كلمة الوزير فؤاد السنيورة بمناسبة رأس السنة الهجرية
أيها الإخوة،
في الملمات، وفي الخطوب، توحد الأمة كلمتها وتتجمع عناصرها، ويلتحم أفراد الشعب في وحدة متراصة للذود عن حياضهم وصون كراماتهم، وأمتنا تمر اليوم في أحداث جلل، تحيط بها الخطوب، وتحيق بها المخاطر، وتحاك من أمامها ومن خلفها المؤامرات، الاعتداءات تتكرر على أهلنا، وكل يوم تنتهك سيادتنا وتحتل أراضينا، ويسقط الشهداء مضرجين بدمائهم غدراً وعدواناً، على مرأى من الجميع، والعالم لا يرف له جفن، وفي كل مناسبة نستصرخ الضمير العالمي أن يتحرك لوقف العدوان، ويتوجه المسؤولون باستنكاراتهم وشكاويهم إلى مجلس الأمن ولا من يجيب، كأننا بتنا نعيش في غاب، الغلبة فيه للأقوى، والشرعية للمغتصب، فأي نظام عالمي جديد يبشرننا به، نفهم بالنظام عالم يحكمه القانون، وتسود فيه العدالة، ويحق فيه الحق، ولكننا لا نرى في هذا النظام العالمي الجديد، سوى نظام الظالمين ونظام المعتدين، وقانون الأقوياء والضالين. إنه النظام الاستعماري الجديد الذي يحاول الهيمنة على مقدرات الشعوب، ويعمل على اغتصاب ثروات الأمم، ويسعى إلى إحكام قبضته على العالم بأسره. إنه الخطر الذي يطرق الأبواب مرتدياً زي الحضارة والتقدم والرقي وهو ينوي طردنا من بيوتنا ونهب ثرواتنا والقضاء على تراثنا ومحو تاريخنا وقيمنا وحضارتنا.
لقد آن الأوان، أيها الإخوة، لنعلم حقيقة نيات عدونا وعدو البشرية جمعاء، لقد حان الوقت للنفض عنا غبار الكسل والتواكل والجهالة، لقد أزفت ساعة اليقظة والوعي واستنهاض الهمم، لم يعد جائزاً لنا محاربة بعضنا البعض، لم يعد مسموحاً لنا نصب الأفخاخ لبعضنا البعض، علينا أن نوحد الكلمة، علينا أن نتماسك ونتعاون ونتضامن في سبيل خيرنا وخير مجتمعنا وأمتنا، لقد بات الواجب يدعونا إلى أن نقف وقفة رجل واحد للدفاع عن وطننا وأرضنا وكرامتنا، لدق من الله علينا بالسلام والأمن والوفاق، فلا يجوز أن نضيع هذه النعم، بالخلافات والصراعات والمناورات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، الضمير بنادينا والوطن ينادينا والأرض تنادينا، فهلا لبينا نداء الضمير والوطن والأرض، العدو الإسرائيلي يتربص بنا وينتهك مقدساتنا ويغدو ويروح غير عابئ بنا، ويلعب بمصيرنا، ومن ورائه دول كبرى تتآمر علينا وعلى وجودنا ومصيرنا، ونحن نتلهى عن كل ذلك بصغائر الأمور، ونتعامى عن الأساسيات، وشعبنا يلقى القهر ومرارة الحياة، وأمتنا تغرق في بحر من الظلمات والصراعات، تعود بنا إلى عصور الجاهلية الأولى، تسير الغرائز وتستبد بنا الأحقاد ونتهالك على الفتات. الا فليكن فيمن سبقونا أسوة حسنة، فليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة، إنها رأس السنة الهجرية، إنها العشر الأوائل من محرم، فلنهاجر إلى الله بقلوب خاشعة ونفوس صافية ولنهجر هذا المتاع الزائف الذي يأسرنا، متاع الدنيا، ولنهب لنصرة ديننا وقيمنا، ولنتعاون لتحرير أرضنا من العدو الإسرائيلي الغاصب، ليعمل المسؤولون على أن يكونوا قدوة حسنة، ليضربوا المثل الصالح في أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم حتى يتوحد الشعب من ورائهم، فلا عذر بعد اليوم لأحد، إذا كانت كل هذه الخطوب والملمات والمخاطر لا توحدنا ولا تنسينا خلافاتنا فمن يوحدنا، فلنمد يدا قوية إلى الشقيقة سوريا لنواجه معها الخطر الجاثم فوق صدورنا ولنبني معاً مستقبل أجيالنا ومستقبل أمتنا.
كانون أول 1994