الرئيس السنيورة : موقف باسيل في مؤتمر القمة الاسلامية انحياز ضد مصلحة لبنان وطعنة لعلاقاته العربية واخلاء سبيل المجرم الارهابي ميشال سماحة مسالة خطيرة

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثاني: 
تقدم في جلسة الحوار الـ14 بمداخلة شاملة من اربع نقاط

تقدم رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة في بداية جلسة الحوار الوطني الرابعة عشر التي انعقدت في عين التينة بمداخلة شاملة موزعة على اربع نقاط في ما يلي نصها :

أود يا دولة الرئيس أن أتحدث في أربع نقاط أساسية.

 أولاً: المواقف الغريبة والمستهجنة لوزير الخارجية اللبناني في اجتماع الجامعة العربية واجتماع منظمة المؤتمر الاسلامي:

إنّ الموقف المتفرد الذي اتخذه معالي الوزير في اجتماع مؤتمر منظمة المؤتمر الاسلامي، وذلك في ما خصّ عدم الموافقة على إدانة إيران في الاعتداء الذي تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد وكذلك في عدم رفض استمرار ايران في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ومحاولة فرض هيمنتها وبسط نفوذها. المشكلة أن هذا الموقف أتى وعقب الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية في الجامعة العربية في النأي بالنفس وعدم الموافقة على القرار الذي صدر بإجماع الدول العربية. إنّ هذا الموقف للخارجية اللبنانية أتى خلافاً للإجماع العربي بالنسبة لاجتماع الجامعة وللإجماع العربي والإسلامي العارم بالنسبة لاجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي.

يا دولة الرئيس،

 

إنّ السياسة الخارجية المستقرة والصائبة التي اعتمدها لبنان فيما خص علاقاته مع شقيقاته الدول العربية على مدى عقود طويلة ماضية تقول ودائماً كانت كذلك بضرورة الوقوف الدائم مع الاجماع العربي.

 

إن محاولة التلطي وراء وجوب التقيد بسياسة النأي بالنفس لا تستقيم هنا. فسياسة النأي بالنفس تقضي بتجنب التورط في حالة نزاع عربي- عربي بالاصطفاف مع هذا أو ذاك، ولكنها لا تنطبق عندما يكون الخلاف بين العرب وغير العرب. ولقد كان يفترض بمعالي الوزير ان يلتزم بالموقف القاضي بالتقيد بالإجماع العربي مضافاً إليها الإجماع الاسلامي في حال اجتماع منظمة المؤتمر الاسلامي. إنّ هذا الموقف الذي اتخذه الوزير كان عملياً انحيازاً ضد المصلحة الحقيقية للبنان وضد عروبته وتهديداً لعلاقات لبنان العربية.

 

دولة الرئيس،

 

في الحقيقة فإنّ هناك مخاطر حقيقية وتداعيات خطيرة لهذه المواقف الذي تُضربُ فيه هذه السياسة المستقرة والبعيدة عن الفهم الحقيقي لمصالح لبنان فيما خص علاقاته العربية ولذلك تداعيات على الاوضاع الوطنية في البلاد وتداعيات على الأوضاع الاقتصادية فيها.

 

ان هذه السياسة بدأت تستجلب الاستهجان والانتقاد من أصحاب الرأي والقرار في البلدان العربية وهذا ما يوجب على لبنان العمل الجاد على التنبه له وتجنب الوقوع في هذا المأزق الخطير الذي يضع لبنان في موقع لا قبل للبنان به.

 

 

ولذلك فإننا نعتقد ان على الحكومة اللبنانية أن توضح سياستها الخارجية يما يقضي أنه عندما يكون هناك خلاف عربي- عربي فإنه يمكن أن يكون هناك مبرر للبنان باعتماد سياسة النأي بالنفس. ولكن عندما يكون هناك إجماع عربي في حال وجود خلاف بين دولة عربية ودول غير عربية فإنه لا وجود لسياسة النأي بالنفس، وعلى لبنان ان يكون واضحاً في موقفه الداعم للموقف العربي حفاظاً على مصلحة لبنان وعروبته وعلى علاقاته العربية وحفاظاً على مصالح اللبنانيين المنتشرين في شتى البلاد العربية والذين هم عماد اقتصاد لبنان وعماد صموده وتغلبه على مصاعبه.

