النادي الثقافي العربي يحي الذكرى الـ20 لاستشهاد رفيق الحريري بندوة حاشدة فكريا وسياسيا ودبلوماسيا

إحياءً للذكرى العشرين لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري، عقد “النادي الثقافي العربي”، وللسنة الثالثة على التوالي، ندوة بدعوة من رئيسته السيدة سلوى السنيورة بعاصيري، تحت عنوان “رفيق الحريري ومشهد 2025”، في فندق الريفيرا – بيروت.
حاضر في الندوة كلٌّ من مدير عام معهد العالم العربي في باريس الشاعر شوقي عبد الأمير، والسفير المغربي السابق لدى لبنان علي أومليل، والنائب السابق باسم الشاب، و المفكروالأستاذ الجامعي الدكتور محمد علي مقلد، وأدارتها رئيسة النادي السنيورة بعاصيري.
الحضور
حضر الندوة نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري ممثلا رئيس الحكومة نواف سلام ، والرئيس فؤاد السنيورة، والوزير السابق رشيد درباس ممثلًا الرئيس نجيب ميقاتي ، والنائب السابق الدكتور محمد الحجارممثلًا الرئيس سعد الحريري، والوزير السابق محمد المشنوق ممثلا الرئيس تمام سلام ، إضافة إلى الوزراء الحاليين غسان سلامة وعامر البساط، والسيدةفاتن أبو الحسن ممثلة وزير الداخلية أحمد الحجار .
وتقدم الحضور سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، والنائب الدكتور بلال الحشيمي والنائب وفيصل الصايغ ومستشار الرئيس الحريري الدكتور داوود الصايغ، والوزير السابق د. كرم كرم إلى جانب فاعليات سياسية وثقافية وإعلامية ، ورؤساء مؤسسات أكاديمية وثقافية .
السنيورة بعاصيري
بعد النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحبت السنيورة بعاصيري بالحضور والمحاضرين والقت كلمة قالت فيها" كم هو مصدر اعتزاز للنادي الثقافي العربي، وهو يطوي ثمانين حولاً من عطاءاته الفكرية والمعرفية والثقافية، أن يكون اليوم كعادته منبراً رحباً مستنيراً لكوكبة من المفكرين والمثقفين ليشاركوا جمهور النادي وأحباءه الرأي والرؤية بشأن جديد الأحداث والتطورات ونحن في خضم مشهد استثنائي أطل علينا مع نهايات العام 2024 وبدايات العام 2025، حاملاً متغيرات عميقة صنعت تحولاً يعكس حقائق جديدة وسط سياقات محلية وإقليمية ودولية تعيد ترتيب الأولويات والانشغالات، فاذا كل ما في هذا المشهد يؤشر إلى افتراق عن مرحلة ممتدة عمقت الشدائد والمحن، وحفرت عميقاً في نفق الفرقة والتباعد حاصدة الموت والدمار، مشهد تؤذن معالمه والملامح بانتهاج مسار يرنو الى الغد، وكم نأمل ان يكون أفضل".
اضافت "هو مشهد يشكل بحق اعمق تغيير سياسي واجتماعي منذ تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل عقدين من الزمن، يوم استودع رفيق الحريري الله عز وجل هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب متيقناً أن هذا الوطن الذي افتداه بدمه سيبقى بعون الله عصياً على المصادرة والاستباحة، بل قادراً على ان يستعيد قراره الحر وألقه وتميزه. فكان ان استجابت العزة الإلهية لمناجاته ولو بعد زمن."
وأردفت السنيورة بعاصيري "لم يبالغ رفيق الحريري عندها في طموحاته واندفاعاته كما في تقديره والتمنيات بشأن ازدهار لبنان وتقدمه. فهو ان حلم بلبنان الرسالة والدور لم يكن في ذلك الا مستنداً الى تاريخ لبنان الحضارة والانفتاح والتنوع، ولم يكن الا مدركاً لواقع لبنان الإبداع والفرص والإمكانات.
