الرئيس السنيورة لـالحدث: الاولوية لانتخاب الرئيس وفق الدستور وهو الذي يتراس الحواربعد الانتخاب
اجرت قناة الحدث من محطة العربية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول مختلف المواضيع المطروحة في لبنان وفي ما يلي نصه:
س: من جبل لبنان ينضم إلينا رئيس الوزراء اللبناني الأسبق دولة الرئيس فؤاد السنيورة. مساء الخير دولة الرئيس، قبل أن أتحدث عن الشق المالي والمصرفي، أود أن أبدأ معك الحديث بشأن الوضع السياسي، وتحديداً بشأن مبادرة الرئيس بري. كيف تقرأ هذه المبادرة وبهذا التوقيت تحديداً؟
ج: مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. هذه المبادرة في الدعوة للحوار من قبل الرئيس بري شهدنا مثلها مبادرات مماثلة في الماضي. إلاّ أنّه لم يتم الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في تلك الحوارات السابقة.
الأمر الأول، في هذا الصدد وفي المبدأ، انّ ليس هناك شيء أسمى من أن يتحاور اللبنانيون مع بعضهم بعضاً للتوصل إلى حلّ لمشكلاتهم. ولكن لدينا الآن استحقاق دستوري لا أولوية لشيء آخر قبله على الإطلاق. وبالتالي يجب أن يتم الانتخاب الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وذلك كما ينص عليه الدستور.
الامر الثاني، نحن نعلم أن الحوار يكتسب صدقيته عندما يصار الى تنفيذ ما يتم التوافق عليه. الحقيقة انّه، وفي جميع مسلسلات الحوار السابقة، ومنذ العام 2006، وبالرغم من أنه قد تمَّ التوافق في حينها على عدد من الأمور. ولكن- وللأسف- جرى النكول بها. ولذلك ليس هناك من ثقة على الإطلاق أن يصار إلى البدء بحوار جديد الآن لا نعرف كيف يبدأ ومن سيترأسه، وما هي المواضيع التي سيجري بحثها ولا كيف ينتهي الحوار ولا ماذا سيحصل بعده.
المسألة الأساس الآن والتي لها الأولوية على أي أمر آخر تكون بالعودة إلى الالتزام بأحكام الدستور، وذلك لعقد جلسة للانتخاب وفي دورات متلاحقة. وعلى الرئيس بري أن يفتح المجلس، وأن يدعو لانعقاد جلسة للانتخاب وبدورات متتالية. وليس إلى أن يصار إلى إغلاق محضر جلسة المجلس بعد انتهاء الدورة الأولى. هذا الأمر يؤدي إلى التعطيل ولا يأخذ البلاد إلى أي نتيجة. أعتقد أن الأمر الذي ينبغي أن تكون له الأولوية الآن هو في الدعوة لجلسة الانتخاب وبدورات متلاحقة والابتعاد عن اختلاق أعراف جديدة تبدأ بعقد جلسات حوار قبل جلسة الانتخاب، والذي هو مخالف للدستور ويتسبب بإشكالات مستقبلية عديدة.
انتخاب الرئيس الجديد يشكّل المفتاح الذي يمكن من خلاله البدء في معالجة جملة من الأمور التي يعاني منها لبنان، وبالتالي يكون انتخاب الرئيس المدخل للبدء باتخاذ القرارات والإجراءات من أجل إنقاذ الوطن من هذا الأتون الذي أصبح في داخله.
س: دولة الرئيس، لماذا الرئيس بري يقول انه سيفتح المجلس في جلسات متتالية لانتخاب الرئيس، ولكن وقبل ذلك يريد أن يدعو إلى جلسات حوار ولا يحدد الوقت. هل فعلاً كما يخشى البعض أنه يدعو إلى ذلك خوفاً من سيف العقوبات التي هددت بها باريس وواشنطن أيضاً؟ وماذا عن الأطراف الداخلية التي حتى الآن تقول انها لا تقبل بهذا الحوار؟ هل سيبقوا على موقفهم حتى النهاية ام أن ما تخشاه هذه الأطراف هو أنه يمكن أن تتبدل الظروف ويضطروا إلى القبول بهذه الدعوة للحوار؟
ج: بدون شك أن هناك تخوفاً من قبل البعض من السياسيين من سيف العقوبات لا أدري من هم، ولكن وكما يبدو، فإنّ هؤلاء المتخوفين من موضوع العقوبات ومازالوا يماطلون أو يمنعون انعقاد جلسة الانتخاب.
