الرئيس السنيورة لـ الحدث : متضامنون مع اخواننا في غزة لكن لبنان لا يستطيع تحمل نتائج الدخول في الحرب
أجرت قناة الحدث في محطة العربية حواراً مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول التطورات الحاصلة في لبنان والمنطقة وفي ما يلي نصه:
س: من بيروت ينضم إلينا دولة رئيس فؤاد السنيورة دولة الرئيس أين أنتم مما يجري الآن في غزة، وكذلك أيضاً مما يقال ويشاع بأن هناك من يستغل الشباب اللبنانيين في الداخل الآن للانخراط في المعركة العسكرية في غزة؟
ج: بدايةً، مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. لا بد لي قبل التطرق إلى الإجابة على هذا السؤال، فإنّه من المفيد التذكير بأنّ قسماً من الرأي العام الدولي يتأثر بما تقوم به إسرائيل الآن لجهة الترويج لأسطورتها ولتفسيرها لما حصل في الضفة الغربية وغزة، وكأن التاريخ بدأ والمحاسبة بدأت بما حصل يوم السابع من أكتوبر الجاري. والحقيقة أنّ القضية تعود إلى عقود ماضية من استمرار الاحتلال والظلم للفلسطينيين، وإلى سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تقترفها إسرائيل لكل القرارات الدولية. وحيث تصرّ إسرائيل على عدم القبول بتنفيذ جميع القرارات الدولية ذات الصلة. وكما قال الأمين عام للأمم المتحدة السيد غوتيريش أنّ المشكلة لا تعود فقط إلى يوم السابع من أكتوبر، بل هناك تراكم للمشكلات، والتي تعود لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وإلى تراكم الانتهاكات والمذابح التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل. وأيضاً إلى عدم تطبيق إسرائيل للقرارات الدولية. ومن ذلك أيضاً، نشر المستوطنات في الضفة الغربية من أجل جعل فكرة إنشاء الدولة الفلسطينية غير قابلة للتحقق.
الآن ماذا يجري في لبنان؟ هناك إيمان وشعور لدى معظم اللبنانيين بالتضامن مع القضية الفلسطينية وبعدالتها، وإنهم يتحسسون بما تعانيه غزة وأهلها الآن، وهم يتألمون كثيراً لذلك. ولكن اللبنانيين غير قادرين على خوض معركة عسكرية كما يطالب البعض، وذلك لأنهم مازالوا يعانون من آثار الحرب التي شنتها إسرائيل عليهم في العام 2006. وإنهم يعانون، وبالإضافة إلى ذلك، يعانون من ثلاث أزْمات متراكمة مع بعضها بعضاً: أزْمة سياسية، وأزْمة اقتصادية، وأزْمة النازحين السوريين الموجودين في لبنان. هذه العوامل تجعل من غير الممكن للبنان أن ينخرط أو أن ينزلق نحو المشاركة في هذه المعركة العسكرية لأنها ستؤدي بالنهاية إلى تدمير للبنان ولا تؤدي لنتيجة فعلية على مسار العملية العسكرية.
ولكن لبنان لا يزال يرى ويؤمن أنّ من واجبه الوطني والعربي أن ينخرط سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً إلى جانب اشقائه العرب في دعم القضية الفلسطينية.
ولكني كذلك أرى أنّ هناك حاجة الآن- وأكثر من أي وقت مضى- لاستعادة عروبة القضية الفلسطينية وإنسانيتها. أي أنّ علينا التأكيد على أنه ليس بالإمكان القبول بتصفية القضية الفلسطينية، وهي القضية العربية الجامعة التي ليست للإيجار وليست للبيع وليست للتصفية على الإطلاق.
لقد تبين بنتيجة أحداث غزّة، التي تتعرّض لانتقام وإبادة إسرائيلية جماعية، أن ما جرى يُظهر كيف أن هذه القضية العربية المحقّة تحفر عميقا في وجدان العرب جميعاً. وبالتالي، فإنَّ هناك ضرورة لاستعادة عروبة هذه القضية، وأنّه لا يجوز الابتعاد عنها وحتى لا يُصار إلى استعمالها من قبل من لهم أجندتهم الخاصة من الدول الإقليمية، وحتى لا يُصار أيضاً إلى إساءة فهم هذه القضية الوطنية والإنسانية من قبل من يحاولون أن يصوروا بأنَّ القضية الفلسطينية هي لجماعات من الإرهابيين، ويصورون من يحملها ويدافع عنها وكأنه مثل داعش. المطلوب الآن هو استعادة هذه القضية لأهلها للفلسطينيين والتأكيد على عروبة هذه القضية وإنسانيتها.