ولم يتجاوز رفيق الحريري عندها في رؤاه والتطلعات حدود المنطق والأعراف، فلم تكن مواقفه والسياسات الا مرتكزة على مقومات الدول الحديثة ومستلزماتها أي مفاهيم السيادة الناجزة، والمواطنة الجامعة، والحكم الرشيد، وفصل السلطات وانتظام الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت سقف الدستور وآلياته. ولم يكن رفيق الحريري إلا متكئاً على الالتزام بوثيقة اتفاق الطائف وحسن استكمال تطبيقها. وهي التي وضعت حداً لدورات العنف والاقتتال، والتي عمل الحريري جاهداً لكي تكون مرجعية ميثاقية وقانونية."
وتابعت" هو مشهد تتكشف عناصره في حراك متسارع مظهراً ملامح وطن كان رفيق الحريري يطمح إلى ارسائها وان بانعطافات متدرجة، فاذا بها تهب اليوم عصفاً جارفاً في محيط لبنان وداخله، مطيحة بمعالم حقبة مظلمة مريرة افرزت المأساة تلو المأساة، جاعلة اللبنانيين صرعى التاريخ والجغرافيا والأحداث.
هو مشهد ما كان له الا ان يكون، لأن قدر اللبنانيين ان ينهضوا تماماً كما سبق ان نهضوا عندما استحثهم رفيق الحريري لالتقاط الفرص التي اتاحتها المتغيرات في حينه لإعادة البناء بما ينسجم مع مسارات التنمية الوطنية والتعاون الإقليمي والدولي."
وختمت "هو مشهد ما كان له الا ان يكون لان قدر اللبنانيين ان يتماهوا بكل وعي وبصيرة مع العنوان السياسي للمرحلة الجديدة القائمة على مرجعية الدولة دون سواها، مستلهمين خطة الطريق التي جاءت في خطاب القسم لفخامة الرئيس جوزيف عون وخطاب التكليف لدولة الرئيس نواف سلام. وأيضا لأن قدر اللبنانيين أن يؤكدوا يقيناً وحدتهم في تنوعهم الخلاق وايمانهم الثابت بنهائية لبنان وطناً عربياً سيداً حاضناً لكل أبنائه دون تفرقة او تمييز، كما صدق رفيق الحريري قائلاً لا أحد أكبر من وطنه.
مشهد 2025 متعدد الاوجه والأبعاد كما الفرص والتحديات يتناوله ضيوفنا الأكارم مستذكرين، في الغوص في مكوناته والعناصر، مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري رؤية ورسالة وأدوار"
عبد الأمير
ثم تحدث مدير عام معهد العالم العربي من باريس الشاعر شوقي عبد الأمير عبر تطبيق زوم وقال : " كان يوم استشهاد رفيق الحريري جريمة تجاوز وقعها لبنان ليصل إلى العالم العربي والغربي أجمع. "
وتطرق عبد الأمير الى مناسبة التقى خلالها الرئيس الحريري مستذكرا دوره في جعل بيروت العاصمة التي تبنت مشروع كتاب في جريدة لمدة 17 عاما "
وأضاف "تحدثت يومها مع الرئيس الحريري عن أوسع مشروع ثقافي عربي. وطرحت عليه الفكرة فقبلها برحابة صدر. "
وتابع" يوم تأسس هذا المشروع، كانت عدة عواصم عربية ترغب في طرحه ،كنت في زيارة إلى لبنان، والتقيت يومها بمستشار الرئيس الحريري محمد كشلي الذي جمعني به على الفور ونقلت له فكرة المشروع، فإذا به يتبناه فوراً ورحب بالفكرة كثيراً.وسارع بالاتصال يومها بوزير الثقافة، ميشال إدي، وجمعني به بسرعة فائقة لكي ننجز المهام. وبجهود الرئيس رفيق الحريري واختيرت بيروت لتنفيذ أكبر مشروع ثقافي عربي في ذلك الوقت، واستمر هذا المشروع لمدة 17 سنة. وكان "كتاب في جريدة" هو المشروع الذي بيروت من خلال رفيق الحريري، نفذ بالتعاون مع اليونسكو."
