخل لإحداث الإصلاح الأبرز المتمثل بإنشاء مجلس شيوخ؛ ثم خوض المغامرة السياسية الكبرى بانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي. خبا هذا الأفق الإصلاحي تحت وطأة الوصاية الأولى وممارساتها؛ ودفع رفيق الحريري حياته عندما استجمع عزمه واعترض على ما تحول إدمانا في السيطرة والغطرسة وتشجيع التطرف في البلاد وإعلاء شأن المتطرفين".
اضاف: "أعطى اللبنانيون شهادة رفيق الحريري حقها في 14 آذار 2005. ثم كان صباح وكان مساء، وصعد جيل جديد الى ساحة العمل الوطني في 17 تشرين؛ وتحققت وحدة في الحركة الشعبية ضد مفاعيل المحاصصة الطائفية في إدارة الشأن العام، وضد الأحزاب الطائفية وزعمائها. الشعور، لا بل القناعة، أن إقفال أفق الدولة على المحاصصة الطائفية سبب رئيسي من أسباب الإنهيار؛ هذا كان حاضرا في شوارع البلاد على الساحل من الشمال الى الجنوب وفي مدن الداخل على حد سواء. ولكن ما كان حاضرا بالتوازي هو قدرة الأحزاب الطائفية على الفعل المضاد، بالمخاتلة والنفس الطويل مرة، وبالقمع المباشر مرات، وبافتعال الصدامات الطائفية في كل المرات. تضاعفت مناعة هذه القوى منذ فاجعة 14 شباط، وزادت سيطرتها بما يقارب إنتاج وصاية مستجدة، ثم هناك عمق التعقيدات التي تعتري قناعات اللبنانيين في تناولهم المسألة السياسية. خلال أحداث السنوات الثلاث الأخيرة، جمهور معتبر نزل الى الساحات، رفضا للصيغة الطائفية التي تقوم عليها الدولة؛ إفتقاد البرنامج المكتمل والقيادة الموحدة، لم يمنع الناخبين أن يمحضوا هذا الطرح عددا من النواب. ثم خلال نفس العملية الإنتخابية إنتخب جمهور معتبر آخر، مجددا ثقته بالإحزاب الطائفية، رغم حدة الأزمة سياسيا واقتصاديا".
واردف: "هما منطقان قائمان منذ الإستقلال في تناول تكوين السلطة في البلاد. منطق مآله أن التمثيل السياسي أساسه الهوية؛ وبخلاف ذلك تصبح الجماعة الأساس للإجتماع السياسي، وهي الطائفة، مهددة في وجودها وأسلوب عيشها وثقافتها، وحتى في عقيدتها. والمنطق الآخر قوامه أن سيطرة الطوائف على الدولة تشكل العائق الرئيسي، الذي يحول بين اللبنانيين وبين الحكومة الصالحة؛ وأن تفشي العامل الطائفي في أوصال الدولة هو سبب التراجع المضطرد في مستوى الحاكمية وفعاليتها".
ورأى أن "استحداث مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف بشكل دائم وبالتساوي، الى جانب مجلس نواب منتخب خارج القيد الطائفي، من شأنه فتح المجال أمام المنطقين للإستحواذ على قناعة اللبنانيين؛ وأن تتمثل المقاربتان ضمن مؤسسات الدولة. وربما يفتح استحداث مجلس الشيوخ الباب، في المدى المتوسط، على فكرة تداول الرئاسات بين كل الطوائف اللبنانية، بما يشكل خطوة مؤثرة في رفع القيد الطائفي، وعدالة التمثيل السياسي في آن معا".
وختم: "رغم صعوبة الأوضاع؛ وإذا تضافرت الإرادات في الداخل والخارج لتحقيق خلاص لبنان من سطوة آلة القتل وسعيها الى إحكام السيطرة المطلقة؛ ترسم هذه الإصلاحات طريقا لدولة يمكن للبنانيين أن يركنوا إليها؛ دولة بحجم يتناسب مع البلاد واقتصادها؛ تنتقل تدريجيا من واقعها الطائفي الى مرتجى الدولة المدنية المؤتمنة على حياة اللبنانيين وغدهم. لعل في هذا ما يعوض بعض الشيء، ويعزي في غياب رفيق الحريري، وكل الذين أزهقت أرواحهم؛ وما آلت إليه أوضاع البلاد بعد غيابه."