الكلام الذي قاله الرئيس بري حول عقد جلسات متتالية- وعلى الأرجح- فإنه يعني بذلك أنه سيعود إلى اعتماد ذات الأسلوب السابق أي أنه يفتح الجلسة، وبعد ذلك وحين يُفقدُ النصاب يعمد رئيس المجلس إلى إقفال الجلسة. وبالتالي يعود المجلس من جديد إلى ضرورة أن يكون هناك نصاب الثلثين من عدد أعضاء المجلس متوفراً بشكل مستمر في كل جلسة انتخاب يُصار إلى الدعوة إليها. هذا الأمر يجب أن ينتهي ويجب أن تعود الأمور إلى الالتزام بنصّ الدستور، وذلك بأن يفتح الرئيس الجلسة وتستمر الدورات مستمرة ومتلاحقة بذات الجلسة حتى وإن امتدت الجلسة إلى عدة أيام أو حتى عدة أسابيع. بالتالي، فإنّه يجب على الرئيس بري أن يفتح الجلسة وبالتالي أن لا يقفلها إلا عندما يتم انتخاب الرئيس. احترام هذا المبدأ الدستوري لم يكن واضحاً في كلام الرئيس بري. لذلك، فإنّي أعتقد ان عملية الطرح الذي تقدم به الرئيس بري من أجل أن يصار إلى عقد جلسات حوار هو مضيعة للوقت وحرفاً للانتباه.
يجب أن يكون واضحاً أن الحوار الأساس عقده اللبنانيون، وهو الذي جرى في الطائف وانبثق عنه اتفاق الطائف الذي أصبح وفي عدد من بنوده جزءاً من الدستور اللبناني.
أما الأمور الأخرى التي ربما تكون بحاجة إلى أن يصار إلى التداول بشأنها فيجب أن يتم التداول فيها في مجلس النواب، ولكن بعد انتخاب الرئيس الجديد. وإذا كان الأمر في غاية الأهمية فإن هذا الحوار يجب أن يترأسه رئيس الجمهورية بكونه رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والجامع لكل اللبنانيين. ولذلك لا يمكن أن يصار الآن إلى إجراء حوار يترأسه الرئيس بري، ولاسيما وأنه طرف في هذه المعادلة، ولا يمكن له أن يكون طرفاً وحكماً في ذات الوقت. وكما يقول الشاعر: "فيك الخصام وانت الخصم والحكم".
س: دولة الرئيس البعض يقول بأنه طالما حزب الله متمسك بمرشحه فرنجية وبهذه الظروف المحيطة فانه لن يصار إلى حدوث أي اختراق او خرق بهذا الملف هل هناك مؤشرات على إمكانية أن يتخلى الحزب عن فرنجية؟
ج: حتى هذه اللحظة لا أرى بوادر على أن حزب الله على استعداد للتخلي عن مرشحه. للأسف، هو يقول للنواب المعارضين لطروحاته وممارساته تعالوا إلى الحوار حتى اقنعكم بمرشحي ولا يقول تعالوا إلى الحوار حتى نتفاوض بشأن ما ينبغي القيام به من أجل إنجاز العملية الانتخابية، وبالتالي ليس هناك من حاجة للحوار طالما كان ذلك من أجل أن يرضخ ويذعن النواب لمطالب الحزب.
انعقاد جلسة الانتخاب للرئيس الجديد وانتخابه هو سيف الفصل بهذا الأمر. أما ان يصار إلى اشغال اللبنانيين بسلسلة من الحوارات التي لا نعرف على ماذا فإنها ستكون كمن يفتح باباً لإشكالات جديدة، اللبنانيون بغنىً عنها. هناك- وياللأسف- مواضيع عديدة لدى كل فريق من الفرقاء المعنيين في لبنان، وكل يريد أن يقدم أمراً ويطرح وجهة نظره. هناك من يطرح اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق السيادي. وهناك من يريد طرح موضوع الفدرالية. وهناك من يقول إنه يريد التقسيم. وهناك من يقول نحن لا نستطيع أن نعيش سوية. كل هذه الطروحات تفتح أبواباً للشرور لا يمكن إغلاقها بعد ذلك، وبالتالي ليس من المصلحة أن يصار إلى الدعوة إلى الحوار الآن.