اومليل
بعدها تحدث السفير المغربي السابق لدى لبنان علي اومليل مبينا النواحي المختلفة التي حالت دون استقرار لبنان منوها بمزايا الشعب اللبناني ودوره في ارساء الحضارات حول العالم وقال اومليل"
أنا شخصياً لا أرى أي مبرر لاختيارنا طريق الذل والانكسار، والالتفاف حول القضايا التي لا تقدم لنا سوى التخلف والانحدار. ماذا قدمنا نحن، ماذا حققنا في أفعالنا؟ فكل ما وصلنا إليه كان بسبب الرغبة في تغيير كل شيء دون الالتفات إلى الأضرار التي قد نسببها. لا نريد أن نبني حجراً على حجر، ولا حتى أن نتطور خطوة واحدة. لماذا كل هذا؟ لماذا لا ننظر إلى الآخر بعينِ العدل، وحب الوطن
"على الرغم من تلك الظروف، كان من الضروري أن نتحمل المسؤولية ونواجه الصعاب. قال لي الطبيب، "ستحتاج إلى الكثير من الصبر والقوة لتجاوز هذه المرحلة".
"في ظلّ الظروف التي فرضها الوضع السياسي، على لبنان أصبح هذا البلد بحاجة ملحّة للابتعاد عن المناورات السياسية الداخلية والبحث عن حلول حقيقية للمشاكل التي نواجهها، بما في ذلك التحديات الاقتصادية الصعبة التي بدأت تؤثر بشكلٍ ملحوظ على حياة المواطن اللبناني."
واضاف" لا بدّ من البحث في حلول مبتكرة وفعّالة من أجل استعادة الثقة بالحكومة ، ووضع لبنان على الطريق الصحيح. يجب أن يتوازى ذلك مع محاربة الفساد المستشري في بعض القطاعات، والعمل على تحسين الوضع الاقتصادي من خلال إصلاحات جذرية تسهم في رفع مستوى المعيشة والحد من البطالة."
واضاف" يجب أن يبدأ هذا التغيير في السياسة الداخلية قبل ألتوجه الى الخارج لاستعاد ةالاستقرار، وليستطيع لبنان مواجهه التحديات التي مر بها ، من الأزمة السورية إلى الوضع الدولي والاقتصادي. لا بدّ من إيجاد حلول عملية وجدية، ولقاء كافة الأطراف السياسية على الطاولة لإيجاد أرضية مشتركة لخدمة لبنان وتطوره."
وتطرق الى "فشل النظام السياسي في حكم البلاد، وانشغاله بالصراعات الداخلي مشيرا كيف اثرت سلبا الصراعات الطائفية على بناء الدولة ".
وقال " التغيير الذي يحتاجه لبنان ليس فقط على مستوى الهيكلة السياسية، بل يجب أن يشمل السياسات الاقتصادية التي تساهم في تحسين الوضع المالي وتوفير الدعم للأفراد والشركات الصغيرة، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن اللبناني. كما يجب على الحكومة تبني إجراءات حاسمة لتحفيز الاقتصاد، وزيادة الإنتاج المحلي، والعمل على توفير فرص عمل جديدة للجميع."
وتابع من هنا "على الحكومة أن تضع سياسات جديدة تسهم في إعادة إحياء القطاعات الإنتاجية، ومن بينها الصناعات الغذائية، والصناعة الحرفية، ومشروعات الابتكار التكنولوجي، لضمان استمرارية الاقتصاد اللبناني وتحقيق التنمية المستدامة."
"وطوال فترة هذا العام، كانت الأوضاع تتطور بشكل سلبي نحو الأسوأ، لا سيما بعد دخولنا في أزمة اقتصادية خانقة، تفاقمت مع تداعيات الأزمة السورية. لقد زادت المشاكل والمعوقات التي ساهمت في زيادة التحديات التي يواجهها لبنان.
ورأى " انه على الرغم من كافة المساعي لنجاح الإصلاحات التي تم السعي لإجرائها، إلا أن النتائج كانت أقل من المتوقع في هذا العام. لذلك، لا بدّ من إجراء تعديلات على السياسات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان لمواجهة التحديات التي تفرضها الأزمات المستمرة في المنطقة. لكننا نأمل أن يحمل لنا العام الجديد بصيص أمل، بما يتناسب مع التطلعات.