شمس الدين
ثم تحدث الوزير السابق ابراهيم شمس الدين فقال: "أوّلُ ما أعجَبني فيه أنّه كانَ بشوشاً. تشعرُ أنّه يُدخلكَ إلى قلبهِ ثمّ إلى الاجتماع! وكان صاحبَ طلّةٍ رصينةٍ، طبيعيّةٍ بغير تكلّفٍ، وجدّيةٍ بدون تهويل. وكان يعملُ ويعملُ ويعملُ، احترمتهُ وأحبَبْته لذلك. وكنتُ أرى عملَهُ، وكنتُ شاهداً على بعضه، وشريكاً في بعضه، وحتى شهيداً لبعضه، وأقولُ هذا بدون ضغينة! كما كنتُ أركنُ لصدقِ قولِه إجمالاً، كما كنتُ أرتاحُ للعملِ مَعَهُ رغم اختلافات، وكان يضعُ ثقةً كبيرةً في يدي عندما كان يكلّفُني شخصياً بمهمّةٍ خاصّةٍ ودقيقة، أو عندما يحدّثُني بأمرٍ خاصٍّ ودقيق، أو يُطْلِعُني- في بعض مراتٍ قليلة - على بعضِ باطنِ تفكيرِه في أمرٍ معيّن، وهذا السّلوك منه كان يعكسُ ثقةً بالنّفسِ كبيرةً - ثقةً بناءةً لا ثقةَ تكبّرِ وعُلُو- ثِقةً كان يمتلكها رفيق الحريري رحمةُ الله عليه".
اضاف: "ماذا كانَ يريدُ رفيق الحريري؟ بل ماذا كان يحاولُ رفيق الحريري؟ لا بدّ من التّذكيرِ ابتداءً أنّه كانَ واحداً منّا نحنُ اللبنانيّين. لم يكن أجنبيّا غريباً، ولا مُستَنْزَلاً من غيرِ كوكب، ولا مُسْتَنْبَتاً هجيناً، ولا مُسْتَنْسَخاً قَطْعاً.. كانَ فريدَ نفسِه. كان يريدُ أنْ يُعيدَ بناءَ وطنِهِ ووطنِنا بعد أن دمّرهُ اجتياحٌ إسرائيليّ وحروبُ فتنةٍ داخليّةٍ تتوالد كالأرانب. بدأ مَعَ اتّفاقِ الطّائفِ فواكَبَهُ وسهرَ مع غيرهِ فيه، وذلّلَ عقباتٍ وقرّبَ تباعدات. أرسى اتّفاقُ الطائِفِ سِلْماً أهليّاً وأنهى الحروبَ الداخليّةَ - والآنَ أقولُ إلاّ الحربَ على الطائفِ نفسِهِ فهي لم تنتهِ بعد، فبعضُ القِوى التي تشكّلتْ منها السّلطة كانت ضدّ الطائفِ عَلناً أو سرّاً. كانَ يعرفُ أنّ الحروبَ لا تصنعُ الأوطانَ بل تُفتِّتُها، وكانَ يعرفُ أنّ مشاريعَ الأوطانِ الخاصّةِ لا تُحيي أصحابَها بل تقتُلُهم، وهو لم يكنْ يريدُ أن يصنعَ الوطنَ على شاكلتِهِ كما كانوا يقولون، بل أرادَ أنْ يكونَ شريكاً في بناءِ الوطنِ على طريقتِهِ، وكانتْ طريقَتُهُ فعّالةً وبنّاءةً. لم يطلبْ رفيق الحريري من الآخرينَ إقراراً بالعرفان، بل كان يشتهي فقط عدمَ النكران. كانَ يعلمُ أنّ السِّلْمَ وحدَهُ يجمعُ الوطنَ ويضمُّ الجميعَ إليهِ في قلبِهِ وليسَ على حافّتهِ – لم يكنْ ليقبلَ بمواطنةٍ مُدَلاّة، منبوذةٍ أو مستضعفةٍ – بل كان يريدُ – فيما كنتُ أشعرُ - بناءَ مواطَنةٍ قويّةٍ، مواطَنةٍ منتميةٍ مُدرِكة - في وطنٍ لكلِّ منا فيه خصوصيّةٌ محترمةٌ ومُقدّرةٌ تجعلُنا نحبُّ أن نربّيَ فيه أبناءَنا، ونحبُّ ان نستيقظَ تحتَ سمائِهِ صباحَ اليومِ التّالي".
