الرئيس السنيورة : معهد باسل فليحان اقيم لتدريب موظفي وزارة المال وباقي الوزارات وهو حاجة لتقدم اصلاح الدولة

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

اجرت محطة (ام تي في) حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة حول اهمية ودور وخلفيات تاسيس معهد باسل فليحان للتدريب حيث شرح الاهداف والخلفيات والنتائج التي تحققت من خلاله وفيما يلي نص الحوار الذي اجرته الاعلامية نبيلة عواد وفي ما يلي نصه:

س: معنا رئيس الحكومة الأسبق الرئيس فؤاد السنيورة في هذه الحلقة. اهلاً وسهلاً بك دولة الرئيس. حضرتك كنت أول الأشخاص الذين كانوا من المؤسسين لمعهد باسل فليحان المالي. كيف طرحت هذه الفكرة بالتعاون مع الشهيد باسل فليحان وكيف كانت البدايات؟

ج: بدايةً، شكراً لك سيدة نبيلة على هذه الاستضافة، وفي هذا اليوم بالذات، وبمناسبة ذكرى مرور 29 سنة على تأسيس هذا المعهد، وأيضاً مرور 20 سنة على استشهاد الأخ والصديق والزميل باسل فليحان. الحقيقة، انَّ فكرة إنشاء المعهد تطورّت لديَّ بكونها كانت ثالث تجربة لي في تأسيس معهد مالي لتدريب موظفين لمتابعة تحصيلهم العلمي والعملي وتطورهم المهني على قاعدة التعلّم المستمر:

التجربة الأولى، التي كانت لي عندما كنت رئيسا للجنة الرقابة على المصارف في العام 1977، وحتى العام 1982 من القرن الماضي. ذلك عندما أسَّست أول معهد للتدريب في داخل مؤسسة مصرف لبنان بالتعاون مع حاكم البنك المركزي آنذاك الشيخ ميشال خوري، وكذلك بالتعاون مع السيد هاني الدنا الذي كان يعمل قبل ذلك مع المصرف الدولي Chase Manhattan bank.

والتجربة الثانية، كانت عندما كنت ارأس المجموعة المصرفية والمالية لبنك البحر المتوسط أيضاً خلال الأعوام 1982 حتى العام 1992، وحيث أسَّست معهداً للتدريب، وحيث تعاون معي في ذلك الدكتور نديم المنلا الذي كان أستاذاً في الجامعة الأميركية، والذي أوفدته ليتدرب لدى مصرف CitiBank على تحمل إدارة معهد التدريب في المجموعة، وهو المصرف الدولي الذي عملت فيه في بداية عملي المصرفي خلال السنوات 1967- 1972.

التجربة الثالثة، كانت في الدور الذي قمت به في تأسيس هذا المعهد المالي في وزارة المالية عندما كنتُ وزيراً للشؤون المالية في الحكومة الأولى للرئيس رفيق الحريري. حيث، وبدعم أساسي من دولة الرئيس رفيق الحريري، أطلقت آنذاك فكرة إنشاء هذا المعهد بدايةً في نهاية العام 1992، وحيث انضمّ إلى فريق العمل الذي أنشأته آنذاك في الوزارة الدكتور باسل فليحان كمستشار لي في منتصف العام 1993. ولقد تولّى الدكتور فليحان آنذاك مسؤولية الفريق الاستشاري في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP. الدكتور باسل فليحان شخص كفؤ على الصعيدين الأكاديمي والعملي، وهو يتمتع بشخصية محببة، وهو الذي كان قد عمل في صندوق النقد الدولي. وأحفظ له الكثير من التقدير، وحيث تعاونا سوية في وزارة المالية من أجل تطوير أعمال وزارة المالية.

لقد اعتمدت فكرة إنشاء هذا المعهد المالي من أجل إتاحة الفرصة أمام موظفي وزارة المالية من أجل تطوير معارفهم وخبراتهم وحرفيتهم وتحسين أدائهم. وبالفعل، لقد بدأنا أعمال التدريب في الوزارة منذ مطلع العام 1993 حتى قبل أن يجري الإعلان عن تبني تأسيس هذا المعهد. أي فعلياً أنَّ هذا المعهد بدأ اعماله قبل أن يتبلور الاتفاق الذي عقدناه مع وزارة المالية الفرنسية، والذي تمَّ توقيعه في العام 1996. هذا علماً أنّ هذا المعهد المالي التابع لوزارة المالية اللبنانية، قد حصل على الترخيص بتأسيسه القانوني، أي أنه قد أصبح قانونياً في العام 2003، عندما صدر قانون خاص بذلك من ضمن قانون موازنة العام 2003، بحيث جرى عندها تشريع وجود هذا المعهد.

