الرئيس السنيورة لصوت العرب: رئيس الجمهورية لايزال كما كان قبل أكثر من ثلاثين عاماً عندما أعلن رفضه لاتفاق الطائف

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

اجرت اذاعة صوت العرب حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول اخر التطورات في لبنان وفي ما يلي نصه:

س: دولة الرئيس ربما التعطيل مستمر وتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية الاساسية واستمرار التعقيدات في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية تنبئ بعدم بروز أي بوادر للحل. كيف تبدو التطورات في ظل هذه التعقيدات.

ج: تحياتي لك ولسائر المستمعين لإذاعة صوت العرب. الحقيقة، أنّ الأمور كانت ولاتزال كما كانت قبل عدة أشهر وذلك بسبب الاستعصاء الذي يمارسه رئيس الجمهورية ومن خلفه يتلطى حزب الله، وهما الطرفان الأساسيان الذي لكل واحد منهما مخططه وأجندته لأجل ان يحظى بمزيد من التسلّط والإطباق على الدولة اللبنانية.

رئيس الجمهورية لايزال كما كان قبل أكثر من ثلاثين عاماً عندما أعلن رفضه لاتفاق الطائف ولازال يتخذ موقفاً مخالفاً لهذا الاتفاق، والذي أصبح دستور الأمة والدولة اللبناني. ومع ان الرئيس عون كان قد أقسم على احترام الدستور عندما انتخب في العام 2016، ولكنه لايزال- وياللأسف- وحتى الآن يتصرف وكأنه في حالة عداء مع هذا الدستور ومخالفاً لما أقسم عليه. وبالتالي، هو يقف ضد الالتزام بالطريقة الدستورية التي يجب ان تعتمد في عملية تأليف الحكومات. ومن جهة ثانية، فإن جلّ همه هو كيف يمكن له أن يستعيد الاعتبار لصهره الذي تعرض للعقوبات الأميركية، وبالتالي يسعى من أجل تمكينه من أن يصبح رئيساً للجمهورية أي أنه يريد ان يورِّثه، وهذا أمر مخالف لنظامنا الديمقراطي البرلماني.

س: دولة الرئيس اللبنانيون يحملون الطبقة السياسية برمتها مسؤولية الاختيار. نحن نتحدث عن تأزم سياسي على صعيد الشارع وتستمر المعاناة الاقتصادية والمعيشية للبنانيين.

ج: بدون أدنى شكّ، انّ هناك مشكلات خطيرة وكثيرة ضاغطة على جميع اللبنانيين وعلى الدولة اللبنانية. وهذه المشكلات تراكمت على مدى سنوات عديدة بسبب الاستعصاء الذي مارسه ولايزال يمارسه الكثير من السياسيين وأيضا في المجلس النيابي، وجرت ممارسته في العديد من الحكومات اللبنانية المتعاقبة، والذين لايزالون يتبارون في الاستعصاء على القيام بالإصلاحات التي يفترض بلبنان أن يعتمدها ويطبعها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والإدارية. وأيضاً من أجل ترشيق دولته، ومن أجل أن يصار الى ضبط العجز المزمن في الموازنة والخزينة. وكذلك من أجل إعادة الاعتبار للدولة اللبنانية التي أصبحت رهينة حزب الله. وهذا كلّه، وكذلك أيضاً بالاستعصاء عن القيام بالإصلاحات في الشأن السياسي. وهذا كلّه، والذي يؤدي إلى استمرار الاختلال بالتوازنات الداخلية واستمرار الاختلال بالتوازنات الخارجية بحيث أصبح لبنان في حالة عداء مع محيطه العربي. وهذا الامر ظهر واضحا منذ العام 2011 عندما حصل الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري وجرى إسقاط حكومته. ذلك لأنّ جميع المؤشرات اللبنانية والاقتصادية والمالية والنقدية تشير إلى أنه، ومنذ العام 2011، يتبيّن بأنّ هناك تردياً كبيراً على صعيد النمو الاقتصادي، وكذلك في تصاعد العجز في الموازنة والخزينة بشكل كبير، وكذلك على صعيد الزيادة الكبيرة في حجم الدين العام وتحول ميزان المدفوعات الى سلبي خلال هذه السنوات العشر الماضية. وكذلك أيضاً في ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، وفي تحول الاحتياطي لدى مصرف لبنان من العملات الصعبة إلى سلبي.