س: كيف يمكن استعادة هذه القضية؟ وما هو السبيل لاستعادة هذه القضية لأهلها دولة الرئيس؟ وكيف؟
ج: الآن أعتقد أنه هناك طرفين أساسيين معنيين ويجب أن يمارسا هذا الدور في عملية الاستعادة. في هذا الشأن، ومن جهة أولى، هناك حاجة لتكوين موقف عربي جامع وموحّد. ومن جهة ثانية، هناك موقف يجب أن تتخذه منظمة حماس، بأن تقرّ بالعودة إلى الحضن العربي. في هذا الشأن، لقد شهدنا الموقف العربي كيف أخذ شكله الصحيح على هذا الطريق من خلال المواقف التي اتخذتها جمهورية مصر وأيضاً المملكة الأردنية الهاشمية في منع ما يسمى تصفية القضية عن طريق رفض ما يسمى التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء والأردن. كذلك، فقد شهدنا ايضاً ذلك الموقف العربي البارز الذي جرى في الاجتماع الذي عقد في الهيئة العامة للأمم المتحدة، وكيف استطاع هذا الموقف العربي المتضامن من تحقيق هذا التصويت الكاسح من أجل وقف إطلاق النار. ولقد شهدنا كيف جرى طرح القضية بهذا الشكل الصحيح في الأمم المتحدة من خلال هذا التضامن العربي.
أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك موقف عربي متضامن ترعاه المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية في هذا الشأن لما يتمتعان به من مزايا، وأيضاً من احترام ودور كبير في المنطقة العربية والعالم، وذلك من أجل الإسهام في استعادة القضية إلى الحضن العربي.
لا نستطيع أن نستمر في تجاهل هذه القضية المحقّة، والتي يحاول البعض أن يتاجر فيها لأغراض تخصه. نحن لا نريد أن نتخاصم مع أحد ولكن هذه القضية يجب أن تستعيد عروبتها. هذا الأمر من الضروري أن يحصل حتى نستطيع أيضا أن نشرح قضيتنا- وبشكل وطني وإنساني صحيح- للرأي العام الدولي، وأن نبين حقيقة وهول هذه المذابح التي ترتكبها إسرائيل الآن في غزة وماذا يجري على أهل فلسطين من ظلم وقتل وتشريد وتجويع وحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. هذا الأمر لم يعد من الممكن تحمله.
نحن نرى بأمّ أعيننا كيف وإلى أي مدى يتحمل الرأي العام الدولي والمجتمع الدولي المسؤولية عملياً عما جرى ويجري الآن في غزة والضفة الغربية، حيث سقط ويسقط هذا العدد الهائل من الضحايا بسبب أن هذا الرأي العام الدولي والدول الغربية الكبرى التي تغاضت وسكتت على هذا الظلم وهذا الاحتلال وعلى انتهاك إسرائيل المستمر ولعقود طويلة للقوانين الدولية، حيث منعت تطبيق تلك القرارات بشأن حلّ الدولتين.
س: الحراك الآن ليس بعيداً عنكم. هل القوى السياسية اللبنانية توضع بصورة ما يجري على الجبهة الشمالية؟ هل يضعكم قادة الجيش مثلا والأجهزة الأمنية؟ نريد أن نعرف ماذا يجري على الساحة اللبنانية؟ وعلى ماذا يمكن أن يحصل للبنان؟
ج: على الساحة اللبنانية الذي يجري هو أنّه تحصل مناوشات بين حزب الله وإسرائيل. وليس بالضرورة أن ما يجري يلتزم بما يسمى قواعد الاشتباك. والحقيقة أنه ليس هناك من قواعد اشتباك مكتوبة ولا محددة. الذي جرى مؤخراً هو أنَّ إسرائيل زادت من مدى تحرّشها بلبنان، وقصفت مناطق شمال نهر الليطاني، وهي تقصف لبنان بالقنابل الفوسفورية التي تسببت بالكثير من الحرائق والدمار، كما سقط جراء ذلك عشرات الشهداء.
بخصوص قصف إسرائيل لمناطق شمال نهر الليطاني، وهو ما يقول عنه البعض أنه ينبغي احترامه بعدم تجاوز القصف نهر الليطاني نحو الشمال.
هذا الأمر هو ما نخشى منه، وذلك بأن يجري بعد ذلك نوع من الاستدراج للبنان للمشاركة في هذه الحرب.
لا بدّ لي هنا من أن أعود وأكرر أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين لا ترى أن بإمكان لبنان أن ينخرط في هذه العملية العسكرية ليس لأن لبنان لا يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية. على العكس من ذلك، نحن نعلم أن لبنان وعلى مدى الخمسين سنة الماضية ضحّى كثيراً من اجل هذه القضية، وحيث تعرّض لبنان لستة اجتياحات إسرائيلية، وكان من نتيجة ذلك أن تعرّض لبنان للكثير من القتل والتدمير الذي لحق به. لذلك، فإننا لا نعتقد أن بإمكان لبنان الانخراط في هذه العملية العسكرية لأن ذلك سيجر عليه دماراً وضحايا بشرية كثيرة، ولاسيما وأنه لا تتوفر لدى لبنان ولدى اللبنانيين شبكات الأمان التي يحتاجها لتخطي الدمار الذي يمكن أن يحصل من جراء انخراطه في تلك الحرب.