لقد انطلقنا في وزارة المالية على مسار تأسيس هذا المعهد انطلاقاً من إدراكنا الحاجة الماسة لاستعادة نهوض وزارة المالية بعد سنوات من التراجع منذ بدء الحرب الأهلية في لبنان، أي منذ العام 1975، وإلى حيث ما باتت عليه الوزارة في العام 1993. تجدر الإشارة، ومن ضمن المؤشرات التي كانت تعني الكثير آنذاك، أنه وفي مطلع العام 1993، كان قد أصبح معدل اعمار العاملين في وزارة المالية حوالى 58 سنة، وهو ما كان يؤشر إلى أنّ الإدارة العامة في وزارة المالية، كما أصبح الحال عليه في باقي الوزارات والإدارات العامة، كانت قد بدأت تشيخ وتصبح هرمة. وذلك ما يؤكد على أنّ الوزارة والعاملين لديها كانا قد باتا بحاجة الى تطوير سريع في عديد العاملين في الوزارة وفي تعزيز كفاءاتهم، وفي الوزارة في برامجها وأجهزتها، وفي أهدافها وكيفية تحققها. ولذلك، كانت الوزارة بحاجة الى إخضاع الموظفين القدامى، وكذلك الجدد للتدريب من أجل تطوير معارفهم ومهاراتهم وحرفيتهم، بحيث يكونوا قادرين على أن يقوموا بتأدية الخدمات التي تحتاجها الإدارة اللبنانية، ويحتاجها المواطنون، ومنهم المكلفون اللبنانيون بتأدية الضرائب، إلى مثل هذه الخدمات.

وهنا على أن أؤكد على مسألة أساسية، وهي أنّ الرقي بالوظيفة الحكومية هو ارتقاء بإدارة الدولة إلى المستويات التي يمكن أن تحقق خدمة الناس بكفاءة وفعالية وصدق ومسؤولية. وهذا حق المواطنين على الدولة، وهو ما يتوقَّعونه منها. بذلك يستقيم ويتعزز أمر الخدمة الحكومية والعمل الحكومي، وبه وعندها يتدعَّم إيمان المواطنين بالدولة وبالوطن. وهذه جلّها أهداف وطنية وسياسية وأخلاقية بامتياز.

هذا يعني وجوب أن تبادر الدولة إلى الاستثمار في العاملين لديها عن طريق تعزيز معارفهم وحرفيتهم، وفي تحسين أدائهم للمهام المناطة بهم بشكلٍ سليم بما يخدم مصالح المواطنين. الأمر الطبيعي في هذا الصدد، انّي انطلقت في هذه الخطوة من فكرة بسيطة جداً، وهي فكرة يتداول بها اللبنانيون كل يوم ولكنهم لا يعطوها قيمتها الحقيقية، حيث تقول هذه الفكرة: "أعطِ الخبز للخباز ولو اكل نصفه"، بمعنى وجوب الاستعانة بمن هو كفوء لصناعة الخبز حتى يتحقّق الهدف المنشود.

الحقيقة أنني طوّرت هذه الفكرة لكي تصبح: "أعطِ الخبز للخباز وراقبه حتى لا يأكل نصفه"، بمعنى ذلك انه على العاملين في اي شأن أكان ذلك في القطاع العام ام في القطاع الخاص أن يكونوا فعلياً على معرفة ودراية كفوءة ومستمرة مع كل جديد من خلال إخضاعهم لعملية التعلم المستمر. إذْ لا يُمكن أن تنتج خبزاً إذا لم يجرِ إيلاء المسؤولية والعمل لمن هو قادر على أن يصنعه. وهذا يقتضي في الوقت ذاته أن يُصار إلى تمكين هذا الشخص المسؤول عبر اعتماد برامج للتدريب المستمر، ليكون على معرفة ودراية مستمرة مع كل التطورات المستجدة. هذا الامر هو الذي حاولت أن أقوم به من خلال هذا العمل عبر تنفيذ فكرة المعهد المالي، والذي عاونني في ذلك الدكتور باسل فليحان خلال السنوات التي كان يعمل خلالها في وزارة المالية كمستشار لي وكرئيس فريق الـUNDP، وذلك خلال السنوات 1993- 1998، وخلال الحكومات الثلاث الأولى للرئيس رفيق الحريري.

