الرئيس السنيورة لـ الااخبارية السعودية: لم يعد من الممكن أن يتحقّق إنقاذ لبنان طالما أن الدولة اللبنانية تبقى آخر من يعلم ولا سلطة حقيقية لديها وهي أول من يطالَبْ

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

اجرت قناة الاخبارية السعودية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة حول اخر التطورات وفي ما يلي نصه:

س: من بيروت معنا رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة. أهلاً بك دولة الرئيس على شاشة الإخبارية. السؤال: هل نحن أمام زيارة رسمية وتباحث حول ملفات لبنان والمنطقة فقط أم أننا أمام انطلاقة جديدة لعلاقات البلدين السعودية ولبنان وتطوير هذه العلاقات؟

ج: مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. إنّه في الحقيقة يوم مشهود، اليوم الذي يزور فيه فخامة الرئيس جوزاف عون المملكة العربية السعودية. وأن يبدأ الرئيس عون من المملكة زيارته الأولى إلى أي بلد عربي أو أي بلد صديق، فإنّ لذلك دلالات كبيرة وكبيرة جداً لما تمثله المملكة من دور عربي وإقليمي وعالمي مهم، والتي هي الآن بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان.

كذلك إنّه لأمر مهم أيضاً، أن تحصل هذه الزيارة في هذه المرحلة التي يمر بها لبنان، وتمر بها المنطقة العربية والعالم، وأنّ تحصل هذه الزيارة بعد سنوات من الجدب والتضييع والإساءة للعلاقات اللبنانية مع المملكة العربية السعودية التي لطالما كانت السند الأساس للبنان منذ ما قبل استقلاله، وهي التي تحرص وتستمر في حماية لبنان بصيغته الفريدة للعيش المشترك ولنظامه الديمقراطي البرلماني.

إنَّ الرئيس عون بزيارته الأولى للمملكة يؤشر إلى الدور الكبير الذي تلعبه وتقوم به المملكة في الإسهام في إنقاذ لبنان، ولاسيما بعد سلسلة المصائب التي حلَّت به، والتي ارتكبها العدو الإسرائيلي ولايزال.

هذه الزيارة الآن ليست من أجل توقيع أي اتفاقيات، وهي الاتفاقات التي يمكن أن توقع في زيارة لاحقة، ولكنها تعتبر بداية مرحلة جديدة يمكن أن تُستعاد فيها صحة العلاقات بين البلدين الشقيقين. والحقيقة أن هذه العلاقة القوية بين البلدين، قد سادت على مدى معظم تاريخ لبنان الحديث، وليس فقط منذ تاريخ استقلاله، بل وما قبل ذلك حيث كان للمملكة العربية السعودية ولمصر دوراً كبيراً في التأكيد على استقلال وسيادة لبنان، واستقرار حرياته ونظامه الديمقراطي البرلماني، وبالتالي في مشاركته ومساعدته على تحمل آلامه ومعاناته الكبيرة التي تعرض لها على مدى الخمسين عاما منذ بدء الأحداث اللبنانية الأليمة في العام 1975 وحتى العام 2025. ولا بدّ لي هنا من التنويه بالجهد الكبير الذي بادرت إليه المملكة العربية السعودية في التوصل إلى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية الداخلية، والذي وضع الأسس لجمع اللبنانيين لإجراء التعديلات الدستورية، وكذلك بعدها ولاسيما في الإسهام مؤخراً في ترتيب الأمور والتوصل إلى انتخاب رئيس جديدا للجمهورية في لبنان بعد فراغ في السدة الرئاسية للبنان لمدة قاربت السنتين والنصف سنة، وهو الفراغ الذي تكرَّر، وياللأسف، أكثر من مرة خلال العقود الماضية بسبب الظروف التي سادت في لبنان، والتي أدّت إلى سيطرة منطق الدويلة على الدولة اللبنانية.

تأتي هذه الزيارة الرئاسية إلى المملكة العربية السعودية اليوم، وهي التي كانت ولاتزال بالفعل الشقيق والصديق الدائم للبنان، وهي التي وقفت مع لبنان في كل الملمات، واحتضنت لبنان وأمّنت له الإمكانات والقدرات للصمود بوجه كل المحن التي تعرّض لها سابقاً من أجل استعادة الثقة، ثقة اللبنانيين بلبنان من جهة وثقة الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم من جهة أخرى.

لذلك، فإننا ننظر اليوم بكثير من الامل لهذه الزيارة ولما تعنيه بكونها تعتبر ولوجاً من الباب الصحيح الذي يستطيع لبنان من خلاله ومن خلال الدعم الذي يمكن أن توفره المملكة العربية السعودية من أجل إنقاذ لبنان من هذه الأزمة الماحقة التي لايزال يُعاني منها، وهي أيضاً تشكّل إشارات إيجابية من أجل تعزيز النمو والتنمية في لبنان عبر تعزيز الجهود لخوض غمار الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري الصحيح الذي بات لبنان بأمس الحاجة اليه.

