الشائعات التي تتغلب على الحقائق: لقمان والسنيورة كنموذجين

-A A +A
Print Friendly and PDF
المصدر: 
النهار
الكاتب: 
منى فياض

علّق الناشط والطبيب هادي مراد على صورة للمرشّح فايز كرم كتب تحتها: "ثقة السّيد". وتساءل مستغرباً كيف لمحبّ المقاومة أن يحمل صور فايز كرم!؟ 

ومن المعروف أن فايز كرم حُكم عليه قضائيّاً وسُجن بتهمة التجسّس لصالح إسرائيل! 

هذا في الوقت الذي حورب فيه لقمان سليم وقُتل لأنه "عميل"، كذلك تخوينهم لائحة عملاء السفارة.

 فبركة الشائعات سلاحهم، كالفيديو الذي وزّع عن المؤتمر الذي عقد بالإمارات في العام 2018 حول إيديولوجية حزب الله، فاتهموا المشاركين، وبينهم لقمان سليم، بالعمالة والخيانة والتصهين. وأنا التي لم أكن على علم بعقد المؤتمر أصلاً، أخبرت أنني موجودة في هذا الفيديو، وأتحدّث في المؤتمر!  السؤال إذا كنّا عملاء، فلماذا لا يُحيلوننا إلى القضاء المختصّ؟ أم أن القتل أقلّ تكلفة ويُخفي الحقائق؟ فأيّ مقاومة هذه؟

 شيطنة السياديين حِرفتهم. آخر مهازلهم اتّهام شفيق بدر، لاعتراضه على تعليق صورة الإرهابي سليماني في معرض الكتاب العربي، بالدعشنة. لماذا؟ لأنّها التّهمة المناسبة للسنيّ. 

اعتدنا شائعاتهم الكاذبة، منها استعادتهم اتهام الرئيس السنيورة بسرقة الـ11 مليار ليرة الشّهيرة، إضافة الى إشاعة إقالته من رئاسة لجنة الرقابة على المصارف في الثمانينيّات. كذّب الخبرين المرجعان الأساسيّان، المدير العام المالية آلان بيفاني، وحاكم مصرف لبنان ميشال الخوري، الذي عمل السنيورة برئاسته. مع ذلك يعتبرها البعض مسلمات!

يردّ السنيورة على كلّ ذلك في كتابيه الحديثين: "الدين العام اللبناني" و"المالية العامة للدولة"، استناداً إلى الأرقام والإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية والمالية للدولة. 

والسؤال: لماذا التركيز على شيطنته الآن؟ لا شكّ في أن لذلك علاقة بمبادرته الأخيرة للملمة الشارع السنيّ، وحثّه على المشاركة الواسعة في الانتخابات، حيث لاقاه مفتي الجمهورية؛ ولديه لائحة سياديّة. 

واللافت أيضاً اتّهامه بمفرده من بين وزراء المالية ورؤساء الحكومة المتعاقبين على نفس السلطة المتّهمة! 

صحيح أن السنيورة جزءٌ من الطبقة الحاكمة بخيرها وشرّها، وإذا كان يجب محاسبة هذه الطبقة على ما وصلنا إليه فلذلك محاكم وقضاء مختصّ، وليشمل الجميع من دون استثناء. لكن لا تبدو شيطنة السنيورة مرتبطة بنزاهته أو بعدمها حقاً. الأرجح أنّ لها علاقة بصلابته وبكونه رجل دولة يهمّه الحفاظ على سيادتها.

 لقد استطاع في حرب 2006 إدارة دفّة المفاوضات مع مجلس الأمن والأمم المتحدة لمواجهة حرب العدو الإسرائيلي على لبنان؛ فوقف بحزم لإنقاذ لبنان ومساندة حزب الله لوقف الحرب بشروط وُصفت على إثرها الحكومة ورئيسها من قبل حلف الممانعة "بحكومة المقاومة". لكن ما إن انتهت الحرب، وصدر القرار 1701، الذي رفض وضعه تحت البند السّابع، حتى تنكّروا للقرار، وانقلبوا عليه واتّهموه بالخيانة. 

يتميّز السنيورة أيضاً بوقوفه في وجه مخططاتهم في مناسبات عدّة، ليس أقلّها صموده في السرايا الحكومية لمدّة عام ونصف تقريباً، عندما حاصروه، ونفّذوا السيت-إن في2007. وكان سبقها مواجهة حكومته جماعة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد، ممّا عطّل استيلاء الإرهاب الإسلامويّ على طرابلس وتحويلها إلى "إمارة في الشمال"، في حين وضع نصرالله خطاً أحمر ضدّ مهاجمتهم؛ فأهمله السنيورة، وأمر الجيش اللبناني بالمواجهة، وقضى عليهم ليستكملوا مهامهم في سوريا. 

حول القضايا الاقتصادية والمالية المثيرة للجدل، نجد في كتابه، "الدين العام" للدولة اللبنانية، عرضاً لجداول إحصاءات، وأرقام، حول تطوّر سعر صرف الليرة، ومعدّلات الفوائد، والعجز السنويّ في حساب الخزينة العامة، وتطوّر حجم الدين العام، وتطوّر نسب النمو الاقتصاديّ للناتج المحلي اللبنانيّ، وتطوّر ميزان المدفوعات ومجموع احتياط مصرف لبنان، وتطوّر مجموع الاحتياط القائم والصافي لمصرف لبنان بالعملات الصعبة... 