وتابع" من المهم وضع خطة إصلاحية تركز على معالجة التحديات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى تطوير القطاعات الإنتاجية الأساسية.وللاستفادة من الخبرات العالمية في مجال الاقتصاد والتنمية، لا بد من الاستمرار في تطوير الآليات والعمل على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وكذلك الاستفادة من التعاون مع الدول التي تملك الخبرات المتقدمة في هذا المجال."
كما تحدث عن "تأثير الهيمنة الإيرانية ونظامها السياسي على لبنان والمنطقة، وتأثير إسرائيل وطموحاتها على المنطقة. كما تحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي وتأثيره على لبنان وأشار إلى حقبة رفيق الحريري التي ارست مفهوم الحياة الرغيدة "
وختم " إن العالمين العربي والغربي يتابعان ما حدث في لبنان هذا العام، وأن العديد من البلدان حول العالم كانت في حالة توتر بشأن تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس، وأن اللبنانيين أسموها "العصر" لأنهم كانوا يأملون في أن يكون هناك إصلاح شامل. وأشار إلى أن الإصلاح يجب أن ينهي معاناة اللبنانيين، لأنهم يعيشون حياة خاصة ويحبون هذه الحياة. كما تمنى أن ينتهي النظام الطائفي الذي دمر المساواة في لبنان، وأن يستعيد لبنان قوته الحقيقية ويعود إلى ماضيه."
الشاب
ثم تحدث النائب السابق ادكتور باسم الشاب وقال" عشرون عاماً مرت على استشهاد الرئيس رفيق الحريري. والكلام بعد عشرين عاماً ليس كالكلام بعد عشرين يوماً أو عشرين شهراً. فبعد عشرين عاماً، تصغر الصغائر ويبهت النقد الذي لا تلحظه فلسفة التاريخ ، وبعد عشرين عاماً، تعلو النظرة التاريخية فوق كل الاعتبارات السياسية الآنية الضيقة."
واضاف" نظرتنا اليوم إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري تتخطى سردية وقائع وأرقام إلى سردية شخصية تاريخية واكبت وصقلت تاريخ لبنان الحديث من الحرب الأهلية إلى لحظة اغتياله ولعل التاريخ الأهم كُتب بعد اغتياله. ولعل السبب الأهم لاغتياله كونه شخصية تاريخية.
نحن هنا في قلب رفيق الحريري، في بيروت، منارة العلم والفكر والحرية في الشرق. كثيرة هي انجازات رفيق الحريري ولكن أهمها بلا شك هو إعادة إعمار بيروت. إن إعادة بيروت، مدينة واحدة موحدة، لا يقل أهمية عن سقوط جدار برلين وتوحيدها."
واردف"ها هي بيروت آخر مدن المتوسط المتعددة الحضارات والأديان كما يروي فيليب مانسيل في كتابهLevant. بيروت ودّعت رفيق الحريري بعناق مسلمٍ مسيحيٍ لا سابقة له في ذاكرة الشرق والغرب.
اقترن خط رفيق الحريري بالاعتدال ولكن الأهم كان نهج الحداثة وليس من باب الصدفة أن يُسمي تياره بتيار المستقبل. فالكثيرون أرادوا وما زالوا يريدون إحياء الماضي وإعادة لبنان إلى ما كان عليه قبل العام 1975. ولكن رفيق الحريري أراد أن يكون لبنان سباقاً للعصر لا مأسوراً بالادمان على نوستالجيا 1975."
وتابع الشاب فقال" نسمع اليوم كلاماً عن العودة إلى نهج رفيق الحريري، وأنا على يقين أن رفيق الحريري لو كان معنا اليوم لكان أخذ نهجاً آخر يتطلع إلى المستقبل بمسيرة تواكب التغييرات السريعة في السياسة والتكنولوجيا رافضاً التقوقع في الماضي.
إن عهد رفيق الحريري من نظرة تاريخية كان عهد نهضة لبنان من حرب أهلية مدمرة وعصر حداثة ثقافية وعلمية وعمرانية غير مسبوقة في ظروف داخلية ضاغطة من نفوذ سوري واحتلال إسرائيلي.
رفيق الحريري أخرج لبنان من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد وأضلعه امتدت له جسراً وطيداً.