 

ثانياً: إطلاق سراح الارهابي ميشال سماحة وتداعياته:

لقد نشرت صحيفة Daily mailالبريطانية قبل أيام خبراً تناولته وسائل الاعلام في لبنان أن هناك زوجين من التابعية البريطانية قبض عليهما بتهمة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية. ولقد أصدرت المحاكم البريطانية وخلال فترة وجيزة الحكم على هذين الزوجين بالسجن المؤبد عليهما مع منع النظر في أية أسباب تخفيفية لهما في المستقبل بحيث لا يكون هناك من إمكانية لإطلاق سراح أحدهما إلاّ بعد انقضاء 24 سنة على حبس الزوجة و27 سنة على حبس الزوج.

 

في المقابل ان ما جرى في لبنان للإرهابي ميشال سماحة أمر مغاير تماماً. فلقد قامت محكمة التمييز العسكرية بإخلاء سبيل الارهابي ميشال سماحة بالرغم من الأدلة العلنية الدامغة والموثّقة بالصوت والصورة التي تدين هذا المجرم وتؤكد تورطه في مخطط اجرامي إرهابي خطير، كان يمكن لو نجح ان يفجر فتنة كبيرة وحرباً أهلية في لبنان وهذا أمر شديد الخطورة. فالمحكمة قد أخلت سبيلة قبل إصدار الحكم النهائي واكتفت حتى الآن بما امضاه في السجن هو تقريباً لمدة ثلاث سنوات ونيف. إنّ ذلك يخلق انطباعاً عما ستقوم به المحكمة في حكمها النهائي وهذا امر يثير الشكوك والهواجس. لم يكن هذا الاخلاء يا دولة الرئيس إلاّ غيض من فيض. فلقد سبق للمحكمة العسكرية أن أطلقت سراح العميل فايز كرم بعد سنة ونصف من حبسه وسراح العميل أديب العلم كذلك. إنّ هذا كله يثير الاستهجان والغضب لدى قطاعات واسعة من اللبنانيين ويعبر عن الاستلشاء بحياة المواطنين الذين قد يتعرضون لهجمات ارهابية بأن يجعل حياتهم رخيصة على من يود اغتيالهم وبالتالي يشجع اولئك الارهابيين على ارتكاب جرائمهم، واذا ارتكبوها هيهات أن يعتقلوا، واذا اعتقلوا يفرج عنهم بمهلة قصيرة.

 

الخطورة الحقيقية فيما جرى، أنه وبالمقابل، يقبض على فلانٍ ما لوجود أغنية دينية على هاتفه ويحال إلى المحكمة العسكرية والنتيجة الواقعة عليه قدراً لا يحصى من التعذيب اللاإنساني وبعدها إما أن يقضي متهماً عدة سنوات دون محاكمة وعادة ما يذهب ذلك الشخص في غياهب النسيان لسنوات، أو يحكم عليه مثلاً خمس سنوات فقط للاشتباه به او بتهمة أغنية أو اتصال هاتفي ويمكن أن تلفق عليه تهم زوراً وبهتاناً. هنا تأتي فكرة العدل بين الناس حيث لا يجوز الكيل بمكيالين في التعامل مع طرف هنا بمعايير مختلفة عن التعامل مع فريق آخر بشكل مغاير عن الاخرين.

 

يا دولة الرئيس، هذا الامر يحفر عميقاً في ضمائر ووجدان الناس وهو يولد حالة من القهر والاحتقان لا تطفئه ولا تخفف منه العبارات الطيبة التي لا تجدي نفعاً هنا. وليت الامر يقتصر على حاله هنا أو حالة هناك بل انها حالات تتكرر كل يوم وهناك المئات من هذه الحالات التي تشمل فريقاً من اللبنانيين، وبالتالي فإنكم تعرفون مآلات هذا الاحتقان بكونه يشجع على التطرف والعنف، وهذا أمر ننبذه وندينه ولكن الظلم والقهر أقوى من اي كلمات ولا ينفع معه الا الارادة الحقة بالعمل على تغيير حقيقي في الاسلوب والتصرف والعودة إلى الالتزام بالعدالة التي لا ترى بعين واحدة وفي ذلك فقط ننصف العدالة ونحترم القضاء.

 

 

دولة الرئيس،

 

هل يجوز التساؤل لماذا كانت تلك العاصفة من الانتقاد على القرار المريب الذي اتخذته محكمة التمييز العسكرية بإطلاق سراح الإرهابي ميشال سماحة وغيره من العملاء.