س: طيب هذا الإصلاح الذي أشرت إليه في معرض حديثك، وتطرقت إلى الأحداث التي مرت بلبنان منذ العام 1975 لجهة سيطرة الدويلة على الدولة، هذا علماً أنّ اتفاق الطائف نص صراحة على حلّ كل المليشيات، وإلى حصر السلاح بيد الدولة والجيش اللبناني لكن هذا لم يتحقق منذ ذلك الحين. اليوم هل الظروف برأيك دولة الرئيس باتت مؤاتية للبنان لتنفيذ هذا البند من اتفاق الطائف خاصة وأن سوريا التي استثنت في ذلك الوقت الحزب حينها من تسليم سلاحه للدولة اللبنانية هي الأخرى تشهد تغييرا وتسعى كما يسعى لبنان لتحقيق الإصلاح داخل حدودها؟

ج: في الحقيقة، أنَّ لبنان حظي بفرص عديدة ليقوم بإجراء الإصلاحات اللازمة. ولكن، وللأسف، لم يجرِ الإصرار على متابعة وتطوير الاستفادة من تلك الفرص المتاحة، ولاسيما بعد ما أتاحه الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في مدينة الطائف في العام 1989، والذي كان للمملكة العربية السعودية الدور الكبير في تحقيقه وفي إنهاء الحرب الداخلية في لبنان ومن أجل تحقيق النهوض المنشود.

تجدر الإشارة إلى أنه، وخلال الفترات السابقة، ومنذ اتفاق الطائف، سيطرت على لبنان ظروف وأوضاع صعبة. فبدايةً، سيطر النظام السوري على الدولة اللبنانية، ومن خلال النظام السوري، تعزّزت سيطرة الميلشيات على الدولة اللبنانية أيضاً، وهي التي عاثت في لبنان فساداً وإفساداً، وامتناعاً عن متابعة مسيرة الإصلاح، وهو ما كان يحول دون أن تستعيد الدولة اللبنانية حضورها وسلطتها وهيبتها واحترامها. كما أنه، وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، تسلّط حزب الله ومن ورائه إيران على الدولة اللبنانية. وهكذا، فقد شهد لبنان خلال هذه العقود الثلاثة الماضية الكثير من المآسي والاستعصاء على الإصلاح، مما حال دون أن تبسط الدولة سلطتها الكاملة، ودون أن تتبنى الدولة اللبنانية البرامج الإصلاحية اللازمة لتحقيق النهوض الذي يرغب اللبنانيون في تحققه.

اليوم نحن وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها أمر الإصلاح ضرورياً وأساسياً أكثر من أي وقت مضى، من أجل إخراج لبنان من أتون أزْماته المتعاظمة. وهنا لابد أن أذكّر بالقول الذي كنت طالما أشدد عليه بأنّ الإصلاح أمر تقوم به الدول أو الأمم عندما تكون بحاجة إليه وقادرة عليه وليس عندما تصبح مجبرة عليه لأنه عندها يكون الإصلاح قد أصبح شديد الأكلاف وأيضاً شديد الأوجاع. وهذا هو الحال الذي بتنا خلاله نعاني الكثير من المحن والتراجع.

الآن هناك نوافذ جديدة قد فتحت، وأصبح يشرق منها نور جديد وإمكانات جديدة وفرص جديدة للبنان، ولاسيما بعد فشل المحاولات التي كانت تصور أن حكم الميليشيات يمكن أن يحل محل الدولة اللبنانية. لقد أثبتت الأيام أن ليس هناك من إمكانية لأحد أن يحل محل الدولة اللبنانية لأن الدولة هي التي تحمي الوطن، وهي التي تستطيع أن تحمي اللبنانيين، وأنَّ استمرار الخلافات الطائفية والمذهبية لا يحمي لبنان.

هناك فرصة جديدة باتت متاحة اليوم من أجل بناء علاقات سوية ما بين لبنان وما بين سوريا، ذلك لأن الظروف التي سادت خلال الفترات الماضية أدت إلى أن يصبح لبنان العوبة بيد النظام السوري وبيد المليشيات الطائفية والمذهبية التي حكمت لبنان.

هذه الفرص الجديدة التي باتت متاحة الآن هي التي يجب أن يصار إلى التقاطها وادارتها بشكل صحيح وسليم لكي يتمكن لبنان من أن يحقق الإنقاذ المنشود، الذي يحتاجه الوطن، ويحتاجه المواطنون اللبنانيون.