س: ماذا لو قرر حزب الله أن يدخل هذه المعركة؟ أين ستكونون أنتم؟
ج: دعني أكون واضحاً. لقد بادرت في اليوم الثاني لنشوب هذه الحرب، أي في صباح يوم 8 أكتوبر، حيث كان لي موقف واضح جداً. وذلك بأنّي قلتُ انّي ضد هذا الانزلاق، وليس لأنني لا أؤمن بعدالة القضية الفلسطينية- على العكس من ذلك تماماً- ولكن لأني لا أعتقد أن ذلك مفيداً للبنان ولا للقضية الفلسطينية، ولا بالنهاية سيؤدي إلى تغيير الموازين العسكرية.
أعتقد أن المعركة بالنسبة للبنان يجب أن يخوضها لبنان، وكذلك أن تخاض على الصعيد العربي، وذلك يكون على الصعد السياسية والإعلامية والدبلوماسية، وللدفع باتجاه وقف إطلاق النار، والعودة إلى المفاوضات السياسية لتطبيق حلّ الدولتين، وحسب ما أقرّته قمة بيروت في العام 2002.
وأكرِّر أيضاً ضرورة العمل من أجل استعادة عروبة هذه القضية وإنسانيتها، ومن أجل أن نقدم موقفاً واضحاً وطنياً وإنسانياً نستطيع فيه أن نستفيد ونعزّز التغير الجاري على صعيد الرأي العام الدولي، والذي شهدناه من خلال المواقف والمظاهرات التي حصلت في الكثير من دول العالم رفضاً لهذه المجازر ورفضاً لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي ورفضاً للقتل والعقاب الجماعي. لننظر ماذا حصل اليوم؟! في الموقف الاعتراضي الذي جرى في الكونجرس الأمريكي اليوم، حيث لم يتمكن الوزير الأمريكي من الذهاب إلى الادلاء بشهادته وهذا أمر يجب البناء عليه.
أنا أعتقد أنّ التضحيات البطولية التي يقوم بها شعب غزة دفاعاً عن قضيته العادلة يجب البناء عليها، ولها أهميتها الكبرى، وعلى جميع العرب أن يقدروا قيمة هذا الصمود البطولي لأهل غزة ويجب أن يستمر العرب في العمل من أجل تحقيق وقف سريع لإطلاق النار.
س: وصلنا أن هناك تحريك لبعض الشباب في بيروت وتحريك بعض الاجندات كذلك هل تشرح لنا وتضعنا في صورتها؟
ج: أعتقد أنّه- وبخصوص هذا الأمر- فإنّه يجب أن يكون واضحاً أنَّ حزب الله، وعلى مدى السنوات الماضية، عمد إلى إيجاد وتأسيس تنظيمات هامشية إلى جانبه، وبالتالي هو يستعين بها من وقت إلى وقت، وذلك على شاكلة ما يسمى "سرايا المقاومة". وهذا الأمر يحصل أضاً مع الجماعة الإسلامية، والتي عملت إلى إعادة أحياء ما يسمى "قوات الفجر". هذه القوى ليس لها عملياً أي قيمة عسكرية، وهي تعيش على الدعم الذي يقدمه لها حزب الله، وهي لا تتحرّك إلاّ من خلال ما يُطلبُ إليها أن تقوم به من قبل حزب الله. وهدف حزب الله من ذلك، ان يعطي صورة بأنه ليس وحيداً ضمن بيئته، بل هو يشمل جميع اللبنانيين، وأن جميع اللبنانيين منخرطين في هذه العملية العسكرية، وهو ليس صحيحاً.
أنا أقول لك أن الرأي العام اللبناني المسيحي والإسلامي لا يؤيدون الانخراط بعمل عسكري. وكذلك حال معظم اللبنانيون الشيعة. لماذا؟ لأنهم أيضاً ذاقوا ماذا يمكن أن تعني هذه العملية العسكرية إذا حصلت بالنسبة لهم. وذلك استناداً إلى ما حصل وعانوا منه في العام 2006 والآن هناك أعداد كبيرة من اللبنانيين القاطنين على امتداد الحدود بين لبنان والأرض المحتلة. وكيف أنهم اضطروا الى الهجرة إلى الداخل اللبناني وهم يعانون الأمرّين. وبالتالي هذا الأمر يجب أن يكون واضحا أن اللبنانيين يريدون أن يقوموا بدورهم تجاه قضية فلسطين، ولكن سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً.