الرئيس السنيورة: على حزب الله أن يعود إلى لبنان بـ"شروط الدولة"
اجرت قناة الاخبارية السعودية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة حول اخر الاتطورات في لبنان وفيؤما يلي نصه:
س: ينضم إلينا مباشرة من بيروت رئيس الوزراء اللبناني الاسبق السيد فؤاد السنيورة. أهلاً بك دولة الرئيس على شاشة الإخبارية. مارسيل كرم مراسلتنا من بيروت قبل قليل أشارت الى التغير الكبير في تصريحات نبيه بري، حيث أنّه ناقض تصريحاته السابقة وتمسكه الكبير بحزب الله ونصر الله وبترشيح فرنجية. الآن ومنذ أكتوبر 2022 لم ينتخب لبنان رئيساً جديداً للجمهورية. ما الذي تغير الان للحديث عن الانتخاب هل رحل المعطل أم هو خشية من تصعيد اسرائيلي ام ماذا بالضبط؟
ج: بدون شك أنه قد طرأت خلال الأسبوعين الماضيين مستجدات كبرى على الصعيد اللبناني، وكذلك على صعيد المنطقة. بدايةً، نُذكِّر انه، وفي يوم الخميس السادس والعشرين من هذا الشهر، أي قبل اربعة ايام صدر اعلان عن اجتماع جرى بين الرئيس بايدن والرئيس ماكرون، وبالتالي انضم اليه ثمانية موقعين آخرين من دول عربية وأجنبية، الولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا وايطاليا واليابان وأستراليا وكندا، وأيضاً المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية وقطر للإعلان عن هدنة مؤقتة لمدة 21 يوماً على أساس ان يصار الى التقدم بعدها من اجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار. ومع أنّ إسرائيل أعلنت عن موافقتها على ذلك الإعلان، إلاّ أنها من ثم تراجعت، حيث طرأت بعد ذلك مستجدات عديده، ولاسيما قيامها باغتيال السيد حسن نصر الله مع ما كان لذلك من تداعيات خطيرة وكبيرة على أصعدة كثيرة.
اليوم ما سمعناه من الرئيس ميقاتي بعد اجتماعه مع الرئيس بري، وحيث اجتمعت بعد ذلك بالرئيس ميقاتي، وحيث تطرّقنا إلى خمسة أمور: الامر الأول، أنه وفي ضوء هذه المتغيرات، ولاسيما بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، فإنّ هناك حاجة ماسة من أجل جمع صفوف اللبنانيين والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية في لبنان. وهذا أمر ضروري جداً. كذلك ينبغي ان يصار الى تعزيز دور الدولة واعادة الاعتبار لها بعد هذه المرحلة الطويلة من التغييب لدورها ولسلطتها نتيجة الاختطاف الذي مارسه حزب الله ومن ورائه الجمهورية الإسلامية الإيرانية للدولة اللبنانية. ذلك بات يستوجب ضرورة العمل على استعادة دور الدولة اللبنانية وسلطتها وهيبتها. ذلك بالإضافة إلى ما ينبغي العمل عليه لتعزيز التضامن الوطني، وبما يسهم في تخطي الكثير من المشكلات الداهمة، ولاسيما بنتيجة ما طرأ على الساحة اللبنانية والإقليمية بنتيجة اغتيال السيد نصر الله.
الامر الثاني، هو ضرورة التوصل إلى أن يعلن مجلس الأمن الدولي وقفاً لإطلاق النار، وذلك بناء على الالتزام من قبل إسرائيل ولبنان بإعادة الاعتبار والالتزام بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته. في هذا الصدد، يجب أن نعلم جيداً انه وفي العام 2006، صدر القرار الدولي عن مجلس الأمن. للأسف، لم يلتزم به حزب الله، وقبله وبعده، أيضاً لم تلتزم به اسرائيل على الاطلاق. لذلك، فإنّه من الضروري العودة إلى الالتزام به وتطبيقه من اجل التوصل الى وقف جدي ودائم لإطلاق النار.
فعلياً هذا القرار الدولي ينص في مندرجاته على انه يحظر ويمنع استيراد السلاح الى لبنان من قبل أي طرف من خارج إطار الدولة اللبنانية او من قوات اليونيفيل الدولية. كذلك ينص على أن لا يكون هناك من وجود للسلاح جنوب نهر الليطاني.
الامر الثالث، وهو الأمر الضروري للاتجاه نحو الاتفاق بشأنه، وهو بالمناسبة ما لم يتم التطرق إليه بشكلٍ واضح من قبل الرئيس ميقاتي بشأن حسم مسالة ربط الساحات، أي ربط الساحة اللبنانية بالساحة في غزة، وهو الأمر الذي من الضروري فكفكة عقدته.
الأمر الرابع، هو موضوع يتعلق بدعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث أنه قد مضى الان قرابة سنتين على لبنان بدون أن ينتخب المجلس النيابي رئيساً جديداً للجمهورية وهذا أمر من الضروري أن يحصل اليوم قبل الغد لأنَّ رئيس الجمهورية هو الذي يمثل الدولة اللبنانية وهو رمز وحدة الوطن.