طبعاً لستُ ضليعة في الاقتصاد وأرقامه، كما أنني لست في معرض الدفاع عن السياسات الاقتصادية والمالية لفترة حكم رفيق الحريري. لقد كنت عضواً في حركة التجدّد الديموقراطي، التي كانت تنتقد سياسات الحريري الاقتصادية. لكن عند مقارنة الأرقام والمؤشرات نلاحظ ما يأتي: 

بلغ الدين العام المتراكم في نهاية العام 1992 حوالَي 3 مليارات دولار، وأصبح في نهاية العام 2004، حين قدّم الرئيس الحريري استقالته قبيل اغتياله، 35.3 مليار دولار. طبعاً، لا يمكن إنكار أنه مقابل المبالغ المتراكمة من الدين العام تمت إعادة إعمار بيروت، وتحديث البنية التحتيّة، وبناء شبكة طرق ومطار بيروت الدولي، وبناء معامل كهرباء وشبكة اتصالات، وغيرها من إنجازات تحت أعين الاحتلال السوري، وضرورة شراء موافقته كما هو معلوم. لكنّه سمح للبنان باستعادة دوره وحياة طبيعيّة نسبيّاً، وسمح بتدفّق رؤوس الأموال وتوظيفها وبالنمو الاقتصادي. 

الموجودون في الحكم حالياً يُرجعون انهيار الدولة إلى سياسات الحريري، التي نفّذها السنيورة. لكن ما الذي حصل منذ استلامهم السلطة حتى الآن؟ هل قاموا بإصلاح السياسات المالية والاقتصادية التي انتقدوا رفيق الحريري عليها؟ هل صحّحوا أخطاءه المميتة؟ هل حافظوا على الأقلّ على منجزاته؟ هل أصلحوا السياسات العامة كي تصبح أكثر شفافية وفاعليّة؟ هل ازدادت نسبة النمو ونقص الدين العام؟ 

عندما نتابع حركة الدين العام ونسب النمو، نجد أنّه واصل ارتفاعه فبلغ نهاية العام 2006، عام الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلى 39.6 مليار. وبلغ نهاية العام 2011 حدود الـ52.6 مليار دولار؛ وذلك بعد دخولهم السلطة من بابها العريض بواسطة ثلث الدوحة المعطّل، لدرجة إسقاط حكومة الحريري ليشكّلوا حكومة ميقاتي. النمو الاقتصادي في فترة الحريري والسنيورة بلغ أحياناً حدود الـ10% في فترتين. لكنّه بدأ بالانحدار بعد هيمنتهم منذ 2011 حتى وصل في نهاية العام 2020 إلى -7%. 

يتبيّن إذن أن مشاركتهم في السّلطة لم تؤدِّ إلى أيّ تحسّن في الأداء الحكومي والاقتصادي بل العكس، فكلما ازدادت هيمنتهم ازداد تفاقم الوضع الاقتصادي والسياسي. فلقد ارتفع الدين العام بين 2011 و2015 إلى 70.3 مليار. أما بعد سنتين فقط من استلام الرئيس عون السلطة، أي في نهاية العام 2019، فكان الدين العام قد بلغ 91.6 مليار دولار. احتياط مصرف لبنان في العام 2004 بلغ 9.5 مليارات، ولكنّه وصل في نهاية العام 2020 إلى -64.7 %. 

فعلامَ إذن شيطنة سياسات الرئيس الحريري، والسنيورة أحد مهندسيها؟ 

أحد أسباب الانهيار طريقتهم في الحكم، التي تبيّن أنها سلسلة من التعطيل على جميع مستويات السلطة. فعندما نُقارن متوسّط المدّة، التي كان يقتضيها تأليف الحكومة من العام 1989 حتى العام 2003 لوجدناها 11 يوماً، بينما هي 181 يوماً بعد العام 2008، تاريخ اتفاق الدّوحة. أمّا مدّة التعطيل التراكميّة فتبلغ 1449 يوماً، أي ما يُقارب 13 سنة من التحكّم بواسطة التعطيل! 

كذلك تمّ تعطيل انتخاب رئيس جمهورية، فتأخّر انتخاب ميشال سليمان 183 يوماً. أمّا انتخاب ميشال عون فتأخّر 890 يوماً بسبب تعطيل حزب الله الانتخابات، إلى حين إخضاع جميع الأفرقاء لسلطانه. وتعطّل أيضاً المجلس النيابي برئاسة برّي الأبديّة، بعد حرب تموز، وحتى العام 2008، مدّة 541 يوماً. ونفس المجلس مدّد لنفسه 1780 يوماً. 

سيداتي وسادتي، الحكومة مؤسّسة تدعى السلطة الإجرائية؛ يعني إجراء الأعمال وتسييرها، وتسيير مصالح الدولة ومواطنيها، وليس تعطيلها لأيّ سبب كان.

حالياً، إذا حصلت الانتخابات، المطلوب الانحياز إلى رجال دولة من اللبنانيين السياديين. إنّها الخطوة المرحليّة الوحيدة الصالحة لاستعادة لبنان حريته وسيادته. أمّا بعد التحرير فلتأخذ العدالة مجراها وليطبّق القانون على الجميع.

لا يُمكن محاربة الفساد تحت الاحتلال، لأنّ الفساد أحد أدوات الاحتلالات للهيمنة

تاريخ النشر: 
خميس, 2023-03-02