كلمة وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة ممثلاً دولة رئيس مجلس الوزراء في المؤتمر الصناعي لجمعية الصناعيين اللبنانيين المنعقد في فندق البستان- بيت مري

-A A +A
Print Friendly and PDF

اصحاب المعالي،

ايها السيدات والسادة،

 شرفني دولة رئيس مجلس الوزراء الاستاذ رفيق الحريري بتمثيله في هذا المؤتمر الصناعي الذي تنظمه جمعية الصناعيين اللبنانيين تحت شعار "الصناعة اللبنانية عام 2000 والتعاون الصناعي العربي والدولي".

 ايها السادة،

 ليس ادل على اهتمام الدولة بالصناعة واهلها من رعاية فخامة رئيس الجمهورية الاستاذ الياس الهراوي لهذا المؤتمر، وليس ابلغ من سهر الحكومة على الشأن الاقتصادي ودفعه والعمل على تنشيطه وتحريك عجلة الانتاج، وتشجيع القطاعات الانتاجية المختلفة، وخاصة القطاع الصناعي، الذي يحظى من دولة الرئيس بالتفاتة خاصة، من حرصه على المشاركة في هذا المؤتمر ومتابعة جلساته ومناقشاته من اجل ان يحقق غاياته والهدف المقصود من تنظيمه، وليس انفذ بصيرة من هذا اللبناني الذي يرصد الاحداث ويتابعها وينفذ الى اعماقها، يعمل الفكر، ويحرض العقل، فيخطط ويبادر ويقدم، غير هياب ولا وجل، فلا يبقى خارج الاحداث يراقب ويتردد، بل يدخلها ويخوض غمارها، متسلحا بعقل خلاق وارادة صلبة وثقة بالنفس وطموح لا حدود له، تستنفره الاحداث وتستحثه التحديات، فتراه يتصدى ويستبق الزمن، ليكون له معه موعد ولقاء واضعا نصب عينيه الابداع في كل عمل ونشاط، وقد تجلت حدة البصيرة هذه في جمعية الصناعيين اللبنانيين التي بادرت الى تنظيم هذا المؤتمر الذي رمت من ورائه استشراف الصناعة عام 2000 والتحضير منذ الآن لمستقبل الصناعة اللبنانية في ظل المتغيرات والتحولات الجارية في العالم اليوم وما تحمله من افكار وتحديث وتطور على صعيد العلم والتكنولوجيا وعلى مستوى علم الاقتصاد، ولم يغب عن هذه الجمعية ان ترى، بثاقب نظرها، حقيقة واقعة ان مستقبل الصناعة منوط بالتعاون الصناعي مع الدول العربية وفتح الاسواق والغاء الحواجز في اطار الانفتاح على العالم، فعبر عنوان هذا المؤتمر عن رؤية مستقبيلة ومستنيرة.

 

اصحاب المعالي،

ايها السادة،

 اننا نؤمن ايمانا راسخا ان التضامن والتعاون العربيين، في ظل المتغيرات الجديدة، على كل المستويات وفي كل المجالات، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، يجب ان يكون عنوان المرحلة القادمة، لانه كفيل بجعل الموقف العربي تجاه الاحداث الجارية اكثر فعالية ومناعة، ويؤدي الى تعزيز القدرات العربية في مواجهة احتمالات المستقبل وتحدياته.

 اننا نشهد اليوم ملامح تكتلات اقتصادية كبرى ترتسم بوضوح في العالم، لما يمكن ان تحقق هذه التكتلات من منافع متبادلة لاصحابهاوما يمكن ان يصاحبها من حواجز حمائية، وهذا ما يجعل الوقوف بوجه هذه التكتلات من جانب كل دولة على حدة امرا في غاية الصعوبة، ان لم يكن مستحيلا مهما بلغت هذه الدولة من الغنى ومهما توفر لديها من قدرات وامكانات.