س: غير قضية الحوار، اليوم هناك زيارات مكوكية تحصل من قبل أشخاص إلى لبنان. تحدثنا عن زيارة وزير الخارجية الإيراني، وكذلك زيارة المبعوث الفرنسي الذي من المفترض أن يأتي قريباً إلى لبنان. كما وأيضاً زيارة هوكشتاين إلى لبنان، وهو الذي شارك في بحث قضية الترسيم البحري، وربما ليبحث مسألة الترسيم البري وغيرها. هل كل هذا الحراك يؤثر، هل سيحدث أي جديد أم تعتقد أننا سنكون أمام مراوحة جديدة ما في ملف الانتخابات الرئاسية؟
ج: كما ترين أن هذه الزيارات يقوم بها أشخاص يأتون كمندوبين عن دولهم ولكل من هذه الدول مصالح معينة وأهداف معينة في لبنان والمنطقة. اعتقد أنّ مجيء الوزير الإيراني إلى لبنان كان لبحث مسألة تهم إيران الآن. وهي كيف يمكن لإيران أن تحتفظ وتفرض سلطتها على الملف الفلسطيني. وبالتالي هو قد اجتمع مع ممثلي بعض الفصائل الفلسطينية المناوئة لحركة فتح، وغرضه من ذلك من أجل أن يعبئ ويضمن انخراط هذه المنظمات في المخطط الذي ترسمه إيران من أجل الإمساك بالقضية الفلسطينية بما يخدم مصالحها في المنطقة العربية.
أما الأمر الآخر الذي دفع الوزير الإيراني المجيء إلى لبنان فربما هو ناتج عن القلق الذي يساور إيران حول ما يجري في سوريا وبالتالي يريد أن يجتمع بحزب الله من أجل أن يرى هل يمكن لحزب الله أن يدخل من جديد في الحرب الدائرة في سوريا الآن وماذا يمكن أن يكون له من دور في ذلك، ولاسيما في ضوء المتغيرات الجارية هناك.
أما بالنسبة لمجيئ هوكشتاين من الطبيعي أن الأميركيين مهتمين بموضوع النفط والغاز وبالتالي قاموا بعمل في هذا الخصوص عندما جرى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في المياه اللبنانية، وبالتالي ربما هو يسعى إذا كان هناك من إمكانية لحلّ بعض المسائل المتعلقة بعدد من النقاط على الحدود البرية التي تفصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلة.
س: دولة الرئيس، ننتقل إلى الموضوع المالي ومصرف لبنان وما قاله حاكم المصرف المركزي بالإنابة. يقول المنصوري أنّ المصرف المركزي لن يمول الدولة اللبنانية لا بالليرة اللبنانية ولا بالدولار عمليا ماذا يعني ذلك؟
ج: في الحقيقة أود أن أقول إنَّ هذا الكلام كان ينبغي أن نسمعه من مصرف لبنان المركزي وحاكميته منذ عدة سنين، وذلك بدلاً من ذلك التورط الكبير الذي مارسه المصرف المركزي، وعمد بموجبه إلى إقراض الدولة اللبنانية بهذا القدر من التسليفات، والتي هي بالفعل من أموال المودعين.
في الحقيقة يجب أن يكون واضحاً، أنَّ قانون النقد والتسليف، الذي يعمل مصرف لبنان بموجبه، يحدّد شروطاً قاسية جداً لا يمكن أن تلجأ بموجبه الحكومة اللبنانية أو وزارة المالية إلى الاقتراض من مصرف لبنان ما لم تلتزم بها. هذا الأمر كان ينبغي على الحاكم آنذاك أن يكون واضحاً وقاسياً وشديداً مع السلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل أن لا يمالئهما وينصاع إلى ضغوطهما. ما جرى أنه كان يسهل لهما ويمنحهما ما يريدانه من إنفاق متفلت دون أن يتحملا المسؤولية في القيام بهذا الإنفاق المتفلت. لقد كان على الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة أن تبادر إلى القيام قبل اللجوء إلى مصرف لبنان إلى اعتماد واستنفاد السياسات والقوانين الصحيحة واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ترشيد الإنفاق وخفضه وثانياً تأمين المصادر المالية اللازمة من إيرادات الدولة لتغطية هذا الانفاق الكبير الذي كانت تقوم به الدولة.
المشكلة تتعلّق بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وكذلك بالحاكم السابق الذي لم يقم بما يمليه عليه قانون النقد والتسليف ويمليه عليه التصرف السليم للعمل المصرفي المركزي، وكذلك المالي الرصين، في الامتناع عن تسليف وزارة المالية بما كانت تطلبه من تمويل من المصرف المركزي. في الحقيقة، فإنّ الحاكم السابق ذهب- وذهب بعيداً جداً- في ممالأة السلطتين التنفيذية والتشريعية وكلاهما مسؤولان عما جرى. وهو قد شاركهما هذه المسؤولية بتساهله وعدم تبصره. هذا علماً أن قانون النقد والتسليف يعطي حاكم البنك المركزي قدراً كبيراً من الصلاحية والحصانة التي تمكنه من أن يقول لا وكلا للسلطة التنفيذية والتشريعية. المؤسف أنّ السلطة التشريعية كانت تقر قوانين وكلها قوانين ينتج عنها، وبالتالي تلزم الخزينة اللبنانية بإنفاق إضافي كبير لم تكن له أولوية وبالتالي القيام بإنفاق لم تكن له أي تغطية مالية. ذلك ما كان يدفع بالحكومة ويضطرها إلى المزيد من الاقتراض من المصرف المركزي.