هنري كيسينجر في أطروحة الماجستير في هارفرد وكان يبلغ 27 عاماً، كانت بعنوان "معنى التاريخ" وتحدث فيها بإسهاب أنه لا معنى للتاريخ بدون فلسفة ميتافيزيقية. وبدونها يبقى التاريخ سلسلة من الأحداث لا معنى لها.
فهل يمكن أن نضع حقبة رفيق الحريري وما تبعها بسياق أكبر من السياسة والاقتصاد والأحداث الأمنية؟
من هذا المنظار إن رفيق الحريري، شخصية تاريخية لبنانية مثل مارغاريت تاتشر في بريطانيا و رونالد ريغان في الولايات المتحدة."
واضاف" فالشخصية التاريخية لها مكونان أساسيان هما الصفات الشخصية والانجازات، والثاني هو الأهم. إن شخص رفيق الحريري غني عن الوصف. ذكاء حاد، ومقدرة للتعاطي مع أكثر الأمور تعقيداً وتبسيطها. طَموح يتحدى الواقع، شَغف بالحوار وبالأخص مع من يخالفونه الرأي، تعامله مع الصديق والخصم بهدوء واحترام. شَغَف بلبنان واللبنانيين. ولكن الأهم كان نَبذُه للعنف، وإيمانه بالكفاءة كالمعيار الأهم."
وتطرق الشاب الى انجازات الرئيس رفيق الحريري فقال" فحدِّث ولا حرج، من دور رئيسي في إنهاء الحرب الأهلية وإعمار لبنان تحت ظروف سياسية إقليمية صعبة. ولا ننسى دعمه للعلم والمؤسسات العلمية وأولها الجامعة الأميريكية بالذات عندما تخلى عنها الأميركيون. إلا أن أهم انجازاته كان انفتاح اللبنانيين المسلمين على الغرب وعلى فرنسا بالذات، فما عادت العلاقة مع فرنسا حكراً على فئة من اللبنانيين. كما وثّق علاقات المسيحيين بالعالم العربي.
وبذلك فتح أبواب الغرب للمسلمين وأبواب الشرق العربي للمسيحيين. وهو تحول أساسي في المجتمع اللبناني كما هو أهم نقيض لصراع الحضارات والأديان.
والأهم أنه حمل لبنان إلى العالم ولا نبالغ إن قلنا أن أبواب الممالك والجمهوريات ظلت تفتح لذكره طويلاً بعد غيابه.
ولكن هل شخص رفيق الحريري وحده يُفسر سيرته وإنجازاته؟ التاريخ يعج بشخصيات تركت بصماتها على الأحداث، ولا شك أن التاريخ يسطره رجال ونساء عظماء كما يقول توماس كارليل صاحب نظرية أن الرجال العظماء يصنعون التاريخ. ومما لا شك فيه أن مجرى التاريخ كان تغير لو قُتل هتلر في الحرب العالمية الأولى مثلاً.
وهنالك رأي أن التاريخ الذي على وشك التحول يستدعي رجل أو إمرأة لمجاراة هذا التحوّل. فنابليون هو الاسكندر في العصر الحديث، والظرف هو الأقوى.
والخميني ظهر لأن ممكلة الشاه كانت تنهار وليس العكس. والأرجح أن الظرف والشخص اجتمعا معاً في زمن رفيق الحريري. شخصية غير اعتيادية في زمن غير اعتيادي."
وأشار الى ان " جريمة العصر وما سبقها وما تبعها من اغتيالات وترهيب، وكأنها محاولة يائسة بائسة لوقف عجلة التاريخ بقتل الشخصية التاريخية. وجاءت تظاهرة 8 آذار للمطالبة ببقاء الجيش السوري في لبنان باعتقادٍ ساذج أن الأنظمة القمعية لها الغلبة.ولكن ما لبثت عجلة التاريخ أن عادت بزخم وقوة لتسحق الدكتاتوريات السياسية والدينية. الحرية هي التي تدفع عجلة التاريخ كما يقول هيغل ولو بعد حين.