الأمر الخامس، المطالبة بتقديم الدعم اللازم للبنان ليتخطى هذه الازمة الخطيرة.
هذه هي النقاط الخمسة الذي جرى التداول بها هذا اليوم مع الرئيس ميقاتي.
س: الدولة الرئيسية أن لا يكون هناك وجود للسلاح المتفلّت عن الدولة اللبنانية جنوب الليطاني ولكن اسرائيل اشترطت لوقف إطلاق النار تحريك حزب الله الى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه هل لبنان قادر على نزع سلاح الحزب وليس فقط أن لا يكون هناك وجود للسلاح جنوب الليطاني؟
ج: هذا الامر ينبغي النظر إليه الان في ضوء المعطيات الجديدة، وأيضاً في ضوء الاعتداءات التي لاتزال تمارسها إسرائيل على لبنان واللبنانيين، ويستمر معها هذا التدمير المنهجي. وهذا القتل الوحشي للمدنيين الذي يشكّل عمليات اباده ومجازر يومية ترتكب بحق اللبنانيين.
لذلك وفي ضوء استمرار هذا التدهور، وعلى أكثر من صعيد، فإني أرى أنّ هناك دوراً في لبنان يبحث عن بطل يتولاه. ولذلك، أرى أنه يجب على الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري أن يقوما بهذا الدور، ويكونا البطلان اللبنانيان اللذان يقومان بهذا الدور. هذا الدور هو من أجل جمع اللبنانيين، والتأكيد على تضامنهم من أجل تحقيق الإنقاذ الوطني، وبالتالي ايضا التحدث، وبشكل صحيح وعاقل، مع جميع الفرقاء السياسيين لكي يتم التوصل إلى النتيجة المتوخاة باستعادة الاعتبار للدولة اللبنانية، ولاسيما وأن هذا المسار الذي ساره حزب الله حتى الآن، والذي أدّى إلى تهميش الدولة اللبنانية، وحيث حلّت محل الدولة سلطة سلاح المقاومة على أساس- وكما يقول- أن الحزب هو الذي يحمي لبنان، وهو المؤهل لذلك. هذا المسار وهذه النظرية أثبتت الأحداث اللاحقة عدم صحتها. على العكس من ذلك، فهذا المسار أدّى إلى سفك دماء بريئة وإلى فشل عميم وانهيارات. فغياب للدولة وتهميشها، وحيث حلّت محلها سلطه الميليشيات التي تستقوي على الدولة اللبنانية، أوصلتنا إلى تفاقم هذه الانهيارات على كل الصعد الوطنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية. ولهذا الامر، فإنه بات من الضروري ان يلعب كل من الرئيس ميقاتي، ولأنه هو رئيس السلطة التنفيذية، وكذلك رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أن يلعبا هذا الدور الوطني لاستعادة الاعتبار والسلطة والهيبة للدولة اللبنانية.
المشكلة أنه ليس هناك من رئيس للجمهورية يتولى إقناع حزب الله بان هذا الطريق الذي عمل عليه خلال هذه العقود الماضية غير مجدي على الاطلاق وان هناك حاجة من اجل ان يتم التقدم باتجاه ان يتحول حزب الله الى حزب سياسي. في الحقيقة، يجب على الجميع أن يدرك أنه ما عاد هناك من وقت كثير للبنان حتى يتجنب اللبنانيون حدوث الكارثة الاكبر والمزيد من الانهيارات، وهي النهاية التي سوف يدفع ثمنها اللبنانيون ومن ضمنهم حزب الله ومناصروه.
س: هل تعتقد بان الوقت قد حان من أجل مساعدة لبنان على تجنب هذه الكارثة التي تحدثت عنها ونحن نتحدث الان هناك انباء عن فرق الاستطلاع الإسرائيلية تدخل يعني للمراقبة وتقييم عمليات الاجتياح للبنان من قبل إسرائيل. يبدو أن ذلك صحيحاً للدخول إلى لبنان. وبالتالي هناك إمكانية إعادة انتشار هل تتوقع في حال جرى الاجتياح المحدود الاسرائيلي احتماليه اشتباك بين الجيش اللبناني مع اسرائيل ام لا؟
ج: الاجتياح البري المحدود للبنان من قبل إسرائيل. هذا الأمر لاتزال إسرائيل تضعه من الاحتمالات الواردة لديها من أجل- وكما تدّعي إسرائيل- تدمير البنى التحتية التي بناها حزب الله في منطقة الجنوب. في هذا الصدد، لا بدّ لي من أن أشير أن هناك موقفاً ملتبساً للولايات المتحدة الأمريكية وكلنا يعلم مقدار وأهمية الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في التأثير على إسرائيل. في هذا الصدد، فإنه من الضروري ان نفهم حقيقة ماذا تريد الولايات المتحدة. في هذا الشأن نسمع كلاما من الرئيس بايدن ونرى منه تصرفاً مختلفاً ومغايراً لما يقوله. وهو بذلك يسري عليه القول: "اسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك استعجب". إذْ هو يطالب بوقف إطلاق النار لكنه من جهة ثانية يترك لإسرائيل، ويسمح لها ويشجعها على أن تستمر وتغالي في ارتكاب هذه الاعتداءات على لبنان وهذه الجرائم التي ترتكبها بحق اللبنانيين. هذا بالإضافة الى أنه يُقدِّم لها العون المادي والدعم العسكري اللامحدود. وكلنا سمعنا مؤخراً بمقدار العون المادي الذي تريد أن تقدمه الولايات المتحدة. ومع ذلك يستمر نتنياهو متباهياً بانتقاد الإدارة الأميركية والرئيس بايدن، لا بل يتهمهما بأنهما منصاعان لحزب الله ولإيران. وكل ذلك التجرؤ بنتيجة تأثير اللوبي الصهيوني على الإدارة الأميركية، ولاسيما في فترة الانتخابات الأميركية.