 

يا دولة الرئيس،

 

نحن وقفنا مع بعضنا بعضاً كلبنانيين في السراء والضراء ولاسيما في العام 2006 وقبلها رفضنا تصنيف حزب الله بأنه منظمة إرهابية وتحملنا كل ذلك استناداً إلى اخوّتنا في الوطن. والآن يمر بلدنا بامتحان عسير هل سنقف مع بعضنا بعضاً ونعود إلى الالتزام بالعدالة وبالقانون ورفض التدخلات والضغوط التي يمارسها البعض بهدف استتباع القضاء. هل لنا أن نعود إلى تفهم الاوضاع الصعبة التي يمر بها بلدنا والعمل على تجنيب بلدنا من السقوط في الهاوية. وبالتالي تطبيق العدالة على الجميع بإنصاف وليس بالكيل بمكيالين. اذا لم نقم بذلك فإنّ النتيجة هي اننا ندفع بعضنا بعضا الى التخاصم وإلى المزيد من التباعد بين المكونات اللبنانية وبالتالي إلى الانهيار والذي يدفعنا إلى ذلك هو المستفيد الاول وهي اسرائيل. والقصد من كل ذلك التشكيك بالفكرة النبيلة التي يقوم عليها لبنان وهي العيش المشترك التي ينبغي ان يجمعنا ويوحدنا من جهة ويكون مادة تستلهم منها في عملية بناء سلمها الاهلي المعترف بالتعدد.

 

 

المطلوب ان نتحسس بهواجس بعضنا بعضاً ونتفهم ضرورة التنبه لعدم الوقوع في النتائج التي انجرف فيها البعض إلى الوقوف في فخ الموافقة على اخلاء السبيل دون التبصر بنتائجه الوخيمة وضرورة العودة الى اعتماد الوسائل الحقيقية والموثوقة التي تطبق العدالة والتي تنزل العقاب العادل حسب حجم ومستوى الجريمة المرتكبة وبشكل عادل ومتساوٍ، فالظلم ان دام دمَّر والعدل ان دام عمَّر.

 

ثالثاً: الاوضاع الاقتصادية والمالية المتردية:

إنّ التردي الكبير والمستمر في الاوضاع الاقتصادية والمالية كما أصبحت تبينه جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية أصبح خطيراً للغاية. ولذلك يا دولة الرئيس أسباب عديدة ومنها ما يكمن في شلل المؤسسات الدستورية والتوقف العملي في عمل مؤسسات الدولة، وانقطاع عملها، وتراجع الأمن في البلاد والتعدي عليه من قبل حملة السلاح، وانحلال الدولة وسقوط سلطتها وتراجع هيبتها وتسلط الميليشيات عليها وعلى مواردها، وتفشي الفساد وسوء الادارة وتسييسها واعتماد مبدأ الواسطة والارتزاق والزبائنية. هذا فضلاً عن استتباع الادارة من قبل الاحزاب والميليشيات وعدم الالتزام بمبادئ وقواعد ومعايير الكفاءة والجدارة وعدم اعتماد معايير حسن الاداء. هذا فضلاً عن المعوقات التي توضع في وجه حركة القطاع الخاص ولجم مبادراته وتراجع النمو الاقتصادي وأوضاع المالية العامة المتردية وازدياد النفقات تحت ضغوط نظرية أن الدولة هي البقرة الحلوب التي لم يعد فيها في الواقع حليب، بينما تتراجع الواردات ويزداد التسلط عليها من قبل أصحاب النفوذ. هذا الوضع لم يعد قابلاً للاستمرار يا دولة الرئيس وبالتالي تنبغي معالجته وبسرعة.

 

