أمس خرج فؤاد السنيورة
اليوم، تفتخر جماهير المعارضة واركانها، وتحتفل لانها قبضت على المفاصل الهامة والاستراتيجية في حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى، وتتباهى بحليفها العماد عون الذي نال الحقائب الدسمة، لكن وفيما «القيامة قايمة» والجماهير تهيص، نسي الجميع ان فؤاد السنيورة خرج ولم يعد...
ولولا الهدوء الاقليمي القابع والمفروض على هذه الجماهير، لكسّرت الجرار والفخار خلف المغادر الذي طال بقاؤه وكان عصيّا على رغباتهم ومحاولاتهم الحثيثة لاخراجه.
لكن من ناحيته، استطاع رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة الذي اتى بعده بريق سلفه، الشهيد رفيق الحريري، ان يشكل العلامة الفارقة والمميزة في تاريخ حكام السراي الكبير.
صمد في المقر، رغم حشود الخيم والشوادر التي ضيّقت عليه فسحة الاقامة، لكن هو في الداخل كان لا يهدأ ولا يستكين، وسّع ارجاء السراي وحول امسياتها الى ممارسة الطقوس الدينية، ففيها امّ المفتي محمد رشيد قباني المصلّين، وفيها ايضاً اقيمت القداديس على نية صموده.
فالسنيورة الليّن وغير القاسي حتى لا ينكسر، حوّل سراياه الى اراض مقدسة، ادرجها اهل السنة في محظورهم الديني، فحاذر المعتصمون المسّ بالمقدسات، وهكذا صمد الرئيس السنيورة امام الجحافل المرابطة خلف الاسوار، وما زاد في طين صموده بلّة، ان الدول العظمى ارسلت له مبعوثيها، اضافة الى الاتصالات الهاتفية اليومية، فتحولت سراي السنيورة الى حجّ دولي، تسابقت دول الغرب على تأييده واصبح اسمه على كل شفة وفي كل تصريح.
اما بعض قادة الدول العربية، فقد قرروا دعم حليفهم المحاصر عبر انعقاد مجلس وزراء خارجية العرب في المقر الحكومي، فترأس السنيورة المحاصر المؤتمر الذي اخرج «دوحة» الاتفاق الى العلن.
وصمود الرئيس فؤاد السنيورة في السراي الكبير يشبه كثيراً صمود الرئيس الراحل كميل شمعون في القنطاري، الاول حوصر بالمظاهرات الصاخبة، والثاني حوصر بالمسلحين واطلاق النار.
وفيما كان السنيورة يطل على المتظاهرين نكاية ويدلي امام وسائل الاعلام العالمية بالتصاريح ليقول للمعارضة انه باق هنا، كذلك تبادل الرئيس شمعون اطلاق النار مع محاصريه.
والاثنان صمدا حتى نهاية الولاية.
لم يتعرض اي رئيس للحكومة، كما تعرض له السنيورة «خائن» و«عميل» و«متعامل»، كلمات ونعوت واوصاف فاقت حدود اللياقات وتجاوزت الآداب العامة المعتمدة ونزل المستوى الى الحدود الدنيا، وهو يبتسم، فيزيد المعارضون العيار، عندما يرتفع عندهم منسوب القهر.
اتهموه بانه يمارس العمالة مع الغرب، نشروا له الصور التي يقبّل فيها وزيرة خارجية اميركا.
لم يتركوا اية صفة يعتب عليها قاموسهم الشتام..
لكنهم جميعاً، اقرّوا به رئيساً للحكومة في «دوحة» الاتفاق.
فانضوى العونيون مع الفريق الشيعي في حكومة هو رئيسها، واعترف نبيه بري، لمرة واحدة واخيرة بانه رئيس حكومة المقاومة.
«التنوي»، كلمة عامية، يفهمها المتعاطون بشؤون زهر الليمون والماء زهر، والتنوي عبارة عن بخار اخير تلفظه «الكركي» ليتحول الى ماء زهر صنف ثان.
هكذا اعتبر البعض، ان مجيء فؤاد السنيورة بعد ضخامة المرحلة للرئيس الشهيد رفيق الحريري سيكون «التنوي»، وان لمرحلته عنواناً وحيداً هو الانتظار حتى يسلّم مقاليد السراي الى مستحقيها.
لكن التطورات والاحداث الجسام وحنكة السنيورة وضعته في مصاف الكبار وادخلته الى نادي رؤساء الحكومات رئيساً محنكاً.
ومهما قيل عنه ومهما اطلقوا عليه من نعوت واوصاف، فان السنيورة كتب حقبته في الحكومة بيديه، فاستحق لقب فؤاد السنيورة المثير للجدل.
ففي سراياه صمد رغم ابواب الجحيم التي طوقته، فيما غيره في الكليمنصو استسلم عند اول كوع وكادت توبته تطيح بفريقه السياسي، والصدفة المدهشة ان تائب اليوم هو الذي اصرّ وعاند ان تصدر حكومة السنيورة قراريها الشهيرين فيما كان رئيسها يجانب اصدارهما، والغريب المدهش ايضاً وايضاً ان تائب اليوم اراد بقوة الغاء القرارين بعد خمسة ايام من اصدارهما، فيما الرئيس السنيورة ايضاً يهدئ من روع المصرين على الغاء القرارين.
خرج السنيورة وكان لديه متسع من الوقت.
ضبّ اوراقه ووضع مذكراته في ارشيفه الخاص خلافاً لما هددوه به حين تمرجلوا عليه قائلين انه لن يكون هناك له وقت كاف للمغادرة.
امس غادر الرئيس فؤاد السنيورة السراي الكبير دون ان ينتبه احد، ان الرئيس المثير للجدل غدا نائباً عن مدينة صيدا ورئيساً لكتلة نواب المستقبل.
لكن الاكيد ان كتب التاريخ ستكتب يوماً بأن فؤاد السنيورة المدير المالي في مؤسسات الحريري ومدير بنك المتوسط واليد اليمنى للرئيس الشهيد رفيق الحريري، اصبح كبيراً في نادي رؤساء الحكومات وترك وراءه حقبة مثيرة للجدل.