س: تقييمكم لأداء هذا المعهد خصوصا مع كل الازمة الاقتصادية التي مرَّ فيها لبنان خصوصا مع الفساد اللي شفناه بالسنوات الماضية ايضا بالمؤسسات العامة وبالإدارات العامة والوزارات كم كان دور هذا المعهد فعَّال؟

ج: الحقيقة الثابتة، أنَّ اعتماد أسلوب التدريب والتمكين بشكلٍ مستمر للعاملين في الإدارات والمؤسسات العامة يُسهم إلى حدٍّ كبير، في تعزيز وتطوير الحياة المهنية لأولئك العاملين، إضافة إلى كونه يسهم في تحسين مستوى الرضى الوظيفي لديهم، ولاسيما في تمكينهم من رفع مستوى معارفهم وكفاءتهم وحرفيتهم في ظل التطورات التكنولوجية والاقتصادية والمالية المتسارعة والبالغة التأثير التي تشهدها أسواق العمل في لبنان. هذا فضلاً عن أنه يسهم في إيجاد روابط أوثق وأكثر تلاؤماً بين كفاءة واحترافية العاملين وبين متطلبات وطبيعة العمل والخدمات التي يفترض أن تقدمها تلك الإدارات والمؤسسات إلى المواطنين اللبنانيين.

لقد شكَّلت تلك السياسة والالتزام بتطبيقها، أمراً في غاية الأهمية على طريق التأسيس لإدارة عامة فاعلة ورشيقة في وزارة المالية، تمهيداً وتحفيزاً لأداء إداري ومالي أفضل في إدارات ومؤسسات القطاع العام كافة.

لقد كانت مهمة هذا المعهد بدايةً على أساس تدريب موظفي وزارة المالية القدامى على كل المعارف والمهارات الجديدة وعلى عمليات المكننة التي كانت تجري على قدمٍ وساق في وزارة المالية وايضا من خلال تدريب الموظفين الجدد، ولاسيما للمجموعة التي تولّت بعد ذلك تطبيق عملية تنفيذ الضريبة على القيمة المضافة في العام 2001. وهي الفترة التي كان الدكتور باسل فليحان قد ترك وزارة المالية وأصبح وزيراً للاقتصاد الوطني في حكومة الرئيس رفيق الحريري الرابعة.

في العام 2001، حاولت أن أستعين بعدد من خريجي الجامعات اللبنانية (حوالى150 شاب وفتاة خريجين جدد)، وهم الذين جرى توظيفهم في وزارة المالية بناء لمباريات مفتوحة، وتنافسية تمت عبر مجلس الخدمة المدنية، والذين نجحوا في هذه المباريات وبالتالي اُخضِعُوا لعمليات تدريب مستمرة عبر المعهد المالي. في الحقيقة، انه ما كان ممكناً أن يصار إلى تطبيق هذه الضريبة الهامة والأساسية، وما كان من الممكن تحقيق هذا النجاح الباهر الذي حظيت من خلاله وزارة المالية وإدارة الضريبة على القيمة المضافة بتقدير كبير، حيث اعتبر ذلك على أنه إنجاز كبير على الصعيد العالمي في تطبيق هذه الضريبة، وذلك استناداً إلى ذلك المسار الذي اختطته الوزارة آنذاك ونجحت فيه بتطبيق هذه الضريبة.

إذا، فإنّ هذا المعهد عمل كل شيء من أجل تدريب موظفي وزارة المالية، وهم متوزعون على عديد من مديريات الوزارة، وتحديداً في الجمارك والدوائر العقارية والمساحة، وأيضاً إدارة المالية العامة وإدارة الريجي وغير ذلك. هذا بالإضافة الى ما كان يقدمه المعهد من خدمات تدريبية للعديد من الوزارات الأخرى في الحكومة اللبنانية منذ أن أنشئ وحتى الآن.

لقد نجحت وزارة المالية في تنفيذ مهامها، والذي ساعدها على ذلك الدور المتميز الذي قام به المعهد المالي.