الشيء الاضافي والجديد الذي له تأثيرات بالغة على الاوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية هو تراجع أسعار النفط التي استبشر بعض الناس بها في لبنان. صحيح ان لذلك فوائد في جانب منه على المالية العامة بالنسبة لكلفة انتاج الكهرباء، وكذلك على جيوب بعض اللبنانيين بالنسبة لاستهلاك المحروقات، ولكن لذلك تداعيات خطيرة جداً ايضاً على لبنان بالنسبة للتدفقات المالية على لبنان كتحويلات من اللبنانيين وكذلك من استثمارات لدول الخليج في لبنان. كل هذا يحصل ونحن مازلنا نضيع فرصة هامة من أجل المبادرة إلى تحسين واردات الخزينة عبر ارجاع الرسم على البنزين. إن إبقاء السعر المنخفض للبنزين كما وصل اليه ودون أخذ مصلحة الخزينة العامة ليس في الحقيقة إلاّ خدمة لأصحاب الدخل المرتفع في لبنان على حساب الاقتصاد اللبناني. وهذا يشكل في الحقيقة حافزاً للمزيد من استسهال الانفاق الاستهلاكي على السيارات واستعمال البنزين. علماً ان تداعيات انخفاض أسعار النفط علينا كدولة متأثرة باقتصادات الدول المنتجة للنفط سيكون مضراً إلى حد بعيد. هذا الأمر ليس لدينا عليه سيطرة. ما نستطيع القيام به وهذا اقتراح كان ينبغي تطبيقه منذ مدة وسيكون مدمراً، هو في العودة إلى الانتظام في المالية العامة واستعادة الرسم المطبق على البنزين بأقصى سرعة. وبناءً على ذلك ينبغي المبادرة الى تثبيت سعر صحيفة البنزين كمرحلة أولى عند 25 ألف ليرة تمكيناً للخزينة من تحقيق بعض الدخل الاضافي لتعويض التراجع الكبير الحاصل في حجم الواردات ومن أجل لجم الزيادة الكبيرة الحاصلة في مبالغ العجز في الخزينة ونسبته إلى الناتج المحلي وكذلك من أجل لجم تصاعد مجموع الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي.

 

رابعاً: مسألة العقوبات الاميركية:

يا دولة الرئيس،

 

ما أريد أن أقوله في هذا الأمر ليس على الاطلاق من باب التهويل ولكن من باب التحسب والتعاون سوية في تجنيب لبنان المخاطر التي يحملها عدم التبصر أو الاستلشاء أو عدم الاكتراث في هذا الأمر.

 

بداية أود أن أذكر أنه وفي نهاية التسعينات وعقوبة على احدى المؤسسات المصرفية العربية جراء قيامها وبناء على طلب أحد عملائها بتحويل مبلغ وقدره ثلاثة آلاف دولار لشخص اعتبر انه على علاقة بإحدى المنظمات التي تعتبرها الادارة الاميركية منظمة ارهابية مازالت قضية ذلك البنك عالقة في المحاكم الأميركية. ولقد تكلف ذلك المصرف حتى الآن عشرات الملايين من الدولارات كمصاريف محاماة. لكن الادهى من ذلك أنه واذا كان المصرف محظوظاً يمكن ان تنتهي العقوبة بتغريمه بمبلغ في حدود من خمسمائة مليون دولار وربما أكثر. لنتصور ماذا تعني حقيقة المخاطر التي اصبحت تواجه المصارف من العالم ومنها ما يعنينا.

 

 

 

الاستشهاد الثاني، لقد بلغت- كما أوردت الاحصاءات- ان الغرامات التي فرضتها الخزينة الاميركية خلال السنوات القليلة الماضية على عدد من المصارف في العالم بشأن بعض المخالفات التي عدتها الادارة الاميركية تستحق تطبيق العقوبات والغرامات بحقها حوالي مائة وخمسة وعشرين مليار دولار.

  إنّ هذا الأمر يتطلب تبصراً وتعاوناً وسعياً حقيقاً لتجنب الوقوع في محاذير مماثلة وما قام به لبنان من تشريع قوانين مالية مؤخراً لمحاربة الارهاب وتبييض الاموال كان عملاً جيداً ومفيداً للبنان.

 من جهة أخرى فان اقتراح الرئيس بري في اقتراح تأليف وفد نيابي للذهاب والتحاور مع الكونغرس الاميركي ووزارة المالية الاميركية مفيد على الأقل للتعبير عن موقف لبناني في هذا الصدد. ولكن الأمر هذا يقتضي التنسيق والتعاون بشأنه لكي نستطيع ان نخفف الاضرار التي يمكن ان تصيب لبنان من جهة وتبياناً لما يقوم ويلتزم به لبنان ومؤسساته المصرفية وبالتالي إظهار مدى حرص لبنان على التقيد بالمعايير الدولية لمكافحة الارهاب وتبييض الأموال.

 

إنّ هذا الأمر يقتضي تبصراً واحترازاً من جميع الاطراف وعدم الانجرار وراء المزايدات والمبالغات التي لا تجدي، بل التعاون بهدوء تحقيقاً للغاية الاساسية في حماية لبنان واللبنانيين وحرصاً على مصالحهم.

تاريخ الخطاب: 
28/01/2016