يضاف إلى هذه المؤشرات السلبية، الاستعصاء الذي لايزال يمارسه رئيس الجمهورية في عملية تأليف الحكومة، وتصميم حزب الله على الالتزام بمخططه من أجل أن يستبقي الحالة اللبنانية تحت سيطرته، ولكي يجيرها لصالح إيران لتستعملها إيران بدورها في زيادة قوتها التفاوضية مع الولايات المتحدة ومع الغرب، والجارية الآن في فيينا.

س: إذا الأوضاع الداخلية هي تصفية حسابات ومكاسب على حساب اللبنانيين ولكن تحديدا في نقطة أساسية كان هناك محاولات للحصول على مساعدة لإنقاذ لبنان. هل لم تعط ثمارها؟

ج: نعم، المشكلة أن لبنان قد أصبح الآن ساحة لتصفية الحسابات أو للمنازلات بين الأطراف الدولية والإقليمية.

من جهة ثانية، فإنّ الواقع يبين ان جميع الأصدقاء والاشقاء في العالم حددوا مواقفهم استناداً إلى ما أبلغوه للبنان، وعلى مدى عدة سنوات ماضية، أنّ ليس هناك من مجال لمساعدة لبنان إذا لم يبدأ لبنان بمساعدة نفسه. ومساعدة لبنان لنفسه تبدأ بالمبادرة إلى القيام بالإصلاحات اكانت على الصعيد السياسي ام كانت على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي والإداري. لأنّ عقدة هذه الأمور هي بيد أولئك السياسيين الذين أطبقوا على الدولة اللبنانية، وبالتالي لايزالون شديدي الحرص على ان يستولي كل فريق من الفرقاء على حقائب وزارية او مصالح إدارية في الدولة اللبنانية ويستتبعوها لتعزيز نفوذهم السياسي. وهم بذلك قد أسهموا أيضا بتخريب النظام الديمقراطي اللبناني عبر أسلوب حكومات الوحدة الوطنية، التي يتمثل فيها الجميع، ويمارسون فيتواتهم المتبادلة ومشاحناتهم، مما يجعل من الصعب التوصل إلى القرار الصحيح. وبالتالي في إفشال عملية المساءلة والمحاسبة الحقيقية.

النظام الديمقراطي اللبناني نظام سليم وجيد، ولكن الممارسات التي تتم من أولئك السياسيين جعلت الحكومات اللبنانية تصبح على شاكلة جميع الأحزاب الموجودة في البرلمان، وبالتالي فَقَدَ النظام الديمقراطي الآليات الديمقراطية للمحاسبة والمساءلة والتي يفترض أن يقوم بها مجلس النواب اللبناني وتقوم بها المعارضة. ذلك بسبب أنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة ومنذ العام 2008 أصبحت حكومات الوحدة الوطنية، أي أنّ جميع الأحزاب الممثلة بمجلس النواب أصبحت هي ذاتها ممثلة بالحكومات المتعاقبة. وبالتالي فقد النظام الديمقراطي قدرته على ان يحاسب الحكومة عبر المعارضة، وبالتالي لم يعد هناك من يصوب الأخطاء الموجودة. هذه الأمور أدّت إلى الفشل الذريع في موضوع المساءلة والمحاسبة من خلال النظام.

وكما ذكرت لايزال حزب الله يصرّ على الوقوف وراء رئيس الجمهورية ويدعمه. وهذا بالتالي يؤدي إلى إطالة امد المشكلات في لبنان حيث يستخدمها الحزب في تعزيز القوة التفاوضية لإيران ضد الولايات المتحدة. وهذا ما نراه تنفيذاً لقاعدة الأوعية المستطرقة من خلال تدهور الأوضاع في اليمن والعراق وما نراه في سوريا. فبالتالي، هذه كلها أدوات يستعملها حزب الله من اجل ان يديم سلطته وتسلطه على الدولة اللبنانية في الواقع وحتماً فإنّ الحزب يستثمر في عذابات اللبنانيين، وذلك لمصلحة إيران التي تستخدم لبنان لابتزاز الغرب في المفاوضات الجارية في فيينا.