 ولا اخال ان احدا منا يشك ولو للحظة اننا نستطيع المواجهة منفردين، فلا يمكن ان يكون لاي منا منفردا موقع في هذا العالم الذي يخطو خطوات جبارة وعملاقة نحو التقدم والرقي، ونحن على وعي تام بانه لم يعد هناك في هذا العالم الذي تحكمه المصالح، مكان للضعفاء، فعجلة التطور المتسارعة تطحننا وتضعنا خارج الزمن ان لم نحسن اعداد انفسنا لمواكبتها، وهذا الوعي يجب ان يحدونا للتحضير والاعداد للمرحلة الجديدة، واعتقد اننا قادرون على المواكبة، لان لدينا المقومات الاساسية لبناء اقتصاد قوي، وفي مقدمتها، الموارد المادية والبشرية، ولكن ما ينقصنا هو الارادة والتخطيط لاستعمال هذه الموارد وحسن استغلالها والتعاون والتنسيق في ما بيننا لتوجيه هذه الموارد في بناء علاقات اقتصادية وارساء سياسات اقتصادية توفر لنا موقعا متقدما ، يحسب له حساب في عالم اليوم والغد.

 ولا بد لنا من ارساء هذا التعاون والتنسيق بين دولنا على قواعد علمية وموضوعية مدروسة، وهو ما يقتضي منا تحديث بنياتنا التحتية وتحسين الخدمات العامة وزيادة فعاليتها وتشجيع حرية وحركة عوامل الانتاج وتوفير مناخ اقتصادي وتشريعي ملائم يضمن استقرار الاقتصاد الكلي. كما وان انعاش وتفعيل قدرات القطاع الخاص، وفتح الاسواق العربية بعضها على البعض الآخر وتبادل الرساميل وتشجيع الاستثمار، والحد من القيود ومن الصعوبات امام التعاون والتبادل بين القطاعات الخاصة الانتاجية، وبصورة خاصة الصناعية منها، من شأنه ان يشكل الركائز الاساسية لبناء اقتصاد عربي قوي، وباختصار يجب العمل على ايجاد نوع من التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، بما يحقق مصالح كل دولة عربية على حدة، وينمي اقتصادها وقطاعاتها الانتاجية، وبما يؤدي بنفس الوقت الى تحقيق مصالح الدول العربية مجتمعة. 

 

ايها السادة،

 لقد قفزت الصناعة اللبنانية قفزات واعدة الى الامام في السنوات الاخيرة، على الرغم من ان الحرب قد دمرت البنية الصناعية تدميرا شبه كامل، ولكن القطاع الصناعي بفضل رجال الصناعة اللبنانيين وارادتهم الصلبة، وكفاءاتهم العالية، ما لبث، ان نهض وانطلق من جديد، ولكنه يحتاج الكثير من الجهد والعمل ليستطيع ان يثبت قدرته ووجوده من خلال دخوله في سوق المنافسة الخارجية. وهو ما نطمح اليه وما يطمح اليه الصناعيون اللبنانيون. والحكومة اللبنانية تدرك تماما مسؤولياتها الانية والمستقبلية تجاه القطاعات الانتاجية بشكل عام والصناعة بشكل خاص، وهي تعمل على وضع الركائز الاساسية لتأخذ هذه القطاعات دورها وانطلاقتها على الصعيد الانتاجي، وذلك من خلال تحديث الاقتصاد اللبناني وفقا للاسس التالية:

 

اولاً:    اعادة بناء البنية التحتية باعتبارها القاعدة الاساسية للتمويل وتحفيز الاستثمار.

 ثانياً:   تأمين استمرار الاستقرار الامني والاقتصادي والنقدي.

 ثالثاً:   اعطاء الحوافز الضريبية وغير الضريبية وازالة كل العوائق امام المستثمرين بشكل يكفل وضع لبنان على نفس المستوى التنافسي مع دول العالم الاخرى من اجل اجتذاب رؤوس الاموال المحلية والعربية والدولية.