فعلياً، لايزال نتنياهو مصمما على ان يخطو هذه الخطوة في العملية البرية ضد لبنان. المشكلة في ان هذه العملية إذا قامت بها إسرائيل، فإنها فعلياً سوف تدخل في رمال متحركة ويمكن ان تؤدي الى مصاعب كبيرة، وعلى أكثر من صعيد، ومنها إطالة أمد الحرب على لبنان. وإطالة امد الحرب تعني مزيداً من الخسائر البشرية بالنسبة للبنان، ومزيداً من التدمير ومزيداً من المآسي، ولاسيما ان لبنان أصبح يعاني من أزمة النازحين اللبنانيين المتفاقمة. ذلك إضافة إلى ذلك العدد الكبير من النازحين السوريين. حيث أنه، وحسب مصادر رسمية، فإنّ عدد النازحين اللبنانيين عن قراهم وبلداتهم من الضاحية الجنوبية بات يفوق المليون انسان، أي حوالة 20% أو 25% من مجموع عدد السكان في لبنان الآن، وهم الذين أصبحوا نازحين وفي حاله يرثى لها.
هذا لا يجوز، وهذا بحد ذاته ليس فقط أمراً غير إنساني وغير مقبول، بل هو بالفعل أيضاً بمثابة قنبلة اجتماعية وسياسية موقوتة يمكن أن يتأتى عن انفجارها مشكلات داخلية تمس السلم الأهلي في لبنان.
س: طيب إذا سمحت لي دوله الرئيس عذرا للمقاطعة يعني الان هناك دور كبير لميليشيات حزب الله في سوريا بعد مقتل قاسم سليماني وبالتالي الاسد اغلق مكتب تجنيد الحزب هؤلاء سيعودون او سيخرجون من سوريا سيعودون الى لبنان ليس لديهم عمل ولا مال ما تأثير ذلك على الامن ومن وزيادة هذه الارقام التي ذكرتها عن النازحين؟
ج: لا بدّ لي في هذا المجال أن أبين، وباختصار شديد، انه كان لحزب الله في السابق دوراً وطنياً كبيراً، حيث قام بدور وطني هام على مدى العقدين الأخيرين من القرن الماضي وحتى العام 2000 من أجل الاسهام في اخراج اسرائيل من لبنان عندما كانت اسرائيل تحتل لبنان. ولكن هذه البندقية التي كانت موجهة إلى صدور الإسرائيليين آنذاك تحولّت، وللأسف، بعد العام 2000، وتحديداً بعد العام 2006، حيث أصبحت موجهة نحو صدور اللبنانيين. واضف الى ذلك، فقد تحوّل حزب الله، وبشكلٍ كبير، بعد ذلك إلى اداة تستعملها إيران ليس فقط لفرض نفوذها في لبنان ولكن لتستعمله أيضاً لفرض نفوذها في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي مناطق أخرى. هذا الامر بات يشكّل ضرراً كبيراً على لبنان وضرراً كبيراً على اللبنانيين وضرراً هائلاً على علاقة لبنان مع اشقائه العرب ومع علاقاته مع أصدقائه في العالم. لذلك أرى أنّ الآن هو الوقت الذي يجب على الجميع ان يرتفع الى مستوى المسؤولية التي تفرضها الأوضاع الشديدة الهول التي يمرّ بها لبنان وتمر بها المنطقة. ولذلك تجب المبادرة إلى إجراء المحاولات الداخلية لاحتضان حزب الله تحت سقف الدولة اللبنانية، أي أن يعود الحزب الى الدولة وبشروط الدولة وليس بشروطه هو. هذا هو الاساس من اجل تخطي هذه الازمة الخطيرة، وليس أن نتقدم باتجاه التسبب بخلق اشكالات اضافيه نحن بغنى عنها.
فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني الاسبق من بيروت شكراً جزيلاً لك.