س: الرئيس سعد الحريري ربما ذهب بمقترحات وذهب لإنهاء الازمة وتوجه بتشكيلة حكومة لرئيس الجمهورية. الآن لدينا ثلاثة نقاط أولا مبادرة الرئيس نبيه بري ثانيا المبادرة الفرنسية ثالثا التغيير في تشكيلة الحكومة والمرونة التي أبداها السيد سعد الحريري لإنقاذ لبنان من هذه المآزق السياسية. كيف تصب كل هذه الحركات ومن ترضي؟ هل فشلت جميعها؟

ج: الواقع انه حتى الآن ليس هناك من تقدم ولكن لا يزال سعد الحريري متمسكا بمبادئ المبادرة الفرنسية وهي ان تكون حكومة من المستقلين غير الحزبيين من الذين اثبتوا جدارتهم بكفاءاتهم واختصاصاتهم وعلى أن تقوم هذه الحكومة بإجراء الإصلاحات اللازمة. فلقد كانت وجهة نظر الحريري في السابق ان تكون حكومة مصغرة من ثمانية عشر عضوا اما مبادرة نبيه بري فإنه اقترح على ان يصار إلى أن تكون حكومة من أربعة وعشرين وزيرا.

س: يعني حتى الآن يصبح دون ثلث معطل؟

ج: وكل ذلك ينبغي ان يكون من دون أي ثلث معطل لأي فريق. في هذا الشأن، فإنّ هناك مفارقات كبيرة. فنحن نسمع الآن بحكومة اختصاصيين مستقلين وبعد ذلك نسمع ان هناك من يريد أن تكون له سلطة على الحكومة وله ثلث معطل. هذان الأمران لا يتفقان وعلى اية حال الفكرة الأساسية ان يكون أعضاء الحكومة من المستقلين غير الحزبيين، وعدم وجود أي ثلث معطل لأي فريق.

الآن هذه المبادرة الفرنسية والتي تنسجم وتتفق معها مبادرة الرئيس نبيه بري. ليس هناك من خيار آخر سوى أن يتقدم الرئيس سعد الحريري بمشروع تشكيلة جديدة من 24 عضوا للوزارة وان يضعها عند رئيس الجمهورية. بعد ذلك فإذا لم يتجاوب الرئيس ويسهل عملية التأليف، فإنّ ذلك يعني أن رئيس الجمهورية لايزال يستعصي لأنّ ليس همه أن تتألف الحكومة بل همه مصيره ومصير صهره. هذا علماً أنه قد مضى على وجود رئيس الجمهورية في الحكم حتى الآن قرابة 56 شهرا ولم يبق لديه الا 14 شهرا باقية من عهده. السؤال الذي يجب على الرئيس أن يسأله لنفسه ماذا أنجزت للبنان خلال مدة ولايتي؟ ماذا حقق هذا الرئيس؟ هل صحيح أنه نجح في تحسين أوضاع اللبنانيين؟ للأسف، كل ما تم في عهده هو مزيد من الغرق في المشكلات السياسية والاقتصادية والخلافات الداخلية في لبنان والمزيد من التدمير والانهيارات التي أصبح يعاني منها لبنان واللبنانيين في مختلف المجالات والقطاعات.

كل ما نتمناه ان تعود الحكمة الى رئيس الجمهورية ويتصرف على انه رئيس للجمهورية وحسب ما يقتضيه الدستور اللبناني بكونه هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. أي أنّ عليه ان لا يتصرف كفريق، ولكن كحكم بين الفرقاء السياسيين. هذا هو جانب من المشكلات التي يعاني منها لبنان بسبب ذلك الخطأ الكبير، لا بل الخطيئة الكبرى التي ارتكبت في لبنان، والتي أصبح بنتيجتها العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

 

 

تاريخ الخبر: 
13/10/2021