وتابع: "لهذا سالَمَ الجميعَ ما استطاعَ، وعمِلَ مع الجميعِ ما استطاع، وصبرَ على الجميع ما استطاعَ وما لم نستطِعْ، وحملَ الجميعَ أكثرِ ممّا استطاع، فَناءَ الوطنُ بالحِمْلِ الثّقيل. ومرّة، في ليلةٍ قُبَيْلَ انتصافها، حدّثني قائلاً، «هؤلاء المجانين سيأكلونَ الكعكةَ كلَّها-هكذا تعبيرُهُ- ويبيدونَ كلَّ شيء، وأنا أحاولُ إقناعَهم أن يُبقوا على شيء منها حتّى نستطيعَ متابعةَ الخَبْزَ!». بعضُ هؤلاء ما زال حيّاً يسعى..".
واشار الى ان الحريري "أعادَ بناءَ وتطويرَ وتعزيزَ علاقاتِ لبنانَ العربيّةَ بمقدارٍ عظيم، وأنشأ للبنانَ شبكةَ أمانٍ اقتصاديّةً وسياسيّةً دوليّةً وعربيّة، وبنى بعملِهِ الدؤوبِ، بالإضافةِ إلى الثّقةِ والتفاؤلِ اللّذينِ كانَ ينشرُهُما، أنظمةَ مصالحَ مشتركةٍ لتكونَ سقوفَ حمايةٍ عند الشّدائد حتَى لا تقعَ السّماءُ على رؤوسِ اللبنانيّين، لكنّ هذه السقوفَ ثُقِبَتْ وحُطِّمتْ لاستخراجِ حديدِها وبيعه، فوقعت السّماءُ على رؤوسِنا".
وقال: "لم يكنْ بناءُ الدولةِ - بلْ مجرّدُ التفكيرِ الجِدّيِّ ببنائها – مقبولاً من بُنىً وأشخاصٍ وَدُولٍ. ولم يكن مقبولاً أن يكون اتّفاقُ الطائفِ دستوراً حيّاً ومرجعيّةً يُستجابُ لها، فكان قرارُ التّخلّصِ مجدّداً من حرّاسِ الدّستورِ والدولة - كما حدث عام 1992 في إبعادهم- وكان رفيق الحريري قد صار من كبارِ الحرّاس".
واكد شمس الدين ان "الجريمة لا تصنعُ وطناً، ولا تبني سيادةً ولا تحفظُ حريّةً ولا تحمي تحريراً. والوطنُ ليسَ قطعةَ سماءٍ وجبالاً وتراب، كما كان يقولُ الشيخ محمّد مهدي شمس الدين، بل هو رغيفٌ حلال، ورزقٌ شريف، ومدرسةٌ ومستشفى وبيتٌ آمن. لبنانُ الوطنُ الحقيقي هو حيثُ يكون الكلُّ مساوياً للكلِّ وشريكاً للكلِّ، وأن يكونَ بدون نُقصانٍ أو انتقاص، وبدون استلحاقٍ في الجغرافيا أو في السّياسةِ، وبتكاملٍ تامٍّ في المجموعةِ العربيّةِ كتكاملِ الكواكبِ في المجموعةِ الشمسيّة".
وسأل: "أين نحن الآن في « لبنان الغد» بعد الجريمة؟
1. كان اتّفاقُ الطّائفِ عقداً اجتماعيّاً مقبولاً ودستوراً مرجعيّاً لكلِّ اللبنانيّين، مع شذوذٍ قليلٍ مُعلنٍ أو مكتوم. لكن اليوم صار الاعتراضُ جهيراً والتشكيكُ بالعيشِ المشتركِ واقعاً.
2. كانتِ الدولةُ في بُناها ومؤسّساتِها حاضرةً في المجتمعِ ومُحترمةً بين الدول، أمّا الآن فصارت متلاشية، ولم تعُد مرجعيةً لأيّ شأن من شؤون المجتمع، كما صارت هي دُويلةً بين دويلات، وغَدَتْ موضوعاً لتوبيخِ رؤساء الدول، وامتعاض المؤسسات الدّولية.