 وقد اعدت الحكومة من اجل ذلك خطة عشرية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي تبلغ كلفتها المقدرة نحو عشرة مليارات دولار، وتمثل هذه الخطة رؤيتها وتطلعاتها نحو المستقبل والتي تستهدف اعادة بناء لبنان واعماره ووضعه على عتبة العام 2000. والحكومة، فضلا عن ذلك، تقوم بتهيئة الاجواء لتأمين المناخات الملائمة والمطلوبة للاستثمار، باعتماد تدابير اقتصادية ومالية هدفها لجم التضخم من خلال سياسة مالية تحقق زيادة في الواردات وخفضا للنفقات غير المجدية لتخفيض عجز الموازنة وتعزيز الاستقرار النقدي والاقتصادي.

     على اننا نرى ان تعزيز القطاع الصناعي وتخطي العثرات الحالية التي يعاني منها لايتأتى الا بتوفير بعض الشروط الاساسية ومنها:

 

  • تأمين تمويل للقطاع الصناعي متوسط وطويل الاجل لاعادة تأهيل الصناعات القائمة او اقامة صناعات جديدة لانه من غير الممكن للمؤسسات المصرفية التجارية العاملة في لبنان ان تؤمن هذا النوع من التويل الاستثماري وذلك بسبب طبيعة المصادر المالية المتاحة للمؤسسات المصرفية التجارية اللبنانية التي لا زالت في معظمها عبارة عن ودائع قصيرة الاجل وتحت الطلب. وربما اصبح من الضروري العمل على انشاء مؤسسات مصرفية متخصصة في الاستثمار تكون قادرة على ان تشكل في حد ذاتها واسطة ذات كفاءة متخصصة وعالية بين الراغبين في الاستثمار والاقراض الطويل الاجل وبين اصحاب المشاريع الصناعية القائمة والجديدة، وقد يكون المصرف الوطني للانماء الصناعي والسياحي نموذجا صالحا للمصارف المتخصصة للتسليف المتوسط والطويل الاجل شرط تطوير بنية هذا المصرف ليصبح قادرا على العمل بذهنية القطاع الخاص واسلوبه بحيث يتمكن بدعم من الدولة من استقطاب مصادر مالية طويلة الاجل من المؤسسات والصناديق العربية  والدولية للتمويل.
  • التشجيع على خلق مؤسسات صناعية قادرة على المنافسة وتلبية احتياجات الاسواق العربية والانفتاح على الاسواق العربية والعالمية وتحسين نوعية الانتاج، اذ في ظل المتغيرات القائمة، وانفتاح الاسواق والمنافسة لايمكن اللجوء الى صناعات غير قابلة للحياة.
  • توفير مهارات بشرية متخصصة ومدربة، وعلى قدر عال من الكفاية، وهو ما يتطلب جهودا واستثمارات كبيرة بهدف رفع مستويات التعليم والتقنية لدى مؤسساتنا التربوية ومؤسسات التدريب المهني، واعداد وتدريب العمال والمهنيين والتركيز على الانتاجية، لما يمكن ان يخلق ذلك من فرص عمل، وتحديث وسائل الانتاج مما يشجع على تخفيض كلفة الانتاج وعلى زيادة  القدرة التنافسية في السوقين الداخلي والخارجي، وبحيث يصبح الانتاج والفعالية الانتاجية قيمة مجتمعية يجري التشبث بها وتقييم الامور ووضع كافة المعايير على اساسها.
  • عصرنة الادارة بما خص القطاع الصناعي، واعتماد سياسة جمركية اكثر وضوحا وشفافية وسهلة التطبيق بحيث تكون الصناعة اللبنانية قادرة على العمل في بلدها دون حمايات مصطنعة.

وتعمل الحكومة، في هذا الصدد، على تعزيز وتطوير ادارة الجمارك واعادة النظر بالتعريفة الجمركية وذلك لجهة تبسيطها واختصارها وضبط عملية استيفاء الرسوم ومراعاة وضع المستهلك اللبناني، ودعم وتشجيع الصناعات اللبنانية، لتحسين اداء القطاع الصناعي، ولاسيما الصناعات القابلة للتطوير ضمن ضوابط تؤمن الحماية المطلوبة للصناعة الوطنية وبالذات تلك التي تستند الى قيمة مضافة في لبنان تبرر للحكومة اعتماد اجراءات الحماية لها، وحمايتها خاصة من المنافسة غير المشروعة. بحيث تمنحها مزيدا من القدرة التنافسية. وهي تتوخى تنفيذ هذه السياسة بصورة متناغمة ومتوازنة وصولا الى تحقيق الاهداف المرتجاة منها، خاصة، وان هناك اعتبارات متعارضة ينبغي التوفيق فيما بينها، وهي حماية المستهلك، وتعزيز الصناعة، وابقاء السوق حرة ومفتوحة وتنافسية.