لقد جرى إطلاق فكرة هذا المعهد من فكرة التصميم على خلق جزر التميز في وزارة المالية على أمل أن يؤدي ذلك إلى خلق جزر أُخرى داخل الوزارات الأخرى في الدولة اللبنانية عبر ما يسمى العدوى الحميدة، وهو ما أسهم به المعهد بشكلٍ كبير ومييز.

أما بالنسبة للأمر الذي أشرتِ إليه حول موضوع الفساد، وهو الذي انا اختصرته بهذه الكلمة التي أضفتها على مسألة الخباز. وهي "راقبه حتى ما يأكل نصفه". هنا أودّ أن أقول امراً أساسياً، وهو أنّ الرقابة على اهميتها ليست كافية لمنع الفساد. الأمر يجب أن يبدأ بتعيين من هم كفؤ للعمل الواجب تحققه وتعريض أولئك الأشخاص للتدريب المستمر والتعلم المستمر، ومن ثمّ إجراء الرقابة الصحيحة على أعمالهم وإنجازاتهم من خلال المساءلة والمحاسبة المؤسساتية والمستمرة على اساس الأداء.

بعد ذلك، يجب أن تكون الترقية مبنية على ما يحققه أولئك العاملون من إنجاز وأداء مميز، بحيث يجري التأكد من تحقق الإنجاز وضمان استمراره والمثابرة عليه إذا كان صحيحاً أو لا.

لذلك، فإنه وبالإضافة الى ما قام به هذا المعهد كان هناك جهد كبير بذلناه في وزارة المالية من اجل تعزيز فكرة الرقابة المؤسساتية في الدولة اللبنانية من خلال الاستعانة بمراقبي الحسابات الخارجيين وكان هناك عدة قوانين قد صدرت خلال عملي في وزارة المالية لجعل عملية الرقابة الخارجية على أعمال إدارات الدولة عملاً ملزماً قانونياً. كما كان هناك مشاريع قوانين أخرى إحالتها الحكومة إلى مجلس النواب، والتي جرى الحؤول دون إقرارها. وتحديداً هناك قانون أرسل إلى مجلس النواب صدر عن حكومتي في العام 2006. وللأسف، لايزال مشروع هذا القانون قابعاً في مجلس النواب، وهو المشروع الذي يقضي الاستعانة وفي إخضاع جميع أعمال الوزارات والادارات اللبنانية للرقابة المستمرة، الداخلية وأيضاً الخارجية. هذا إضافةً إلى ما يقوم به ديوان المحاسبة. فاذا هذا المعهد كان له دور كبير في تطوير عمل وزارة المالية وفي تطوير عمل وزارات وإدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية.

أختم حديثي لأقول: على مدى السنوات التي تولّيت فيها وزارة المالية، والتي كان إلى جانبي فيها الدكتور باسل فليحان خلال مرحلة الحكومات الثلاث للرئيس رفيق الحريري، الذي كان الداعم الأول والأساس لكل عمليات النهوض التي حصلت في الدولة اللبنانية، والذي ما كان من الممكن إنشاء هذا المعهد من دون دعمه.

كذلك أيضاً، فإنّ ما سعيت إلى تحقيقه بعد ذلك من خلال الدعم الذي حرصتُ على استمرار القيام به خلال الحكومتين اللتين ترأستهما للاستمرار في دعم فكرة المعهد المالي، وحيث حرصتُ على الالتزام بفكرة أساسية، وهي أن نُدخلَ في وعي الموظفين الحقوقي والمهني، مسألة اعتبار التعلم والتدريب المستمر حقاً من حقوقهم تكرّسه القوانين، وأن ذلك ليس منّة من أحد عليهم، بل هو أمر واجب على الوزارة حيالهم. لكنه أيضاً واجب عليهم، يُمليه الحرص على أداء الخدمة العامة بأمانة وإتقان وتميّز. وهو كذلك مطلب من متطلبات التلاؤم مع مقتضيات العصرنة والانفتاح على الحداثة في العمل العام.

خلال العام 2006، وخلال حكومتي الأولى، اقترح عليَّ الدكتور جهاد أزعور الذي كان قد أصبح وزيراً للمالية في حكومتي الأولى أن يصار إلى أن نطلق على المعهد اسم معهد باسل فليحان، وهو ما دعمته، وهكذا أصبح اسمه: "معهد باسل فليحان".

تاريخ الخبر: 
10/09/2025