3. كانَ لبنانُ عزيزاً بين أشقّائِه العرب ومُحتضَناً من قبلٍهم ومن أصدقائه دوليّاً، أما الآن فصارَ معزولاً عن العالم، مستفزّاً لأشقّائِه العرب ومحاصِراً نفسَهُ بنفسِهِ.
وقال: "لبنان وطنٌ حقيقيٌّ، ليس كذبةً تاريخيةً ولا مؤامرةً دوليّة ولا خطأً جغرافيّاً، وهو لا يحتاجُ إلى تأسيسٍ فينيقي ولا إلى استكمالٍ سوري حتى يكونَ صحيحاً. نريدُهُ بتاريخِنا المشترك فيه منذ إعلانه وتأسيسه، لنصنعَ فيه مواطنةً صالحةً لأبنائنا حتّى يُسلّموا أبناءَهم، لا قضيّةً ناقصةَ، بل وطناً ناجزاً يسكنون فيه وإليه، حتّى لا يبقى رصيفَ سفرٍ او شاطئَ وداعٍ يَفرّون منه كما هو الحال اليَوْم".
وختم: "لا يضيعُ حقٌّ ولا دمٌ في السماء، لأن القضاءَ هناك ميزانُه مرفوع، وهو عادلٌ وحرٌّ ومستقل.. رحمك الله يا رفيق الحريري من شهيدٍ مظلوم، ورَجُلِ دولةٍ مُفتَقَد".
مروان حمادة
وكانت كلمة للوزير السابق مروان حمادة الذي قال: "رفيق العمر، رفيق الغد. في ربيع ٢٠٠٣، أطاح الحكم السوري بحكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري المنبثقة عن نجاحه الإنتخابي الساحق في العام ٢٠٠٠ ، كانت فترة الإنجازات قد انقضت أو هكذا بدا، كان الإجتياح الاميركي للعراق قد فتح على البلد الشقيق جهنم الإنقسام السني - الشيعي - الكردي وأزال آخر جدار مشرقي عربي أمام إجتياح نظام ولاية الفقيه والأطماع الفارسية لبلاد الهلال الخصيب حتى المتوسط. كانت الساحة اللبنانية تغلي بمطالبها الإستقلالية المتجددة والمطالبة بإنسحاب الشقيق السوري بعد العدو الإسرائيلي. كانت كيدية النظام الأمني السوري اللبناني قد ازدادت حقداً وقمعاً يواجهها تحالف خفي ومعلن في آن بين الكنيسة، البطريرك، قرنة شهوان، القيادة الدرزية، احزاب اليسار واليمين، تحالف يتحلق حول قلعة بيروتية طرابلسية صيداوية، بقاعية، عكارية، شوفية عنوانها قريطم بلقاءتها واجتماعاتها ومآدبها الرمضانية وامتدادها اللبناني والعربي وعلاقاتها الدولية الواسعة والمميزة".
وتابع: "كنا جميعاً على إعتقاد أنه بعد تحرير الجنوب، حان زمن الإفادة من الوثبة الإنمائية والبنيوية والقانونية التي حققها الشيخ رفيق خلال التسعينات. فلكل أزمة مالية حلٌ أو وديعة ولكل معضلة محلية مصالحة (كالجبل في العام ٢٠٠١) أو تسوية كتلك التي كان الحريري يحيكها الواحدة تلو الاخرى بعد إنتقال سوريا من حكم المجرم صاحب الرؤيا إلى حكم المجرم الفاقد لها. فتلبدّت الغيوم منذرة بالقطيعة والصدام".
وقال: "لقد شعرت بأن صبر الرئيس قد نفذ إبّان رحلة جوية، راجعنا خلالها مقدمة البيان الوزاري لآخر حكومات الاذعان قبل التمديد للرئيس لحود، حكومة خلت من خيرة وزرائنا ليحل محلهم أدوات دمشق المسيحية والإسلامية. قلة نجت آنذاك من هذه التصفية الحكومية: فؤاد السنيورة، جان عبيد، فارس بويز، بهيج طبارة، غازي العريضي وأنا.
اضاف: "على طائرة الشيخ رفيق الحريري وفي مراجعتنا لمسودة البيان الوزاري، سحب صفحة ومزقها ورماها في سلة المهملات قرب مقعده. فثرت قائلاً: "لماذا با دولة الرئيس". قال بدك تقتلنا يا مروان. شو بدك بذكر إتفاق الطائف وتطبيق بنوده".