  • اعادة نظر واعية واستشرافية لما ينبغي ان تتحول اليه هيكلية الملكية الصناعية لجهة توسيعها بهدف استيعاب رساميل جديدة، لبنانية وعربية واجنبية راغبة في الاستثمار فيه لفترات متوسطة وطويلة الاجل، وتعزيز فصل الادارة عن الملكية الصناعية، اي ايجاد ادارة مهنية مستقلة ومتخصصة كي تنهض باعباء الصناعة ومتطلباتها وتطويرها.
  • التأكيد على قيام القطاع العام بدور محفز للنشاط الاقتصادي وليس دورا معطلا او معوقا لدينامية القطاع الخاص ومبادرته، وبالتالي خلق المناخات التي تشجع مصادر التمويل على الاستثمار في كافة القطاعات الانتاجية في لبنان ولا سيما القطاع الصناعي. واعني بذلك الحوافز التشريعية والضريبية وحوافز الامن والامان ومعدلات العائد وخاصة لناحية تعديل وتطوير الانظمة المحاسبية فيما يتعلق بمعدلات الاستهلاك والمؤونات وتعديل ضريبة الدخل لجهة معدلات الضريبة ومعدلات الضريبة على التحسين واعادة التخمين، وهو ما قامت به الحكومة مؤخرا، وتشجيع اعادة استثمار الارباح المحققة في الصناعة.
  • تشجيع السوق المالية وتبادل الاسهم، وبالتالي، تطوير نظام سوق البورصة بحيث تصبح قادرة على تأدية هذا الدور الذي يمكن ان تلعبه سوق تبادل الاسهم والسندات (البورصة) في اجتذات جزء من مدخرات اللبنانيين في لبنان والخارج، وكذلك جزء من اموال الاشقاء العرب والمؤسسات الاجنبية للاستثمار المجدي في لبنان.
  • التأكيد على ضرورة العمل على توثيق عرى التعاون ما بين لبنان والدول العربية لان الصناعة لا تزدهر الا ضمن اسواق كبيرة ومنفتحة على بعضها البعض. ويجب التطلع الى هذا التعاون بين الدول العربية في مجال الصناعة وغيرها من المجالات، والتركيز على ميزات كل بلد بما يخدم مصالح هذه الدول، لان هذا التعاون يخدم الجميع في حين ان التشرزم يضعف الامكانات ويؤدي الى قيام اسواق ضعيفة.

  ان امالا كبارا، ايها السادة، نعقدها على مؤتمركم هذا، لا لاهمية الموضوعات التي يتناولها فقط، ولكن لانه يشكل لبنة اساسية في صرح بناء التعاون العربي في مجالاته كافة، والذي يجب ان يقوم على اسس من العلم والجدية والوضوح والايمان بضرورة هذا التعاون واهميته والثقة المتبادلة، وان نوفر له كل عوامل النجاح والاستمرار لخيرنا وخير شعوبنا والعالم اجمع.

 

اصحاب المعالي،

ايها السيدات والسادة،

 اتمنى لمؤتمركم النجاح والخروج بتوصيات عملية تعزيزا للقطاع الصناعي في لبنان والعالم العربي، وبما يقوي اسس التعاون بين الدول العربية على الصعد الاقتصادية كافة، واود من المشاركين ان لا يغيب عن اذهانهم لحظة واحدة ضرورة اعطاء القسط الاوفى من اهتمامهم وابحاثهم لبناء الانسان، لان الانسان هو راسمالنا الحقيقي وهو الابقى.

 

فندق البستان- بيت مري

13/10/1993

التاريخ: 
13/10/1993