اشرف الناس
من المعروف عن الرئيس الشهيد الكبير رفيق الحريري انه يعرف كيف يختار معاونيه، وهو بمجرد نظرة منه الى الشخص كان يدرك وسريعاً قدرات هذا الذي أمامه، وهذه سمة من سمات الرئيس الشهيد، وحتى أيضاً قاعدة من قواعد نجاحاته في المجالات كافة. وليس في الامر غرابة، إذ ان الرئيس الشهيد الذي بدأ من الصفر سرعان ما أصبح من كبار رجالات العالم على الصعيدين الاقتصادي والمالي، ومن ثم من كبار السياسيين في لبنان والعالم، وقد مثل ثقلاً نوعياً كبيراً، حتى انه اعتبر في مصاف الزعماء الدوليين.
... إن معيار النجاح، ونحن اليوم في عصر المؤسسات، يكمن بطريقة اختيار المساعدين والمديرين، خصوصاً لشركة كبيرة في البداية، ومن ثم في الحكم، وهذه العملية ليست سهلة على الاطلاق، ولكن الرئيس الشهيد الكبير رفيق الحريري كان يملك فرادة مميزة في تذليل الصعوبات، وهو، كان دقيقاً جداً في اختيار معاونيه، وأحد اكتشافاته في هذا المجال هو الرئيس فؤاد السنيورة، الذي أثبت جدارة في عمله وفي الميادين كافة. يحضرني هنا أن الرئيس سليم الحص كان يردد قائلاً "الله يعين كل من يأتي لرئاسة الحكومة بعد رفيق الحريري"، وهذا كلام حق، إذ أن الرئيس الحريري كان مقياسه دولة كاملة، ومن سيأتي بعده لن يستطيع تعبئة الموقع، وسيشعر المواطن بالفراغ الذي تركه رفيق الحريري.
لقد شكل الرئيس سليم الحص حكومة استمرت سنتين، وهو كشخص لا إشكالية حوله، ولكن تشكيلته الحكومية، التي ربما فرضت عليه، لم تكن كفوءة، وجاءت وقتها الانتخابات النيابية، وحاسب الناس هذه الحكومة ومعها رئيس الجمهورية حينها اميل لحود، فسقط الرئيس سليم الحص، وكان أول رئيس حكومة لا يفوز في انتخابات نيابية في هذا البلد. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإجراء انتخابات نيابية جديدة، شكل الرئيس فؤاد السنيورة الحكومة، وأبدى خلال رئاسته صلابة وعقلانية وحكمة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري يعرف أكثر من غيره مدى الصلابة التي أبداها فؤاد السنيورة، خصوصاً في الايام الصعبة، وأذكر أن المعارضة نزلت الى الشوارع، وأعلنت الاعتصام في الوسط التجاري، وتهيأت لاقتحام السرايا الحكومية، وجاء ضابط أمن الى الرئيس فؤاد السنيورة ليبلغه انه قد تم تأمين خروجه من السرايا، ولكن الرئيس السنيورة أجابه حينها إنه لن يخرج، وسيبقى جالساً على كرسيه، وإذا اقتضى الامر فإنه مستعد للموت عليها، وأضاف "قدري أن أكون رئيساً لحكومة لبنان، وأنا مستعد للتضحية من أجل المبادئ التي أؤمن بها".
كل الذين هاجموا الرئيس فؤاد السنيورة، ومارسوا التهويل عليه، فوجئوا بصلابته، وتمسكه بمواقفه، ورفضه المساومة على ما يؤمن به، وهو لم يكن همّه إلا الحفاظ على الشرعية ومؤسساتها، ومنع انزلاق لبنان نحو المجهول. ودوره اثناء حرب تموز عام 2006 لا غبار عليه، وهو، جال العالم مطالباً بوقف العدوان الاسرائيلي ضد لبنان، وقد وصف الرئيس نبيه بري حكومة السنيورة في ذلك الوقت بحكومة المقاومة السياسية. واليوم، يتم التهجم على فؤاد السنيورة بطريقة سيئة للغاية، والهدف من ذلك استفزازه ومحاكمة مرحلة مهمة وصعبة من تاريخ لبنان، ولكن الثابت تماماً أن السنيورة نظيف الكف، وقد لعب أدواراً بناءة في كل المواقع التي شغلها، ووطنيته واضحة لا غبار عليها، وهو كان ولا يزال يحمل هموم الدولة والمواطن، وتاريخه يشهد له أنه عمل ولا يزال لبناء دولة قوية كفيلة بحماية كل المواطنين.
إن الرئيس سعد الحريري عندما يقول إن فؤاد السنيورة خط احمر، وإنه من أشرف الناس، ولا يستطيع أحد ان يفرّقه عنه، إنما هي شهادة وطنية بامتياز بحق رجل وطني بامتياز، ومن نجل الرئيس الشهيد الكبير رفيق الحريري، وهو اليوم رئيس وزراء كل لبنان. إن الرئيس فؤاد السنيورة، اثناء رئاسته حكومة لبنان، كان على حق في كل ما فعل، وللتاريخ، فإن هذا الرجل قد حافظ على وحدة لبنان واستقلاله وسيادة القانون على أرضه، وصلابته ومواقفه الشجاعة هي التي أدت الى بقاء المؤسسات الدستورية.
الشرق : 23/8/2010