وتابع: "في هذه اللحظة أدركت أن الطوق يشتد على الشخص، على المشروع وعلى مستقبل لبنان. ادركت ان الحكاية لن تدوم وان النهاية اقتربت. نهاية صفعتنا مع ارتفاع الغيمة السوداء في سماء بيروت ظهر الرابع عشر من شباط".
ولفت الى ان "قرب النهاية دفعنا الى تقييم البدايات التي لم تكتمل، والأحلام التي اجهضت. نهاية لبنان المستقل نسبياً، النامي نسبياً، المزدهر نسبياً، الموحد نسبياً حيث لم يبقى بعد تلك اللحظة السوداء سوى ما تحقق قبلها والذي يصح القول فيها اليوم أن ما تحقق كان نموذجاً حقيقياً للبنان الغد. فعلاً منذ ذاك لم يضف مدماك ولا دُّق مسمار للبناء. فمن دق المسامير بعد اليوم المشؤوم كان يدقّها في نعش الوطن، متناسياً نهوضه من بين الركام بل محاولاً إزالة لبنان المؤسساتي والقانوني والتنظيمي والعلمي، محو قوانين الإصلاح الحقيقية وتدمير معالم العاصمة ومطارها ومرفأها ومستشفياتها وكهربائها ومياهها وانفاقها وجسورها واتصالاتها".
وقال: "كل ما بقي على الأرض اليوم هو من إرث رفيق الحريري ولا يزال في معظم القطاعات يصلح لإنطلاقة جديدة أو للإصلاح المنشود والذي هو أصلاً ما يطالب به المجتمع الدولي لمد يد العون للخروج من أزمتنا الحالية".
اضاف: "في مسبحة الانجازات لن اتحدث فقط عن مطار بيروت ومرفأ بيروت وموانئ لبنان وكهرباء لبنان ومصالح مياهه، لن أعدد الطرقات والوصلات والجسور والبنى التحتية والتربوية وتجمعات المدارس والمراكز المهنية، والمدن الرياضية، او حتى احياء شركة الطيران الوطنية وغيرها".
وتابع: "سأختصر كلامي عن لبنان الغد، كما عمل له وحققه رفيق الحريري في قطاع واحد معبّر أي في القطاع الصحي حيث شرفني بترشيح من الأستاذ وليد جنبلاط، بتبؤو وزارة الصحة لمدة خمس سنوات متتالية انجزنا خلالها كل ما هو قائم وكل ما هو باقٍ. بل ويصح للبنان للعشرية القادمة ".
وقالق: "نعم، أيها الأصدقاء، رفيق الحريري لم يكن متخصصاً بالصحة وإنما كان يعلم أن الصحة والتربية دعامتا النمو المستدام وأن لا معنى للصروح الاخرى مهما علت من دون تعليم الأجيال الطالعة وتأمين الأجيال البالغة. وهو كان، في هذه وتلك، رائداً وسبّاقاً من خلال مؤسساته ومنحه التربوية ومساعداته الصحية. في المقابل لم أكن أنا طبيباً أو متخصصاً بالمهن المساعدة. مع ذلك ما نعتز به ومن خلاله أن كل مستشفى حكومي بني في لبنان، من الجامعي في بيروت والذي يحمل إسمه، إلى مستشفى النبطية الذي يحمل إسم الرئيس بري، إلى حلبا والهرمل الى طرابلس وتنورين والبوار والكرنتينا وصيدا وصور وتبنين وحاصبيا وراشيا وزحله وسبلين، إلى إستصلاح مصحّي بعبدا وضهر الباشق، إلى المستوصفات ومراكز توزيع الأدوية، كل ذلك صمم له وانجز في عهد رفيق الحريري رحمه الله. كل ذلك".
اضاف: "موضوع القوانين، من الآداب الطبية، إلى قانون الصيدلة، إلى قانون إدارة المستشفيات العامة، إلى قانون الشهادة الطبية قبل الزواج، إلى الملف الطبي الإلزامي لكل طفل، إلى مكافحة السيدا، إلى مجانية معالجة الأمراض السرطانية، إلى تغطية عمليات القلب المفتوح مئة بالمئة، إلى إطلاق مشروع مجانية توزيع الأدوية للأمراض المزمنة التي حلت الأولى في التحديات الصحية بعد تراجع الأمراض المعدية، إلى نظام الطب وشبكة الطب الوقائي إلى مساعدة مؤسسات القطاع الخاص الرائدة عندما كانت تتعرض للقصور المالي أو البشري، إلى توحيد التعرفة، إلى دعم المؤسسات الإجتماعية للأيتام أو العجزة أو أصحاب الحاجات الخاصة. فهكذا انتقل لبنان من عصر الى عصر من مرتبة الى مرتبة كماً ونوعاً ومتابعة."