مقلد
واختتمت الندوة بكلمة للمفكروالأستاذ الجامعي الدكتور محمد علي مقلد قال فيها" مشهد 2025 مليئ بالمفاجآت والمفارقات. صمد الشعب الفلسطيني في غزة المدمرة، قرى في جنوب لبنان صارت ركاماً، فر بشار الأسد وخُتم بالشمع الأحمر على باب الاستبداد البعثي، خاتمة محزنة لحكاية الأنظمة التقدمية والجمهوريات الوراثية، التحرر الوطني صفحة طويت في المشرق العربي، فُتح الباب لخروج الإسلام من بطن السياسة، نسخة جديدة من النهضة والحداثة بدأت في الخليج مع الأمير محمد بن سلمان، مرحلة جديدة في لبنان بدأت بتسليم مفاتيح القصر الجمهوري للرئيس جوزف عون وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام ليعهد إليهما إنقاذ لبنان من قاع جحيم رماه فيه ثلاثي العهد البائد.
عالم عربي ينطبق عليه قول المتنبي، وكان به مثل الجنون كأنما ومن جثث القتلى عليه تمائم
من أول الطوفان قلنا لشعب فلسطين، كلنا كنا وكلنا سنبقى مع القضية، ونكون مع حماس أيضاً إن هي أعلنت نفسها "كاميكاز" الثورة، وإن هي أهدت بطولات ثوارها للشعب، وتخلت عن السلطة في غزة من أجل الدولة في فلسطين، ولم تفعل.
من أول الإسناد قلنا لحزب الله، أياً تكن نتائج المعركة، سنحتفل معك بالانتصار ولو على الأنقاض وبقايا الجثث، لنا عليك فقط أن تهدي الانتصار للشعب والسلاح للدولة. ولم يفعل. كان عليه أن يقبل باحتمال المساكنة بين المقاومة ومشروع الحريري لإعادة الإعمار، أو بين الثورة والتطور، لكنه لم يقبل، لا هو ولا النظام السوري، ولكل منهما أسباب وتبريرات مضمرة لكنها لا تخفى على أحد."
وأضاف" كل من على الكرة الأرضية ابتهج يوم التحرير باستثناء إسرائيل والنظام السوري. هي لأنها خرجت مدحورة مهزومة، أما هو فلأن المقاومة في حساباته هي للتفاوض لا للتحرير، ولأنه كان يريد منها أن تكون كمنظمة الصاعقة وأخواتها، تشاغب من لبنان وفي لبنان، وتُمنع من حمل السلاح في الجولان. وهل لسائل أن يسأل لماذا توجهت أصابع الاتهام السياسي باغتيال رفيق الحريري إلى النظام السوري؟
أما حزب الله فقد كان صادقاً في مقاومته وبذل من أجل القضية أغلى ما عنده، آخرهم أمينه العام، لكن القضية عنده ليست فلسطين بل التعاون مع النظام السوري على تدمير الدولة في لبنان وتعزيز النفوذ الإيراني والانخراط في مشروع ولاية الفقيه. لذلك انعكس التحرير عليه إرباكاً و راح ينظّم اشتباكاً مع الدولة حول مستقبل سلاح المقاومة، يشبه الاشتباك الذي حصل غداة اتفاق القاهرة واستمر حتى البارحة عند تسلّم الجيش اللبناني المواقع والأنفاق في قوسايا وفي الناعمة، بين المنظمات الفلسطينية والميليشيات اللبنانية الداعمة لها وبين السلطة اللبنانية وأجهزتها الأمنية. لذلك لاقى اقتراح دخول الجيش إلى الجنوب بعد التحرير معارضة شديدة من النظام السوري ومن حزب الله على حد سواء."
واردف مقلد" فضح مشروع رفيق الحريري الممانعة وأنظمتها وأحزابها التي رأت تعارضاً بين مقاومة الاستعمار الصهيوني في فلسطين وبين الدخول في رحاب الحضارة الحديثة، الحضارة الرأسمالية، وفضح إمعانها في الاستبداد وعداءها للديمقراطية. باغتياله اغتالوا الجمهورية الثانية. لكن، ها هي الأنظمة تسقط والأحزاب تنهار. بعد أن عوقب القتلة بالموت أو بالهرب أو بالتخفي، آن للبنانيين أن يستلهموا من عظمة سيرته مشروعاً لبناء الجمهورية الثالثة، واحتفالاً بالاستقلال الخامس والنهائي، 1920عن السلطنة، 1943عن فرنسا، 2000عن إسرائيل، 2005 عن سوريا، 2025 عن إيران. وما من قوة أو جهة أو طائفة لبنانية بعد قادرة على تنظيم حرب أهلية".