س: طيب سؤال، كما تقول، الإصلاح تقوم به الدول تقول عندما تكون بحاجة إليه وقادرة عليه لكن لا أحد ينكر طبعا التغيرات التي حصلت في لبنان الآن والنية طيبة، لكن إيران في عام 1982 أسَّست أمل الإسلامية وتحولت لاحقا إلى حزب الله بالتالي هل تعتقد أنها في وارد إيران التخلي عن كل هذه السنوات من التدريب والاستثمار في الحزب وسترضى بعودة لبنان إلى الحضن العربي حتى وإن كانت علاقاتها اليوم جيدا مع العرب؟

ج: أنا لا أنكر ان حزب الله وهذه الميليشيات هي التي تتحكم بلبنان ومن ورائها إيران، وأنها لاتزال بالرغم من كل ما حصل في لبنان على مدى السنوات الماضية من سوء تقدير وسوء تدبير، وما تسبب به ذلك من خسائر كبرى، بشرية ومادية، طالت لبنان واللبنانيين، فإن الحزب ومن يدور بفلكه لايزالون في حالة إنكار لحقيقة ومدى ما حصل في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة، وهو الأمر الذي لا يخدم جهود إخراج لبنان من المآزق الكبرى التي أصبح في اتونها.

لذلك، فإني أعتقد أنّ هناك ضرورة من أجل أن تتوفر في لبنان مقاربات جديدة لتغيير النهج المتبع في التصدي للمشكلات التي تعصف بلبنان. ولديَّ الأمل الكبير الآن في انتخاب رئيس الجمهورية الجديد العماد جوزاف عون وأيضاً في الحكومة الجديدة بقيادة الدكتور نواف سلام. هذه الحكومة الجديدة، إن شاء الله، يجب أن تجهد لكي تتوفر لديها الفرص الجديدة، وبالتالي الحاجة من قبلها بالطبع إلى بذل العمل والجهد والمثابرة والقيادة والشجاعة والرؤية المستقبلية، وكذلك الصرامة والحزم لاتخاذ المواقف والقرارات الوطنية الأساسية من أجل جذب تلك الجماعات من اللبنانيين التي لا تزال في حالة إنكار حتى الآن لكي تنضم وتنضوي تحت لواء الدولة اللبنانية. لا شكَّ أن هذا الأمر ليس بالأمر السهل. ولكن، باعتقادي هناك إمكانية، ولاسيما أن هناك شعورا واضحا أنه لم يعد بالإمكان ممارسة الميوعة والتلاعب ومحاولة التهرب من تطبيق القرار 1701، التي فاوض عليها الرئيس نبيه بري وأقرّتها الحكومة اللبنانية. ومن ضمن ذلك، التفاهمات الجديدة لتطبيق القرار 1701، بما يعنيه ذلك من عودة مظفرة للدولة اللبنانية بكامل سلطتها على جميع اراضيها وجميع مرافقها. وأنه لم يعد من الممكن على الإطلاق أن يتحقّق إنقاذ لبنان طالما أن الدولة اللبنانية تبقى آخر من يعلم ولا سلطة حقيقية لديها، وهي أول من يطالَبْ في أن تتحمّل المسؤولية.

نحن الآن نرى أنّ الذين تسببوا بالحروب التي تعرض لها لبنان، باتوا يطالبون الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها. طبيعي أنّ على الدولة أن لا تتهرب من تحمل مسؤولياتها. ولكن الدولة، ولكي تنفذ واجباتها وتتحمل مسؤولياتها، يجب أن تعود صاحبة السلطة الحصرية على كامل أراضيها، وعليها بالتالي أن تتحمل مسؤولياتها. لا يمكن أن تبقى الدولة آخر من يعلم بما يجري وليس لديها قرارها ولا تستطيع أن تمارس سلطتها، وحيث يستمر الحؤول دون أن تسترجع الدولة سلطتها. ولكن، وللأسف، هي التي تُطالَبْ بأن تصلح ما أفسدته الأحزاب والميليشيات. هذه الممارسات إن استمرّت على هذا النحو، فإنّه من غير الممكن أن يتحقق الإنقاذ. لقد آن الأوان لتعود الدولة صاحبة القرار. وهذا هو الشعور المتزايد، وكذلك القناعة لدى اللبنانيين. اللبنانيون يطالبون الآن بأن تعود الدولة صاحبة السلطة الوحيدة على الأراضي اللبنانية، وأن لا يكون هناك أي قوى عسكرية غير القوى العسكرية للدولة اللبنانية، وبالتالي وجوب أن تستعيد الدولة قرار الحرب وقرار السلم، إذْ لم يعد من الممكن أن يصار إلى الاستمرار في توريط لبنان في حروب عبثية، والتي لم يجنِ لبنان منها إلاّ الخيبة والخسران الكبير.

تاريخ الخبر: 
03/03/2025