وقال: "هذه عينة عن العمل الجاد، المستدام، المتوازن الوطني بإمتياز في الصحة بالتحديد. طبعاً رافقت الرئيس الشهيد في وزارات أخرى وقارنت مراراً اداءه بكبار القادة في الشرق والغرب. رفيق الحريري لم يأت إلى الحكم في العام ١٩٩٢. كان يخطط ويُعلّم ويداوي ويبني للبنان الغد قبل ذلك في سعي دائم إلى السلم والوفاق وإعادة بناء وتحديث المؤسسات".
واكد ان "رفيق الحريري لم يغب في ١٤ شباط 2005، فهو باقٍ في كل حرف كتبه وكل كلمة نطقها وكل عمل انجزه وكل نصيحة اسداها، وكل إبتسامة اظهرها. يتباكون اليوم على لبنان اليوم. ويسألون اليوم عن لبنان الغد. وبين الأمس واليوم والغد يعملون على إلغاء لبنان برمته، بكيانه بإستقلاله بسيادته بحياته بازدهاره. الذين قتلوا رفيق الحريري وهم معروفون ونحن نعرف أنهم يعلمون اننا نعرفهم سيلاحقكم التاريخ وسينبذهم المستقبل. يقولون الآتي اعظم. فعلاً سيكون اعظم عليهم. الى هذا الحين القريب إسهر علينا يا شيخ الشهداء يا رفيق العمر والغد".
عمرو موسى
وفي الختام، كانت كلمة عمرو موسى الذي قال: "كم سعدت، كما يشرفني أن دعيت لأشارك هذا الجمع الموقر في احتفاء لبنان بالذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد رجل عظيم، ولبناني كبير وعربي متميز، ذلكم هوالشهيد رفيق الحريري. هذا الاحتفاء يعكس مشاعر الحزن العميق والمستمر لرحيله، وللأسف الممتد لتوقف عطائه. عطاؤه القيم في مختلف مجالات الحياة اللبنانية والعربية، ولكنه، اي الاحتفاء إنما يعكس أيضا تلك الروح الوطنية اللبنانية التي ترفض الانكسار السياسي والتراجع المجتمعي وتشرد الولاء، ولم يكن رفيق الحريري الا الرمز الرفيع لاحترام الذات والفخر بالهوية والولاء للوطن. وحماية سيادته ورخاء مواطنيه".
اضاف: "ربطني شخصيا بالفقيد التاريخي للبنان علاقات احترام وتقدير. كم تحدثنا عن مصر ولبنان وعن العالم العربي وعن الجوار العربي، وعن مستقبل الاستقرار العربي، كم تحدثنا أيضا عن مستقبل الشرق الأوسط بمجمله، بل والشرق على اتساعه وعلاقاته بالغرب وتعقيداته. كانت اَراؤه تعبر عن فهم دقيق لما كان قائماً واستشراف ذكي لما كان قادما ومع الأسف لم يكن يعطي اهتماما كافيا لسلامته الشخصية. كان لديه من الجرأة ما جعله لا يقبل بالنصائح التي أسديت من أعلى المراجع الدولية والاقليمية بالحذر الكامل. أو أن من خاف سلم .. نعم رفيق الحريري لم يخف ولم يحذر لانه كان يضع سلامة الوطن قبل سلامته الشخصية" .
وتابع: "ولكن إزالة رفيق الحريري الرمز البارز بين رموز الوطنية اللبنانية كان هدفا تاَمرت من أجل تحقيقه قوي الشر التي تعشش في أركان المنطقة وأزقتها . بل كانت تلك هي البداية... بداية مرحلة الفوضى المدمرة التي سادت المنطقة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. أعود فأقول ان هذه الفوضى لم تكن تستهدف لبنان فقط وانما كنت تستهدف البناء العربي كله. وقد راينا جميعا مظاهر ذلك، وكذلك نتائجه الشيطانية والتي لا زلنا نعايشها في أكتر من قطر عربي ومنها مع الأسف: لبنان."
وقال: "يعيش الَان ما يسمى بالشرق الأوسط، والعالم العربي في القلب منه ، بل هو عنوانه ، مرحلة تحد تاريخي ... أن يكون أو لا يكون .... أن يكون أو لا يكون شريكاً في صياغة مستقبل العلاقات الدولية وتفاعلات العولمة، وكذلك في صياغة السياسات الاقليمية ، وخاصه تلك المتعلقة بالأمن الاقليمي والتنمية الشاملة واطر التعاون في تحقيقها، ومناقشة أسسها وشروطها، إن العالم يمر بمرحلة انتقالية، يقبل فيها على حروب باردة وليس حربا باردة واحدة، بل هو دخل بالفعل مرحلة من الاهتزاز والترصد وعدم اليقين، مرحلة فيها تعبئة وضغوط واستراتيجيات متضادة بين الشرق: شرق الصين الجديدة والغرب:غرب أميركا الغاضبة والمستنفرة، وما بينهما روسيا المتحفزة وأوروبا المهددة وما حول كل ذلك ، اليابان العائدة والهند الصاعدة ، ثم ما نتج من تحالفات جديدة تعم اَسيا ، وقديمة تستعيد شبابها في أوروبا، إلى اخر هذه التطورات التى يتوقع معها أن تتعرض قواعد السياسه الدولية التي نعرفها الي صياغات جديدة وسلوكيات مختلفة ومن ثم تتعرض الدول الأضعف والاصغر لطلبات وضغوط قد تعجز جميعها او معظمها عن تلبيتها ، بل قد يكون لتلبيتها والخضوع لها ثمن هائل يمس استقرارها، كما قد يكون لرفضها ثمن لا يقل خطورة وضخامة" .
ورأى "ان دولة واحدة منا – وحدها، بمفردها سوف تعجز عن مواجهة الأمور المترتبة علي أي من الخيارين، ومن هنا تأتي المطالبة القائمة علي التحليل الدقيق، بأهمية العودة إلي ، والعمل علي تحقيق التجمع العربي وترشيد مسيرته بما يأخذ في الاعتبار الظروف المستجدة وعملية الاستقطاب بحدتهاغير المسبوقة ، وبما يحفظ المصالح والحقوق العربية من تنمية اقتصادية مستدامة، الى حركة ثقافية ذكية تساندها، مع تفاهمات سياسية وأمنية من خلال طرح استراتيجي رصين يطلق مفاوضات إقليمية سوف تكون مضنية ولكنها ضرورية بل حيوية".
وتابع: "أقول كل ذلك في هذه المناسبة ، أيها السيدات والسادة ،لأنها موضوعات أشار الي إرهاصاتها الفقيد الكبير في احاديثه معي باعتباري وزير الخارجية المصرية ثم كأمين عام للجامعة العربية وذلك في السنوات الختامية للقرن العشرين والسنوات الاولى من القرن الحالي ..الحادي والعشرين . كم كان رفيق الحريري عميق النظرة في تحليله للواقع، ثاقب النظر في استشرافه للمستقبل."
واضاف: " لقد تحدثنا في القضية الفلسطينية وماَلها وكان رأيه الثابت هو انه مهما كانت خطورة التهديدات الموجهة لها من اعدائها فان التهديد الأخطر ينبع من داخلها ومن داخل صفوفها، وأنه من أجل أن نتحرك نحو تفاوض ذي معني ينتج سلاماً حقيقياً مفيداً فعلينا مساعدة الفلسطينيين على توحيد صفوفهم وتوافق قياداتهم. اليس هذا هو ما نقوله اليوم؟".
وتابع: "تحدثنا في الموقف في المنطقة على اتساعها وكان موقفه واضحاً في ان هناك مكانا يسع كافة دولها ومجتمعاتها ، وان التعاون من أجل التقدم والبناء ممكن ولكن تحقيقه يتطلب أرضية ثابتة من العدالة والتوازن وتحقيق الحقوق، والالتزامات المتقابلة، وخُلق واحترام المصالح المشتركة. اليس هذا هو ما نعمل اليوم لتحقيقه؟".
وقال: "تحدثنا ان عبارة " لا ناقة لنا فيها ولا جمل" هي عبارة أكل عليها الدهر وشرب ولم يعد لها علي أرض الواقع مكان، فكل ما يحدث من حولنا يؤثر فينا ونتأثر به، ونعاني من أثاره، وان لنا ناقة وجمل في كل ما يحدث في عالم اليوم ويجب أن نفهم ونعمل على ان يكون الأمر كذلك".
واعلن ان "هذا التحليل السليم يؤكد صحته ونجاعته ما نعايشه اليوم من تطورات قد تبعد عنا اَلاف الأميال جغرافيا ولكنها تؤثر في أمننا واستقرارنا بل تضر بهما بطريقة أكثر مباشرة مما كنا نعتقد أو نتصور".
وقال: "تحدثنا في ان دور المتلقي يجب ان ننتهي منه، وأن الاطمئنان الى الوعود يجب ان يصبح اطمئناناً ذكياً لا ساذجاً، وانه يجب علينا في عالمنا العربي أن نكون يقظين في مواجهة الخطوات والمبادرات السياسية التي تأتي من الخارج حتى تتبين الخطوط البيضاء التي تحمي مصالحنا من تلك السوداء التي تتعارض معها بل تهددها".
اضاف: "وتحدثنا عن أمن المنطقة وكيف أنه يقوم على سلام عادل وانفتاح اقتصادي وتكامل ثقافي تتفاعل جميعها سويا ويساند بعضها بعضاً، ولا يسبق بعضها البعض الاَخر. تحدثنا عن اهل المنطقة عرباً وفرساً، اتراكا واكرادا، مسلمين ومسحيين، بل وأيضا يهود، وباقي الهويات والأديان والمعتقدات. كان رحمة الله يرى أن المنطقة تتسع لكل هؤلاء كي يتابعوا ويتكاملوا ويبدعوا، شريطة ألا يجور أحد على أحد وأن تصان الحقوق وتكون المكاسب للجميع".
- تحدثنا ونحن نتكلم في مطلع القرن الجديد بأن الوقت حان كي نصوغ –جميعا-نظاماً إقليما جديدا تنعم في ظله كل دول المنطقة وشعوبها بسلام وحرية وتنمية اقتصادية واجتماعية، وبآداب وفنون تتنافس على إمتاع الناس واسعادهم. وكان شديد الثقة بأن لبنان سوف يكون منطلق بؤرة الفنون والآداب والثقافة في هذا المجتمع الجديد الذي كان يستشرف حدوثه".
وقال: "كان رفيق الحريري يحلم للبنان، كما كان يحلم بلبنان .. لبنان القرن الحادي والعشرين الذي يتخلص بسرعة من القيود التي صفّده بها اعداؤه وخوارجه. كان يرى أن لبنان مليء بالمواطنين الطيبين الذي يريدون ان يحيوا حياة طيبة حلوة. كان يتحدث بثقة عن عبقرية الفرد اللبناني والمرأة اللبنانية والتي تمثلت في ما حققوه في المهاجر من نجاحات منقطعة النظير لأنفسهم ووطنهم والاوطان التي انتقلوا إليها، كما تمثلت في لبنان نفسه الذي كان قبلة العرب وسويسرا الشرق ومثال الاناقة ومهد الجمال. تحدث بحب بل بعشق عن بيروت وأحياء بيروت والبناء الجديد في بيروت" .
وتابع: "لم يكن يدور في خلده انه سوف يُغدر به، وان لبنان ذاته سوف يُغدر به ، وان أحلامه سوف تتحول الي كوابيس يعاني منها اللبنانيون جميعا ، وأن الكثيرين من ساسته سوف يظلون على ما دأبوا عليه من التخندق وراء طوائفهم ومصالحهم بصرف النظر عن الوطن وعن هويته ومصالحه العليا".
وختم: "وفي الختام دعوني أحيي هذه الذكرى وصاحبها ومن أقاموا الاحتفال بها ومن دعوني لأشارك فيها وإسمحوا لي أن أكرر مقولته " إن الولاء للوطن هو الوصفة الفاعلة والمنطلق السليم نحو تحقيق سلامة الشعوب ورخاء المجتمعات وسعادة الناس وعودة البسمة الي وجوههم. رحم الله رفيق الحريري ، وعاش لبنان وعاش الوطن العربي الكبير" .