واشار في كلمته الى أن "رفيق الحريري كان علامة فارقة في عمر الجمهورية اللبنانية. لم يكن رئيس حكومة عادياً. كان حكومة بحالها. يتابع أدق التفاصيل في وزاراته كلها. يحفظ الأرقام والأسماء والأشخاص كأنه خزان إلكتروني للمعلومات، وكأن المواطنين عائلته الكبرى. صاحب رؤيا وبعد نظر وصاحب خطة للاستثمار في العلم لبناء مستقبل زاهر للوطن. الحجر الأساس لكل نهضة، بنية تحتية وشبكة مواصلات وشبكة اتصالات ومطار وتعليم وصحة وكهرباء، ألخ. قدم نسخة مطورة من مشروع كميل شمعون التنموي.
العلامة الفارقة الثانية بل الأولى كانت التجربة الشهابية. غير أن التجارب الثلاث رسبت في امتحان الدولة. الشهابية أسقطتها المارونية السياسية واعتداء المكتب الثاني على الديمقراطية، كميل شمعون أنزل الدولة من موقعها الحيادي كحكم بين المختلفين وزجها في الانقسامات وافتتح استدراج الخارج منتهكاً السيادة بالإنزال الأميركي على ساحل الأوزاعي.
أما رفيق الحريري فقد جمع في حكوماته أهم الكفاءات اللبنانية في العالم، لكن مشروعه لإعادة بناء الدولة اصطدم بوجود الميليشيات معه على طاولة مجلس الوزراء، كما أنه أدار أمور الدولة بآليات إدارة الأعمال الخاصة. كتبت عن أزمة الديمقراطية في مشروع الحريري وفي مشروع الحزب الشيوعي، أن الدولة لا تبنى بوجود أدوات ميليشيوية في داخلها، فجافتني كل أحزاب السلطة والمعارضة.
الوحيد دولة الرئيس رفيق الحريري استقبل ملاحظاتي بصدر رحب واكتفى بقوله لي، ما تطالبني بفعله على صعيد بناء الدولة ممنوع علينا فعله. فهل لسائل أن يسأل في التسعينات عمن يكون المانع؟ الممانعة وأدواتها هي التي منعت الكهرباء وخربت كل مسعى لإعادة البناء ودمرت كل أسس الديمقراطية بتعطيلها المؤسسات وانتهاكها الدستور.
اليوم بعد أن استلم الرئيس جوزف عون مفاتيح القصر الجمهوري والقاضي نواف سلام مفاتيح السرايا صار ممكناً الانطلاق من حيث انتهى مشروع رفيق الحريري وإنقاذ لبنان من قاع جحيم رماه فيه ثلاثي العهد البائد"
وتحدث عن جمهور 14 آذار الحارس الأمين على إرث رفيق الحريري السياسي فقال " ملأ الساحات عام 2005. لكن قياداته حولت الحشود من ثورة على النظام الميليشيوي إلى انتفاضة ضد "الاحتلال" وأنكرت مسؤوليتها عن استدراج الخارج. كانت الأولوية عندها للسلطة لا للدولة. كنت أرفق مشاركتي في مناسباتها السنوية، التي لم أتخلف عن أي منها، بمقالة أنتقد فيها هوسهم السلطوي واستخدامهم لغة ومصطلحات من قاموس الحرب الأهلية، كالقول بفسطاطين وحضارتين ولغتين، لكنهم كانوا يصمون آذانهم عن أي نقد، إلى أن استسلموا وسلموا أمرهم لقبطان الجحيم.
جمهور 14 آذار أعاد الاعتبار للثورة في 17 تشرين وفرض على قياداته الانسحاب من السلطة ليبقي المتهمين بالفساد ومنتهكي الدستور المسؤولين عن تدمير الوطن والدولة عراة أمام الشعب اللبناني وأمام دول العالم وحيدين معلقين في الهواء كمشنوق الشاعر محمد الماغوط، أو كمرمى من غير حارس، قائمتاه من الثنائي الشيعي وعارضته التيار الوطني الحر. "
واضاف " كان سعد الحريري الأكثر جرأة في التعبير عن مسؤوليته كواحد من قيادات 14 آذار. فعل ذلك حين استقال من رئاسة الحكومة استجابة لنداء الثورة، وحين عاد البارحة من اعتكافه وكرر اعترافه الصريح بحصته من المسؤولية من على ضريح الشهيد رفيق الحريري.
موقف قيادات 14 آذار لم يكن يشبه موقف جمهورها. هنا تضامن وطني بلا حدود وهناك نزاعات ومنافسات ومناكفات فرطت عقد الانتفاضة وقلصت فرص النجاح أمام استكمال مشروع رفيق الحريري في غيابه، وكادت تنعدم تلك الفرص أمام الوريث السياسي مع تخل عربي وحصار عائلي ، إذ كان ينبغي أن يحظى بدعم عربي إضافي وأن ترصد له حصة إضافية من الميراث العائلي ليتمكن من متابعة مسيرة الشهيد."
وختم " دخل رفيق الحريري عالم السياسة كرئيس للحكومة فخوراً بنسبه القومي العربي وبانتمائه إلى قضايا الأمة وفي القلب منها قضية فلسطين، في وقت كانت الأحزب تشق الطريق نحو أزماتها المستعصية. كيف يفسر إذن صعود شخص إلى السلطة متحدر من حركة القوميين العرب في ذروة التصدعات الحزبية الكبرى في العالم وفي المنطقة؟ ويلح السؤال بعد أن توالى على رئاسة الحكومة اثنان من الأرومة السياسية ذاتها، فؤاد السنيورة ونواف سلام.
لقد جاؤوا بعد نقد للتجربة بهدوء ومن غير ضجيج ومن غير تنكر للأصول. هذا هو السبيل إلى خروج الحزبي من الجمود العقائدي، بحيث لا يعود الصراع في العالم بين ملائكة وشياطين، ويصبح التخلف هو العدو، ويصير الاعتدال لا التطرف هو الطريق إلى السلام الداخلي بين الانسان ونفسه وإلى السلام بين المواطنين.
تزامن دخول رفيق الحريري إلى عالم السياسة كرئيس للحكومة مع ظهور العولمة كظاهرة شكلت خطراً على مفهوم الدولة، بسبب ميلها إلى تسليمها الاقتصاد مقاليد الأمور. كما تزامن مع جنوح مصطلحات الثورة واليمين واليسار نحو دلالات التطرف والفوضى لتكون الدولة أيضاً هي الضحية.
أعلن رفيق الحريري انحيازه الواضح للدولة في مواجهة منتهكي سيادتها من الميليشيات والقوى الخارجية، متخلياً عن موقعه الطبقي، كأحد أكبر مالكي الثروة، لينخرط في "كتلة تاريخية"، بحسب تعبير غرامشي، عابرة للطبقات والطوائف والمناطق، تؤجل كل مشاريعها ما دون الوطنية وما فوق الوطنية إلى ما بعد قيام الدولة، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص، دولة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
مثل هذه الدولة لا يبنيها يسار أو يمين بل المتحدرون من يسار علماني ويمين متنور، الحريصون على بناء وطن حر مستقل وعلى دولة سيدة."
مداخلات
وفي نهاية الندوة كانت مداخلات للوزير السابق درباس قال فيها " في بعض الأحيان يغبط الأحياء موتاهملأنهم رحلوا قبل أن يروا ما نراه. لو كان رفيق الحريري حياً لكان قد رأى أن أراضي العرب تعتبر عقارات يجب إخلاؤها من سكانها لكي تصبح منتجات لأحلام ترامبوجنون نتنياهو. لو كان حياً لكان يقود الآن أوسع حملةشعبية وديبلوماسية في جميع أنحاء العالم، ولحثالأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها على النهوض ."
ثم قال النائب السابق محمد الحجار في مداخلة له وشهادة " معرفتي بالشهيد رفيق الحريري تعود الى مرحلة إعادة إعمار بيروت من جديد بعد الدمار الهائل الذي لحق بها من جراء الحرب الأهلية حينما قال لي لا يهم كم يكلفنا إعادة إعمار عاصمتنا ، المهم أن نعيدها الى الحياة بأسرع وقت ومهما كان الثمن ".