كلمة الوزير السنيورة بمناسبة اليوبيل الذهبي لجمعية العناية بالطفل والأم
أيها السيدات والسادة،
ليست خمسين عاماً من العطاء، كل يوم فيها يعادل العمر كله، وليست يوبيلاً ذهبياً، كل يوم عطاء منها، هو بمثابة يوبيل ذهبي. فالعطاء لا يقاس بالسنين، قيمة العطاء في ذاته، فلكم في العطاء حياة، حياة لمن أعطى وحياة لمن أعطي، في العطاء حياة للنفس البشرية، في العطاء تطهير للنفس وسموّ بها إلى أعلى درجات الإنسانية والشفافية، تتطهر النفس بالعطاء، وتسمو الروح حتى لتغدو أرق من النسيم، ويعود فيه الإنسان إلى سكينته ويسكن الاطمئنان والفرح قلبه.
وما احتفالكم هذا باليوبيل الذهبي لجمعية العناية بالطفل والأم إلاّ تعبير عن هذا الفرح، ولست أرى في هذه الوجوه الباسمة، اليوم، إلا الفرح، واجتماعنا هذا هو اجتماع للفرح، فرح للعطاء، وكم يحق لجمعيتكم أن تحتفل وتزهو بفرح عطائها، وأن تحفظ عطاءها وتتوجه في هذا الإصدار لكتاب الإيمان والعطاء الذي ينبض كل حرف فيه بالإيمان والمحبة والإيثار، وتعكس كل صورة فيه، مدى الجهد والسهر والتضحيات التي بذلت في سبيل عناية ورعاية أطفالنا وأمهاتنا وآبائنا، وفي سبيل إدخال البسمة إلى العيون الحزينة وإدخال الفرحة إلى القلوب المستوحدة والعطشى إلى الحب والحنان.
أيتها الرئيسة الفاضلة،
كانت جمعيتكم، جمعية العناية بالطفل، أولى الجمعيات، التي حضنت الطفل ورعت الأم وحبت الشيخ، وفهمت العطاء بذلاً وتضحية، وجعلت الرعاية الصحية والاجتماعية رسالة ونكراناً للذات، فقدمت لإنسانها ولمجتمعها الكثير، وأعطت صورة زاهية للعمل الإنساني والاجتماعي، فأصبحت قدوة ونبراساً لأقرانها، وأضحت مثالاً صادقاً للخير ومدرسة للعطاء، وتجاوز عملها ونشاطها حدود العناية والرعاية الصحية والاجتماعية، فخاضت عبر المؤسسات المهنية والتقنية التي أنشأتها، ميدان التعليم المهني والتقني، بمختلف وجوهه، فأسهمت إسهاماً بارزاً في خدمة الوطن والمجتمع، بتهيئة الأجيال والنشأ اللبناني، تهيئة علمية ومهنية وأخلاقية، ليكون النواة الصالحة لبناء دولة فتية وحديثة ومتطورة، وبناء مجتمع سوي يقوم على فكرة التكافل والتضامن بين أبنائه وفئاته، وينعم فيه الإنسان بالطمأنينة والأمان والسلام.
إنكم في ما تفعلون، إنما تساهمون في بناء المجتمع، تساهمون في بناء الوطن، تساهمون في إعادة الحياة إلى البلاد. إن عملكم هذا هو الجهاد الأكبر، والجهاد الأكبر ليس فقط جهاد النفس عن الهوى والآثرة والمفاخرة والانحراف، ولكنه أيضاً المشاركة في بناء الدولة والمجتمع.
في خضم الحرب حملتم المسؤولية، وكنتم مشاعل ا لحرية والإنسانية، ورسل السلام والمحبة، ورويتم بعرقكم بذور الخير التي زرعها الله في قلوب الناس، فاذهرت فرحاً وروداً ورياحين في قلوب الأطفال والأمهات والشيوخ. في غياب الدولة بادرتم لنصرة الإنسان والأخذ بناصية الضعيف والمحتاج وتوفير علم نافع لأبنائنا يقيهم شر الفقر، وذل السؤال، وظلمة الطريق.
منكم نتعلم المسؤولية، ومنكم نتعلم المواطنية، ومنكم نستلهم إرادة الصمود وإرادة الحياة. المسؤولية كما نفهمها ونمارسها، خدمة لا جاه، المسؤولية عمل لا تواكل، المسؤولية تواضع لا تفاخر، بذل وعطاء، وأنتم من أوائل من حمل هذه المسؤولية، فمنذ سنة 1944 بدأت قوافل من سيدات مجتمعنا الأفاضل، نذرن أنفسهن لعمل الخير، طنشت في حقل رعاية الطفولة والأمومة، وكبر الحلم مع الزمن حتى وصلن به اليوم إلى هذا الصرح الإنساني والحضاري الذي يرتفع رمزاً للعطاء، وشاهداً على الإنجاز العظيم لسيداتنا الأفاضل عبر خمسين سنة من الزمن.
كم هي مؤنسة ومفرحة، أيها السيدات والسادة، مثل هذه العطاءات، تجعلنا أكثر فرحاً وأكثر قرباً، من أنفسنا، وبعضنا من البعض الآخر، تنسينا، ولو إلى حين بعضاً من شؤون السياسة وهمومها، إذا لم نقل، بعضاً من عقوقها، ولكن لا تنسينا أبداً مسؤولياتنا، تجاه مجتمعنا، تجاه أطفال الوطن، وأمهات الوطن، وشيوخ الوطن، تجاه هذه المؤسسات الكريمة التي تضطلع بخدمة جليلة وعظيمة نحو الوطن والتي تشيع الخير والفرح والمحبة، وتبني للغد والمستقبل، وعلينا واجب كبير تجاهها، لا يقف عند حدود الإشادة والتقدير، بل يتعدى ذلك إلى واجب التشجيع والدعم والمساندة بشتى أشكالها.
أيتها الرئيسة،
تحية كبيرة أحملها إليك وإلى أعضاء الجمعية، من دولة رئيس مجلس الوزراء، راعي هذا الاحتفال، ملؤها الاعتزاز والفخر لما تقومون له من أعمال ونشاطات وإنجازات في سبيل خدمة إنسانكم ومجتمعكم، وهو خير من اهتم بالشباب والناشئة، وأولاهم العناية والرعاية، وهو الذي يعمل على أن يكون لهم الوطن الذي يرضي طموحهم وأحلامهم.
بوركت أيديكم التي تعمل للخير، ولتكن أيدينا جميعاً ممدودة لكل عمل خير، ولتكن قلوبنا مفتوحة على العطاء، كل العطاء.
والسلام.
قاعة حسانة الداعوق- بيروت
25/11/1994