س: لنتحدث ما ستؤول إليه الأمور اليوم بعد هذا القرار؟
ج: نعم لأكون معك واضحاً جداً ليس هناك من دولة تفلس. هناك إدارة سيئة وفاشلة تفلس. هذا الوضع الخطير الذي أمسينا عليه في لبنان يمكن الخروج منه، وذلك لأنّ هناك إمكانية للدولة عندما تتولى إدارة أمورها السياسية والإدارية والمالية بالشكل الصحيح، فإنها يمكن عندها أن تخلق قيما اقتصادية جديدة، ويمكن لها بنتيجة ذلك أن تستعيد ثقة اللبنانيين وثقة أشقائهم وأصدقائهم بمستقبل لبنان واقتصاده وبماليته العامة. وبالتالي أن ترسم المسار الصحيح الذي يمكن بموجبه أن يستعيد اللبنانيين بنظامهم المصرفي وبإمكانية استرجاع قسم جيد من ودائعهم.
ولكن، ولاسترجاع الثقة، فإنّ الأمر يقتضي اعتماد مجموعة كبيرة ومتناسقة من السياسات والإجراءات والنجاح في ذلك. كما أنّ الأمر يقتضي أيضاً مصارحة المواطنين بحقيقة الوضع وكيفية الخروج من هذا المأزق الكبير، وذلك من خلال خطة واضحة المعالم يطمئن إليها المواطنون، وتوصل الجميع إلى بر الأمان.
الآن ما الذي ينبغي أن يصار إلى اتخاذه، وهذا ضروري بالنسبة لمصرف لبنان، وذلك في أن يمتنع عن إقراض الدولة، بل على الدولة أن تقوم بداية بضبط الانفاق لديها من أجل لجم التضخم الذي سينتج عن الانفاق المتفلت، وبالتالي المسارعة إلى جباية مستحقاتها الكثيرة في الجمارك والدوائر العقارية ودوائر الميكانيك كبداية، وهي التي لم تجبيها بسبب التقاعس عن القيام بواجباتها، وبسبب التعطيل الذي يمارسه البعض في بعض الوزارات والإدارات.
ولكن الأمور لا تقتصر فقط على ذلك، إذْ أنّ هناك أيضاً سلسلة من السياسات والإجراءات التي ينبغي على الدولة أن تتخذها من ناحية القيم بالمبادرة الشجاعة والسريعة إلى إجراء الإصلاحات المالية والنقدية والإدارية لأنه بذلك- وبذلك فقط- تستطيع الدولة أن تصوب بوصلتها الوطنية والسياسية والإدارية والمالية نحو التقدم على مسارات الطريق الصحيح للتقدم على مسارات التعافي. وبالتالي، فإنّ هذه الإصلاحات المطلوبة، والتي طال أمد التقاعس والاستعصاء عن القيام بها لوقت طويل، والأمر أصبح الآن شديد الإلحاح وهو أمر ضروري على قاعدة: "إنَّ الله لا يغير ما بقوم من حتى يغيروا ما بأنفسهم".
هناك امورا كثيرة كان ينبغي أن يصار إلى إصلاحها على مدى السنوات الماضية ولكن كان هناك تقاعس وبالتالي كانت هناك خلافات سياسية وممارسات شعبوية أدّت إلى هذا الانجراف نحو الإنفاق المتفلت دون حدود، وهو ما ادّى إلى عجوزات كبيرة في الخزينة اللبنانية، والتي تحوّلت إلى دين عام كبير. وهو ما أدّى إلى حصول هذه الانهيارات الكبيرة التي أصبح يعاني ويئن منها اللبنانيون، وهو الذي ادى إلى هذا التفريط في أموال المودعين وبالاقتصاد اللبناني.
الآن أعتقد هناك إمكانية للخروج من هذا المأزق. ولكن الأمر بحاجة إلى رؤية واضحة وإرادة قوية وقيادية فاعلة لدى المسؤولين لمباشرة عملية الإنقاذ.